يجمع الذين كتبوا عن ظاهرة الإرهاب على أن هناك صعوبة بالغة تكتنف هذا المصطلح، وبالتالي يصبح الحديث عن إيجاد تعريف محدد له أمراً مستحيلاً، ومرد هذه الصعوبة إلى طبيعة الأعمال الإرهابية، واختلاف نظرة الدول لمثل هذه الأعمال؛ فما يراه البعض إرهاباً يراه الآخر عملاً مشروعاً، والعمل الذي يصنف إرهاباً لدى بعض الأفراد أو الدول، يراه آخرون حقاً مشروعاً لمن قام به حسب الاتفاقات الدولية وقوانين الأمم المتحدة وحقوق الإنسان المتفق عليها.
هذا الاختلاف الواضح في تعريف الإرهاب مثل مشكلة واضحة أمام الباحثين على اختلاف تخصصاتهم واهتماماتهم الفكرية، وهذا ما جعل مصطلح الإرهاب غامضاً عند الكثيرين، وجعله يستخدم بحسب أهواء ومصالح البعض بعيداً عن تحقيق الأهداف الحقيقية لمكافحة الإرهاب. وقد رأينا شيئاً من ذلك النوع من الاستخدام عند الأميركان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، وقد عبّر عن ذلك الرئيس الأميركي بوش الابن عندما قال: «من ليس معنا فهو ضدنا»! وبناء على هذا التصنيف قتلت الحكومة الأميركية الآلاف لأنهم لم يكونوا معها، ومازالت تقتل الأبرياء اعتماداً على أنهم ارهابيون!
التصنيف الأميركي للإرهاب فتح شهية بعض الدول العربية والاسلامية لكي تلصق هذه التهمة بكل مناوئيها حتى ولو لم يقوموا بأي عمل إرهابي حقيقي، باعتبار أن هذه التهمة غير قابلة للنقاش وعلى الجميع تقبلها وتصديقها.
فالمظاهرات مثلاً قانونية في معظم الدول العربية، ولكنها قد تتحوّل إلى عمل إرهابي عندما لا تتماشى مع رغبات الحكام؛ ففي مصر كانت المظاهرات الداعمة للانقلاب على الحاكم المنتخب عملاً مشروعاً يقرّه القانون مع كل ما فيه من مخالفات تستحق العقوبة بموجب القانون، ولكن هذه المظاهرات أصبحت إرهاباً لأنها لم تعد تحقق مصالح الحاكم وخرجت عن إرادته! وتحت مظلة الإرهاب المزعوم تم قتل الآلاف وإحراق بعض الجثث وسجن الآلاف، وتحت مظلته أيضاً خنقت الحريات وأغلقت بعض المساجد وتم محاصرة المصلين وقتل بعضهم فيها، وكل ذلك تم تحت غطاء مكافحة الإرهاب لكي يضفي هؤلاء مشروعية على المجازر التي ارتكبوها! ويتكرّر المشهد وإن كان بصور مغايرة في دول عربية أخرى، وذلك عندما يتهم المتظاهرون السلميون جميعاً بالإرهاب، ودون تحديد دقيق لطبيعة هذه التهمة، وكذلك نوعية الجريمة الإرهابية التي قام بها هؤلاء المتظاهرون الذين ربما كانوا يطالبون بحق مشروع من حقوقهم التي كفلها لهم نظام بلدهم! وهكذا نجد هذه الصورة تتكرر في أماكن أخرى ويتم وصف أصحابها بالإرهاب، وذلك لإضفاء المشروعية على التصرفات القاسية التي تمارسها السلطات عليهم! هذه الصورة ذاتها كانت حاضرة في ليبيا في عصر القذافي، وفي تونس أيام ابن علي، وفي الجزائر في بعض الفترات، وكانت كلها تستدعي معاملة بعض المواطنين بقسوة بالغة تصل أحياناً إلى حد القتل، فكان لابد من اتهامهم بالإرهاب.
لابد من القول إن هناك إرهاباً حقيقياً وُجد في بعض الدول العربية مثل السعودية، وكان لابد من التعامل معه بشدة؛ فقتل الأبرياء إرهاب مهما كانت ديانتهم والاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة بأي صورة من الصور هو إرهابٌ أيضاً، ويجب مقاومته بقوة وبحجم الجريمة التي ارتكبت وذلك حفاظاً على الأمن الذي تعتمد عليه الحياة بكل تنوعاتها.
