العدد 3997 - الجمعة 16 أغسطس 2013م الموافق 09 شوال 1434هـ

متشكر لحضرات دولة روسيا الفخيمة!

المنامة - محمد حميد السلمان 

16 أغسطس 2013

يذكر لوريمر، في الجزء الأول من كتابه «دليل الخليج» في القسم التاريخي، أن اثنين من الروس زارا جزر البحرين في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1899م. ولم تكن هذه الزيارة تعجب الانجليز المتصرفين الوحيدين في أمور الخليج السياسية في تلك المرحلة من التاريخ.

وزاد قلق بريطانيا وخوفها على ثروة اللؤلؤ ومصائدها وعائدها المادي الضخم بالنسبة إليها عندما وصل في 11 أبريل/ نيسان 1901 يخت بلجيكي يدعي «سليكا» إلى البحرين وكان يحمل معه فريقاً روسيّاً أيضاً وإن كان برئاسة موظف فرنسي مهتم بالتاريخ الطبيعي وعلوم البحار.

يتضح إذاً من المقدمة أن وثيقتنا لهذا الأسبوع هي عن العلاقات الروسية - البحرينية التي كانت تحاول روسيا تنميتها في مطلع القرن العشرين إبان عنفوان السيطرة البريطانية العسكرية على المنطقة الخليجية برمتها من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها ومن عربها إلى فرسها.

الوثيقة هي عبارة عن رسالة من حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن علي ردّاً على رسالة وصلته من جنرال قنصل دولة الفخيمة الروسية في خليج فارس، أووسيينكو، كما كتبها القنصل الروسي بنفسه. وهناك بعض الكتاب ذكر أن اسمه هو «أوفسيينكو» وليس «أووسيينكو». ومع أن هذا الأمر ليس هو مربط الفرس، فإن الرسالة الروسية التي بعثها القنصل إلى الشيخ عيسى دُوّنت، بحسب ما ذكر فيها، بتاريخ 25 يونيو/ حزيران 1902، بينما جاء رد الشيخ عليها، تحت الرقابة المخابراتية البريطانية والحصار السياسي والعسكري؛ بعد حوالي عام كامل، فقد أُرخت في ذيلها بيوم 5 / يونيه / 1903م.

فما هي تلك الرسالة - الوثيقة؟ ولماذا تخوفت بريطانيا من العلاقات الروسية مع البحرين تحديداً؟

تعالوا نقرأ أولاً نص الوثيقة:

« بسم الله الرحمن الرحيم

من عيسى بن علي آل خليفة الى جناب الأجل الأكرم الأفخم محبنا اووسينيكو جنرال وقونسل دولة الفخيمة الروسية مقيم خليج فارس المحترم

بمزيد السلام التام والسؤال عن صحة أحوالكم بالدوام هو ان كتابكم الفخم المؤرخ في غرة شهر ربيع الاول وصلنا وكتّابه مسرورين لاشعاره بممنونية شركت الامبراطورية للعلوم الطبيعية العظام بما اجريناه من التوقير والاحتشام لجناب احد الاعضاء الفخام مسيو غويا ولنسكي الواصل لطرفنا في العام الماضي.. وان حضرة شركت المزبورة بهذا الباعث بتوسط نظارات الخارجية دولة الفخيمة الروسية وسفارة تلك الدولة العظيمة في طهران فوضوا لجنابكم تبلغوننا تشكراتهم القلبية وامتنانتهم فقد اديتم بايفاء مراسم ذلك الشكر..

محبكم كثيرا ممنون من جنابكم في هذا الايفاء.. ومتشكر لحضرات شراكت المزبورة الفخام ودمتم سالمين والسلام.

9 ربيع الاول 1321

27 مايو 1903 (خطأ في التاريخ الميلادي- يوافق 5 يونيه)

مطابق للاصل».

وتعليقاً على هذه الوثيقة المهمة في علاقات البحرين بروسيا في بدايات القرن العشرين فيمكن حصره في التالي:

- إن هناك رسالة سابقة بتاريخ 17 ربيع الأول لعام 1320 هـ وصلت إلى الشيخ عيسى بن علي بيد شخص يُدعى (نيقولاي بوغويا فلنسكي) وردُّ الشيخ عرَّفه بأنه (مسيو غويا ولنسكي)، بينما (لوريمر) يعرفه بأنه (Mr. Bogoya Vlevaki- بوجويا فليفاكي). وتلك الرسالة وردت من «أوفسيينكو» الذي عُيِّن مساعداً للقنصل الروسي العام في بوشهر في سبتمبر/ أيلول 1901، ومن ثم أخذ يقوم بواجبات القنصل العام.

- وصول نيقولاي بوغويا فلنسكي إلى البحرين عن طريق البحر وهو عالم روسي في الأحياء البحرية كما يبدو من الرد، مع أن سالدانها يقول في كتابه إنه عالم جيولوجي. وقد وصل هذا الباحث الروسي إلى البحرين، كما يعتقد، بين شهور مارس/ آذار، وأبريل، ومايو/ أيار من العام 1902، مصحوبا برسالة توصية من القنصل الروسي (أوفسيينكو) في بوشهر، قدمها إلى الحاكم لتسهيل أمور الزيارة العلمية.

ويذكر لوريمر أن الباحث أمضى حوالي أسبوعين في البحرين لجمع عينات من الحيوانات وليس له علاقة بالمصالح السياسية، في حين يضيف سالدانها أنه التقط صوراً لمدينة المنامة أيضاً. وضمن مهمته العلمية، كما يذكر، أورد وصفاً وافياً لعلميات استخراج اللؤلؤ حول جزر البحرين وقام بتصوير مناظر طبيعية وبعض الأشخاص وهذا ما أثار حفيظة السلطات الاستعمارية الانجليزية في الخليج. وبالتالي فالسؤال البريء ببراءة الزيارة تلك هو: هل كانت تلك الزيارة هي رحلة علمية حقّاً أم هي زيارة استطلاعية للكشف وجسِّ النبض وجمع معلومات عن الإنجليز و جزر البحرين وموقعها وثرواتها البحرية من اللؤلؤ وغيرها؟

- يذكر طارق الحمداني في مجلة «الوثيقة» (ع 16، 1990) أن المعلومات التي تحفظها الوثائق الروسية تجيب على سؤالنا البريء. فهي تشير إلى بعض كتابات هذا العالم السياسية، عبر تلك التصريحات التي نقلها عن حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي، في جلسات خاصة بالطبع، بقول الحاكم: «ليس هناك أي شك في أن العرب يخافون من الانجليز هنا منذ مئة عام، والكل يعلم أنهم يملكون المدافع والبواخر الحربية، وليس هناك دولة أوروبية جاءت إلى المنطقة يمكنها أن تساعد العرب فيما إذا رفضوا العمل حسب رغبة الانجليز. فإذا استمر الروس في المجيء إلى هنا فإن العرب ستقل مخاوفهم بصورة تدريجية من الانجليز». لذا أضاف غويا لهذا الحديث قوله هو شخصيّاً «إن هناك رغبة قوية عند شعوب المنطقة في إيجاد علاقة متينة مع روسيا». فهل ما زالت تلك الزيارة علمية بريئة في زمن ازدياد النشاط السياسي الروسي في الخليج، وهو أمر عادي جدّاً في تلك الحقبة من الصراع الأجنبي على الخليج وممره المائي الدولي وثرواته المتجددة دائماً.

العدد 3997 - الجمعة 16 أغسطس 2013م الموافق 09 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً