كلما زرتَ بلداً يستهويك عقد المقارنات مع بلدك، وشعبك، واقتصادك وفنك وتاريخك وتراثك.

وبعين الكاتب الصحافي، استعرضت أمس ما تحدّثت عنه الصحافة السعودية، في خلاصةٍ لما طرحته ست صحف (الوطن، عكاظ، المدينة، الرياض، الشرق، الجزيرة)، خلال ستة أيام، أعتقد أنها كانت كافيةً لإعطاء مؤشر عام عن اهتمامات هذه الصحف ذات التوجه الحكومي، والمؤيدة في غالبها للسياسات الرسمية، المحلية والخارجية.

الموضوع الوحيد الذي شذ عن الطرح العام، رد من عضو هيئة التدريس بالجامعة الاسلامية في المدينة النبوية (كما جاء في التعريف بالكاتب)، يوسف بن مطر المحمدي، على مقال الكاتب خالد السيف «دعاء ختم القرآن بدعة بنكهة سلفية». واختارت الصحيفة العنوان التالي: «المحمدي: نفخر بأننا في دولة سلفية... وأدعو السيف للاتيان ببرهان على احتفال الصحابة بالمولد النبوي». الرد كان سجالاً عقائدياً بحتاً، ورغم طوله إلا أنه لم يتضمن تشهيراً، ولا لعناً ولا تكفيراً. والعبارة الوحيدة التي جاءت فيه: «أقول: قول الصحابي ورأيه له اعتباره، لا كما قال الكاتب غفر الله له: (وهذا رأيه ليس إلا)، وهذا تقليل من شأن الصحابي».

لا أريد أن أقدّم صورةً ورديةً للصحافة السعودية، فحالها من حال بقية الصحف العربية المقيدة بألف قيد، والتي تعاني من انخفاض سقف الحريات، لكن يستوقفني هذا النقاش، الخالي من الطعن والتشكيك في العقيدة، ورمي المسلمين بالكفر، وإخراجهم من الملة، واستحلال دمائهم، واستهدافهم بالمفخّخات والعبوات باسم الجهاد، في هذا البلد أو ذاك، وأغلب ضحاياه من المواطنين الأبرياء.

لنختلف في كل شيء، في السياسة والفكر والثقافة والأمزجة والميول. ليكن لكل منا حزب سياسي، وليكن لكل منا مذهبه في إطار الدين الواحد، لا يكفر بعضنا بعضاً، ولا يستحل بعضنا دماء بعض. هذه من ثوابت العقيدة والإيمان، وهذه وصايا الرسول الأعظم (ص)، التي توّج بها رحلة جهاده طوال 23 عاماً، وأعلنها على رؤوس الأشهاد في حجة الوداع: «أيها الناس: اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً.. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث». ويعود ليكرّر وصيته: «فلا ترجعن بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض... ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد».

لنشرع الأبواب للاختلاف في أفكارنا ومواقفنا السياسية، فالله لم يخلقنا نسخاً متشابهة، ولم يصبّنا في قوالب عقلية واحدة، فلماذا نخرج من يختلف معنا في السياسة من الدين؟ ولماذا نستعدي عليه السلطة؟ ولماذا نطالب بسحب الجنسيات من المعارين السياسيين لأنهم طالبوا بسقف أعلى من الحريات والحقوق المدنية؟

إن من المحزن حقاً، أن تتحوّل بعض الصحف والأقلام إلى مواقد نار، ودعاة حرب وقتل، وأدوات تحريض. لنختلف سياسياً، فالله لم يخلقنا نسخاً كاربونية. تقرأ صحف جيرانك، وحين تعود إلى بلادك لا تقرأ غير المقالات الناضحة بالغلّ والضغينة، حتى تحوّلت إلى مدارس لبث الكراهية والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد، والوطن الواحد، والدين الواحد.

لقد انحدرت صحافتنا إلى الدرك الأسفل من الضياع، فليس هناك صحافة عربية من جبال عمان إلى جبال الاطلس في الجزائر والمغرب، من يدعو إلى سحل المعارضين وسحب الجنسيات من المواطنين. حتى بلغ بعضهم للمطالبة بعقاب الآباء وسجنهم على ما يقوم به الأبناء، ومعاقبة الأبناء وحرمانهم من الدراسة لما يقوم به الآباء... وهو أمر مخالف للقرآن، وللعقل والمنطق وشرعة حقوق الانسان.