العدد 3995 - الأربعاء 14 أغسطس 2013م الموافق 07 شوال 1434هـ

بين التسول والعمل بعرق الجبين

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كثيراً ما يستوقفنا منظر الشباب في الشوارع وهم يتسولون وخصوصاً بالقرب من إشارات المرور أو قبل بوابات المحلات التجارية، على رغم قلة عددهم مقارنة بالشباب الذين آثروا الوقوف في ذات الأماكن، ولكن لكي يكسبوا الرزق الحلال من عرق جباههم وتعب أجسادهم في مختلف الظروف الجوية المتقلبة مهما كان البرد أو الحر شديدين.

النموذج الأول يثير ألم كثيرين وأحياناً سخطهم، حتى أن بعض الأشخاص يرفض فتح النافذة وهو في سيارته ليستمع للمتسول، وخصوصاً أنه قادرٌ على كسب رزقه عن طريق أي عمل أو حرفة من غير الحاجة إلى إذلال نفسه للآخرين، فيما يثير منظر الشاب المعتمد على نفسه الشعور بالفخر لدى أبناء وطنه، فهو لم يجد وظيفة أخرى براتب شهري ثابت، إمّا لعدم إكماله دراسته، وبالتالي كان من الصعب عليه الانضمام لمؤسسة ما، أو بسبب الفساد الإداري والطائفي المتفشي في المؤسسات الخاصة والحكومية والذي بسببه صار من الصعب على الخريج الجامعي الحصول على وظيفة تليق بشهادته ومكانته العلمية، ولهذا اتجه هذا الشاب للعمل في العراء الذي يدر عليه مالاً قليلاً فيكون كفيلاً بأن يقيه الحاجة للناس.

هؤلاء المواطنون ليسوا من الشباب فقط بل نجد أحياناً باعة جوالين من كبار السن والنساء والأطفال أرادوا أن يخلقوا لهم مصدر دخل حين ضن عليهم الوطن بخيره لسبب من الأسباب.

مِن هؤلاء الباعة مَن يرفض أن تعطيه أكثر من ثمن ما يبيع، فيتجهم وجهه ويلحق بسيارتك وأنت تحاول الذهاب إلى وجهتك، ليعيد بقية المبلغ لك، ومنهم من يقول لك: أنا لست متسولاً، وهذا ما يجعلك تحترمه أكثر وأكثر، ويشعرك بالخجل من نفسك أحياناً.

كلما شاهدت هؤلاء، تذكرت قصة حدثت في إحدى محطات المترو بالولايات المتحدة الأميركية، حيث مرّ رجل أعمال بصبي يبيع أقلام رصاص بثمن زهيد، فوضع في كيس النقود دولاراً واحداً واستقل المترو في عجلةٍ من أمره، لكنه نزل بعد تفكيرٍ سريعٍ وتوجه إلى الصبي قائلاً: «أعتذر منك فقد نسيت أخذ الأقلام الخاصة بي»، ثم أردف: «أنت رجل أعمال مثلي تبيع بضاعة جيدة بسعر جيد»، ومضى مجدداً في طريقه للمترو. بعد سنوات من هذه الحادثة، تقدم شابٌ أنيقٌ لرجل الأعمال نفسه في إحدى المناسبات الاجتماعية قائلا: «جئت أحييك وأشكرك، أنت لا تعرفني ولا تتذكرني لكنني لن أنساك ما حييت، فأنت الرجل الذي أعاد لي احترامي وثقتي بنفسي؛ إذ كنت أظن بأنني مجرد شحاذ يبيع أقلام الرصاص، إلى أن أخبرتني أنني رجل أعمال مثلك، فقررت أن أكون كذلك يوماً، وها أنا أملك محلاً متواضعاً خاصاً بي الآن».