وكما قلت في بداية المقال، فإن للإرهاب جوانب متعددة قد يكون أعلاها الاعتداء على أرواح الناس وممتلكاتهم، لكن إرهاباً من نوع آخر نراه أحياناً في مجتمعاتنا العربية ما بين آونة وأخرى، وقد لا يسمّيه البعض كذلك لأنه لا يرى أنه يحمل بعض صفات الارهاب؛ فإشاعة الخوف بين الناس بسبب الظلم أو الاعتداء على الحقوق الخاصة لهم يعد إرهاباً، والتحرش الجنسي الذي نراه في الأسواق هو أيضاً نوعٌ من الإرهاب، ومثله العنف الأسري الذي يطال الأبناء والزوجات، فكل ما يدخل الخوف على نفوس الآخرين يعد نوعاً من الإرهاب المرفوض مهما كان نوعه. وللأسف فإن بعض الدول لا تتعامل مع هذا النوع من الجرائم على أنها جرائم إرهابية، ما سمح لها بالتمدد والانتشار وتهديد فئة من أبناء المجتمع.
إن بعض الدول مارست الإرهاب على فئةٍ من مواطنيها وصل إلى حد القتل أو التهجير، رأينا ذلك في ميانمار التي قتلت آلافاً من مواطنيها المسلمين (الروهنجا)، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، ومثلها فعلت حكومة الصين مع سكان تركستان الشرقية (الإيغور)، حيث قتلت عشرات الآلاف منهم وكان ذنبهم الوحيد أنهم مسلمون ويريدون تطبيق الاسلام في حياتهم العامة. وإذا اتجهنا إلى العراق وسورية وجدنا صوراً من الإرهاب يندى لها الجبين؛ فالقتل هناك يأخذ الطابع الطائفي وهذا يعد من أسوأ أنواع الإرهاب لأن آثاره تبقى لعشرات السنين. هذا النوع من الجرائم لا تعده تلك الدول إرهاباً حتى لو قام به بعض الأفراد بحكم العصبية للدين أو المذهب لكي لا يقال أن الإرهاب يمارس فيها، وهي تغمض عينيها عنه أو تشجّعه أحياناً لتحقيق مآرب سياسية. والمؤسف أن معظم دول العالم بل ومنظمات حقوق الإنسان لا تتحدث عن تلك الجرائم بوصفها أعمالاً إرهابية، والسبب هو أن المعنيين بهذه الجرائم هم مسلمون. كما أن موازين القوى تؤثر على تلك المنظمات والدول، فغالباً لا يجرؤ أحدٌ على انتقاد الأميركان عندما يقتلون الأبرياء في أفغانستان أو اليمن، كما لم نسمع نقداً لقتل الآلاف في الشيشان وفي تركستان وبورما، ولو حدث ذلك فهو على استحياء شديد وبدون تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية! ولو أن مسلماً قام بعمل إرهابي أو حتى نسب إليه لشن عليه العالم كله حرباً لا هوادة فيها، ولربما شملت هذه الحملة الدين الاسلامي ومقدساته، وهذا يؤكد أن الإرهاب له عدة مقاييس، وكل فئة تعطى المقياس الذي تريده القوى الكبرى!
وفي سياق حديثي عن الإرهاب لابد من القول إن المسلمين ظُلموا كثيراً؛ لأن الإرهاب ربط بهم خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكان للإعلام الدولي أثر كبير في توجيه الرأي العام العالمي نحو ربط الإرهاب بالمسلمين لتحقيق أهداف بعض القوى الكبرى، ومن المؤسف أن الإعلام الإسلامي والعربي ساهما في تكريس نظرية أن الإرهاب يكاد أن يكون حكراً على المسلمين وحدهم، وكان الأولى بهذا الإعلام أن يعمل على إزالة هذه الفكرة الظالمة عن المسلمين ودينهم، وأن يكرّس الفكرة الصحيحة وهي أن الإرهاب لا دين ولا جنسية له، لأنه تيار عالمي ظهر في كثير من دول العالم، وقام به عددٌ من أبناء تلك الدول، كما أن الإسلام حاربه بضراوة لأنه إفساد في الأرض والاسلام دين الحضارة والسلام، وهناك فرق كبير بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة في الدفاع عن النفس والأرض والعقيدة.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 4000 - الإثنين 19 أغسطس 2013م الموافق 12 شوال 1434هـ
المقالات المعوجة لا تفيد
وخصوصا إذا تم التحليل بمنحى له أبعاد مغايرة للواقع.....الإرهاب تدعمه دولة انت تعرفها جيدا.....ولكنك أغشيت وأغضضت الطرف عنها.....أعيد وأقول لك بأن الكاتب بغير الحق يبغضه قلمه.....تقشير الموز مهنة أجدى لك يا رجل.
