العدد 3997 - الجمعة 16 أغسطس 2013م الموافق 09 شوال 1434هـ

العقود والتمائم الصدفية في دلمون

 تناولنا في الفصل السابق زعم بعض الكتاب وجود عصر صدفي في مناطق معينة، وربما يسود استعمال الأصداف والأخشاب استعمال الأحجار والحديد على سواحل المحيط الهندي وبعض سواحل الخليج العربي.


هذا الزعم، وإن كنا لا نمتلك دلائل قوية ومباشرة عليه، فإن به نسبة كبيرة من المصداقية؛ حيث أثبتت الدراسات الأثرية الحديثة أن الأصداف كانت تستعمل منذ أكثر من عشرين ألف عام في الشرق الأوسط (Bar-Yosef 2005)، فالأصداف لا تحتاج إلى مهارة عالية للتعامل معها؛ فهي تأتي بأحجام مختلفة ومن السهل تحوير شكلها لتصبح أداة معينة، كأداة قطع مثلاً، ومن السهل ثقبها أو أن بعضها مثقوب من الأصل فلا تحتاج إلى جهد لكي يتم نظمها في عقد.


والأصداف، كما الأحجار في العصور الحجرية، ترتبط بعصور معينة، أي أن هناك أنواعاً من الأصداف المحددة ترتبط بفترات زمنية معينة؛ وهكذا، فالأصداف يمكن استعمالها كعلامات ثقافية تدل على حقب زمنية معينة (Bar-Yosef 2005).


وقد تناولنا في الفصول السابقة استعمالات مختلفة للأصداف في العصور السحيقة على سواحل الخليج العربي وسنتناول في هذا الفصل وما يليه استعمال الأصداف في عمليات التزيين وفي الطقوس الجنائزية.
الأصداف وعمليات التزيين
استعملت الأصداف منذ العصور السحيقة في عمليات تزيين الأدوات وذلك بلصقها على الأدوات الخشبية أو الجلدية وغيرها من المواد، كذلك استعملت في تزيين قطع من الملابس، وبالإضافة إلى ذلك تم تصنيع العديد من حلي الزينة من العديد من الأصداف والقواقع.
وأكثر الدراسات تفصيلاً حول الحلي الصدفية في الخليج العربي هي الدراسات التي نشرت حول قبور موقع Al-Buhais 18 في الشارقة؛ حيث عثر فيها على العديد من أدوات الزينة المأخوذة من القواقع والأصداف وحتى اللؤلؤ ويعود تاريخها إلى الحقبة 5100 – 4300 ق. م. (Kiesewetter et. al. 2000) و(Beauclir et. al. 2006). ومن أنواع الحلي الصدفية التي ذكرت في تلك الدراسات: الأساور الصدفية، والعقود أو المسابح الصدفية، وأحزمة صدفية تلبس حول الخصر، ومسابح صدفية تلبس فوق الرأس، وقلائد وتمائم صدفية مختلفة.
أما في البحرين، فما نشر حول أدوات التزيين الصدفية التي عثر عليها في المقابر الأثرية فهو قليل، إلا أنه مشابه تماماً إلى ما عثر عليه في المواقع الأثرية في سومر أو الجنوب الرافدي والإمارات العربية وسلطنة عمان، وسنحاول تلخيص ذلك فيما يأتي.