مثل هذه المواقف قد تغير مسار الأشخاص حين يكونون في غفلة من الأمور البسيطة التي قد تغير واقعهم إلى حال أفضل بمجرد أن ينبههم إليها أحدٌ ما، مهما كان الدرس قاسياًً أو بسيطاً، ولهذا لابد من احترام هؤلاء ورفع عزيمتهم وبث الأمل والتفاؤل بغدٍ أفضل في نفوسهم؛ لأنهم أرادوا الاعتماد على أنفسهم ليعيلوا أنفسهم وعوائلهم.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3995 - الأربعاء 14 أغسطس 2013م الموافق 07 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 5:34 ص

      تعقيبا على قصة الامريكي

      ياريت يكون عندنا وعي بدرجة وعي رجل الاعمال الامريكي الذي من خلال احساسه بالمسؤوليه تجاه اخيه الانسان حاول ان يساعده مرتين مره باعطائه الدولار ومره بتحفيزه شفهيا وهذا يمكن ان يكون غير مسلم .
      ياريت نتعلم من غيرنا وبسنا كذب على انفسنا باننا خير امه اخرجت للناس هذا كان سابقا اما الان فنحن لسنا كذلك.

    • زائر 11 | 3:28 ص

      الأجانب يملؤن المؤسسات والشركات وابناء الوطن في الاشارات

      لدينا من ابنائنا من تخرج من الجامعات وهم بلا عمل لأكثر من 3 سنوات بينما نحن نعمل في شركات ومؤسسات غالبية موظيفها من الاجانب.
      كيف لا يتسوّل ابناء البحرين وهناك خطط خبيثة لتحويل المواطن الى طرار
      كيف لا يتسوّل ابناء البحرين وخطط الاجنبة قائمة على قدم وساق

    • زائر 10 | 2:31 ص

      مقال جميل والعبرة منه جميلة

      القصص التي يكتبها الكتاب في مقالاتهم مهمة جداً في اخذ العبرة والموعظة لاننا يجب ان نفكر فيها لاعتبارها رافد من روافد الخير والاستاذة سوسن والاستاذ ياسر حارب يكتبون بشكل فيه العبر والجمال . انا شخصيا استفيد منها وافيد عائلتي بها خصوضا اطفالي الذين ينتظرون قصص المساء

    • زائر 6 | 1:05 ص

      وقائع وحوادث كثيره لكن ها اليامى من ليهم؟

      ليس بسر أن ظاهرة التسول نتيجه وليست سبب، فأثر كون أكثر الأطفال فاقدين الرعاية من أبائهم أو يتيم ويمكن ليس عنده الا من يستغله و قد علمه صنعه ودله الى أن يطر من الناس لكي يأكل ويمكن يأكل غيره من المال المجموع عن طريق التسول. كما لا ينكر أن هناك حالات بسبب إصابة مجموعة من المتسولين بالعادة المرضيه التي غرست بسبب التعود وإستسهال الطريقه في تحصيل المال بالاستجداء والتوسل للناس؟ قد تكون مشكلة مجتمع تخلى الناس أو بعضهم أو أكثرهم عن الإنسانيه .. فليس محاسبتهم بل مساعدتهم بدل الاهمال من مسؤولين في دولة

    • زائر 5 | 1:05 ص

      مجرد رئي

      انا اجوف العمل عند الاشارات هو نوع من انواع التسول الشريف ولكن البلد لا يوجد بها عمل لكل المواطنين، العمل ملح الحياه

    • زائر 3 | 12:39 ص

      مقال جميل

      أعجبني المقال لما فيه من توجيه بضرورة امتلاك الإرادة والعزيمة لتغيير واقع الإنسان من خلال سلك السبل المؤدية للكسب الحلال وعدم الإعتماد على الآخرين كليا في توفير لقمة العيش من غير بذل أي جهد في سبيل توفيرها فأكثر ما يؤلمني أن ارى الخنوع والخضوع للظروف وعدم التفكير في تغييرها بالطرق الصحيحة والسوية

    • زائر 2 | 10:15 م

      حنقي على قادة الوطن

      القائد اب للصغار واخ للمماثل وابن للكبار ينظر لهم بغين الرحمة والعطف ولكن ماذا اقول لا ارى الا التهديد واوعيد

    • زائر 1 | 9:57 م

      قصص جميلة

      قصة المقال جميلة. حالها ككل القصص التى تروى لتخدير الفقراء المكافحين. إقرأى مقال السيد جعفر الجمرى فى عدد اليوم الذى يمس الواقع الذى خلقه الإنسان على هذه الكرة.

اقرأ ايضاً