احكم بالعدل
لماذا محاربة الارهاب عندكم عمل وطني وفي العراق جريمة طائفية؟ وهل الحكومة العراقية هي التي تنفذ التفجيرات ام الارهابيين الذين يتحولن الى ابطال ومجاهدين في الاعلام العربي؟
موازين منقلبة
فعلا اشوف دار على كل البلدان لما وصل لبلده برر القمع ولما ذهب للعراق انقلب ضد الحكومة فيها التي تحارب الارهاب. الارهاب الذي يقتل العراقيين بالعشرات يومياً .
كول غيرها
هل تود القول اننا نحلم بلإرهاب وغير موجود في الوعي أكول / كول غيرها /
دورة مال أو رأسماليه مدوره رؤوس الناس ودايخين في طلب المال والأعمال
لم يعد من الأسرار أن وراء حروب دمار وخراب مثل ما حدث من طأفنة أو حرب طائفيه وعقود أو إتفاقات مثل إتفاق الطائف وتدخلات أجنبيه في لبنان بأيدي عربيه. لم تتغير الفكره في العراق ولا في ليبيا. ويلات قادتها ولاياة متحده حره وحريتها من أجل المال وبيع سلاح أو تجاره حرة موحدة وصلت الى تجار الحروب إلى القتل والذبح وإسالت دماء محرمه دوليا وشرعا .. حلت المسألة إسلاميا بفتوه تحليل الجهاد وقتل وإبادة جماعيه كما حدث في السودان وفي العراق وأفغانساتان. فمن مول حرب العراق على إيران ومن ثم من مول الحرب على العراق؟
يقولون ما يعصون أوامر لكن يمكن شورى بينهم - مشاورات
من مخلفات الحرب العالمية أسلحة وقذائف هاون وسفن حربيه وشعوب مستعمره ومستمرة خيراتها من قبل شركات أجنبيه بالتعاون المحلي. أما مخلفات عصور جاهليه فيقولون يتبعون أولي الأمر منهم، لكن أولياء أمورهم منصبين أو معينين من قبل جهات مثل الوضع الذي كان في الشيشان وأفغانستان أمراء بدون وزراء والحال ليس بغريب أو بعيد عن الجيش الحر في سوريا ومصر وبقية دول متنازع عليها ومختلف في أمرها. فلا يقرون أن أمرهم الى الله لكن يقولون يطيعون الله ولا يعصون
فارس الغربية
والمؤسف أن معظم دول العالم بل ومنظمات حقوق الإنسان لا تتحدث عن تلك الجرائم بوصفها أعمالاً إرهابية، والسبب هو أن المعنيين بهذه الجرائم هم مسلمون. كما أن موازين القوى تؤثر على تلك المنظمات والدول، فغالباً لا يجرؤ أحدٌ على انتقاد الأميركان عندما يقتلون الأبرياء في أفغانستان أو اليمن، كما لم نسمع نقداً لقتل الآلاف في الشيشان وفي تركستان وبورما، ولو حدث ذلك فهو على استحياء شديد (أنتم كذلك تجاهلتم قضية عشاق الحرية و الديمقراطية في البحرين لنفس الاسباب)
ستاسي
- الشعب الفلسطيني المناضل من أجل حقوقه المسلوبة يوصف بأنه إرهابي في وسائل الإعلام الإسرائيلية والصهيونية وحتى العالمية المنافقة والمنحازة.
- الإسلاميين الجزائريين الذين فازوا في الانتخابات في الثمانينات تم تحويلهم لإرهابيين من خلال عمليات الذبح المشبوهة والتي لا يعلم أحد لحد الآن من وراءها.
- الشعب السوري المنادي بالديمقراطية والحرية تم تحويل حراكه لإرهاب بنفس الطريقة.
- حركة الإخوان المسلمين تحولت لحركة إرهابية بقدرة عساكر.
-
إن كيدهن (السلطات) عظيم !
شكرا
الدول العربية تمارس انواعا من الارهاب على مواطنيها والصحافة المحلية تباركه وتضفي عليه المشروعية وهذا يجعل العالم غير الاسلامي يقوم بنفس الدور وهو مطمئن الى ان احدا لن يحاسبه وهذا يجعل دور الافراد هو المهم في مقاومة ارهاب حكوماتهم مخما كان نوعه
سؤال
مقالاتك مملة ليش?