الحلقات الصدفية وتزيين الملابس
عثر في مقبرة أور في بلاد الرافدين على حلقات صدفية تصنع من أنواع محددة من الأصداف والقواقع وتزين بها أحزمة خاصة تلبسها النساء مع الثياب الخاصة بمراسم الزواج، وقد كانت هذه الأحزمة تعتبر كحلي يتزين بها ويتم دفنها مع النساء بعد موتهن، ومثل هذا التقليد، الذي يعود إلى نهاية الألف الثالث وبداية الألف الرابع قبل الميلاد، عُرف أيضاً في مقابر خفاجة في بلاد الرافدين أيضاً (Gensheimer 1984).
ويبدو أن هذا التقليد عرف في دلمون، أو بأقل تقدير صناعة الأحزمة المزينة بالحلقات الصدفية قد عرفت في دلمون؛ حيث تم العثور على العديد من الحلقات الصدفية في عدد من القبور التي تعود إلى الحقبة الدلمونية والتي تقع في كل من مدينة حمد (صويلح 2009، ص 312 و570) وسار (Ibrahim 1982, p. 216)، وكذلك في موقع السكنى في موقع سار الأثري (Killik and Moon 2005, pp. 176 - 177).
وتصنع هذه الحلقات من الأصداف وذلك بعمل فتحة دائرية في وسط الصدفة وبعدها يتم قطع الجزء الخارجي على شكل حلقة. ويبدو أن هذه الحلقات الصدفية تصنع في البحرين؛ حيث عثر في موقع سار الأثري على أصداف من نوع Glycymeris pectunculus وبها فتحة دائرية في وسطها وكأنها الخطوة الأولى في صنع الحلقات الصدفية (Killik and Moon 2005, pp. 176 - 177).
وسبق أن رجحنا أن يكون هذا الموقع بمثابة ورشة عمل للأدوات الصدفية وذلك بسبب العثور على عدد من الأدوات الصدفية المصنعة جزئيّاً. كذلك، عثر في البحرين على العديد من الحلقات الصدفية المصنوعة من القواقع المخروطية وهي شبيهة بما يسمى الأختام الصدفية وهذه الحلقات سنتناولها بالتفصيل في فصل منفصل لأهميتها التاريخية.
العقود أو السبحات الصدفية
عثر في القبور الدلمونية على عدد من العقود التي صنعت من القواقع البحرية، فقد عثر في أحد قبور مقبرة كرانة الأثرية على عقد مصنوع من الصبان Ancilla castenea (Green 1994, p. 11)، ويعتبر الصبان أكثر القواقع شيوعاً في صناعة الحلي الصدفية في الخليج العربي، وذلك لأنه أكثر أنواع القواقع شيوعاً على سواحل الخليج (Kiesewetter et. al. 2000) و(Beauclir et. al. 2006). كذلك عثر على عقد في أحد قبور مقبرة مدينة حمد وهو مصنوع من القواقع النابية أو التي تسمى محليّاً «القرن» وفي الكويت تسمى «الشيج» (Lombard 99, p. 71)، وهذا النوع أيضاً متوافر بكثرة على سواحل الخليج، وقد استخدم في صناعة العقود قبل أكثر من عشرة آلاف سنة في الشرق الأوسط (Bar-Yosef 2005)، وهو سهل الاستعمال، فهو كالأنبوب مفتوح من الطرفين.


وعثر على عقد آخر في أحد قبور مقبرة عالي الأثرية (Lombard 99, p. 71). وهذا الأخير مصنوع من القواقع المخروطية Conus ebraeus، وهو نوع نادر على سواحل الخليج العربي بكاملها، وقد عثر على عدد بسيط منها على سواحل عمان.


والنقطة المثيرة للاهتمام هي أن الصنف الذي عثر عليه في عمان عليه بقع سوداء (Bosch and Bosch 1982, p.124)، بينما ما عثر عليه في البحرين عليه بقع بنية قاتمة، وهذا الصنف يكثر على سواحل المحيط الهندي؛ ما يدل على وجود تجارة لاستيراد هذه القواقع من حضارات شبه القارة الهندية.


يذكر أن Conus ebraeus كان يستخدم لعمل العقود أو السبحات في العديد من الثقافات، القديمة والمعاصرة، وأقدم عقد عثر عليه كان في مدينة أوروك في بلاد الرافدين ويعود تاريخه إلى نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، وكان الصنف المستخدم في هذا العقد هو ذو البقع البنية القاتمة (Terlau and Olivera 2004) أي كما في العقد الذي عثر عليه في البحرين.


ويبدو أن هذه العقود تصنع في البحرين، فقد عثر على عدد من القواقع من نوع Conus ebraeus مثقوبة وذلك في موقع سار الأثري (Killik and Moon 2005, pp. 176 - 177). وقد عثر أيضاً على هذا النوع من القواقع في عدد من القبور التي تعود إلى الحقبة الدلمونية في كل من مدينة حمد (صويلح 2009، ص 312 و570) وسار (Mughal 1983, p. 540).

العدد 3997 - الجمعة 16 أغسطس 2013م الموافق 09 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً