الطيّبون اليوم عرْضة لامتصاص آخر قطرة من دمهم، وإذا كانت في جيوبهم قروش سيتم استنزافها بالدرجة الأولى.
الطيّبون اليوم مرآة لذئبية العالم. ذئبية البشر. أو من نسمّيهم بشراً. استهداف الطيبين وترصّدهم، هو استهداف لما تبقّى من براءةٍ وقيمة في هذا العالم اليوم.
حين تخلو الأرض منهم، لا قيمة تذكر؛ لكنهم كلّما تكاثروا، تكالبت عليهم ذئاب البشر. بعض يظل متمسّكاً بطيبته؛ على رغم تعدّد الطعنات والمآسي التي ربما تعرّضوا لها. بعض آخر يكفر بالطِيبة؛ إذ يجدون فيها فطرتهم التي توردهم المهالك.
***
اهتدى الإنسان الأول إلى اختراعه الأثير: الفخّ. سهّل عليه كثيراً أمر التتبّع واللهاث وراء طرائده. كأنه أول اختراع ديجيتال للصيد. من مكْمنه يراقب الطريدة من دون لهاث. ينتظر سقوطها في جُبّ أو حبْل المكْر!
الفخّ كان وسيلة بقاء للإنسان الأول. حين تحضّر وتمديَن لم يُنْسِه ضجيج المدينة انشداده إلى مكْره الغابر. صارت الأفخاخ في محطّ النوايا. أفخاخ لبني جنسه. الذين قد يفترقون عنه حتى في وجهة نظر وحق رأي. صارت الأفخاخ في كثير من الأحيان أكثر من الجسور والأوتوسترادات والأنفاق؛ تلك التي تمت تهيئتها لتيسير وصول وبلوغ الإنسان إلى حيث يريد.
صارت الأفخاخ اليوم في البيت والمكتب والشارع والعمل ومراجعة الدوائر، وحتى مكاتب التظلّمات!
أفخاخ بسعة المكْر، وبسعة الخبث، وبسعة انهيار آدمية الإنسان وتحوّله وانحيازه إلى ذئب في هيئة إنسان!
***
كأن الإنسان يتخلّف في أخلاقه، كلما ظنَّ أنه وصل خط النهاية في سبْقه العلمي واكتشافاته. هو ليس تخلّفاً فحسب؛ بل هو تهديد سيمسّ كل ما أنجزه وحققه عبر قرون من المحاولات. ذلك الانهيار والتخلّف الأخلاقي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ضمانة وحصانة لما حققه من إنجازات. هو في اللبّ من الخطر عليه في الدرجة الأولى، وما حققه في الدرجة الثانية.
كأنّ ذلك التخلف الأخلاقي، في صورة أو أخرى، فخٌّ من نوع آخر. فخٌّ هذه المرة سيكون هو ضحيته. هو الطريدة الذي ظل يعدو وراءها لعشرات الكيلومترات كي يسد صراخ جوعه يوم أن كان بدائياً. وحتماً سيسقط في فخّه؛ بل فعل ذلك ولآلاف المرات، من دون أن يتعظ ويتدبّر ويتفكّر.
***
الإنسان يهندس انتحاره اليوم. يهندسه بإبداع غفلة. هل للغفلة إبداع؟ حين تنتج عنها أخطاء تبرز في مقتل، تظل تتكرر كأنْ لم تحدث. كأنْ لم يدفع ثمنها دموعاً وآلاماً وكوارث ومآسيّ، بما يكاد يقارب انتهاء أو انقراض الجنس البشري، في قيمته الأخلاقية والحسّ الحاضر والضمير اليقظ؛ وإن اكتظ به الكوكب اليوم بملياراته السبعة أو العشرة عمّا قريب. كأنه لم يكن هنا. كأنه لم تُسند إليه أدوار تعمير الأرض، ليسعى في خرابها ودمارها وتفتيت أواصر الخلق فيها، ويبدأ بنفسه.
***
مهما بلغت هذه المدنية من مستويات ملْفتة وفارقة فلن تتمكّن من وضع حدٍّ لأخلاق وممارسات بدائية مازال بعض البشر على إدمان لها؛ ليس لأنهم فقط في معزل عن تلك المدنية ولا تعنيهم شيئاً؛ بل لأن المدنية تلك إما شرّعتْ لهم - بشكل غير مباشر - في صورة أو أخرى مثل ذلك الإدمان في الممارسة؛ إما تغافلاً عنهم لأنهم يمثّلون مصالح قوى؛ وإما أنهم مُستهدفون بإقامتهم في الهامش من تلك المدنية.
ظواهر السلْب والنهب تقوم بها وتمارسها دول اليوم، ومؤسسات مرخّصة، ولا تحتاج وقتاً طويلاً لتعبر الحدود لتنال الترخيص نفسه.
الأفراد في الصميم من ذلك. الأفراد أدوات تطوّعها الدول (أسمّيها دولاً في العرْف من التسميات؛ ولكنها بعيد من ذلك كل البعد)، إما لإرهاب الذين لم ولن يرتضوا سياساتها وعنصريتها وكيْلها بأكثر من مكيال؛ وإما أنهم طارئون على الأرض والبشر؛ بحيث تتاح لهم هوامش من السطْوة وممارسة القهر والحيْف على الناس، وتحت مظلّة تلك الدول.
ذلك الخروج على مستوى الفرد وحتى المؤسسات يُواجه ببنود القانون، وأحقية الأطراف في التخاصم أمامه والمساءلة؛ بدءاً بالرئيس؛ وليس انتهاء بمتشرّد تجاوز مساحته تحت جسر أو حتى أنفاق للمجاري. القانون يمارس دوره ليس فقط في إصدار الأحكام؛ بل في ظل معالجات تسبق كل تلك التجاوزات، ودرء واحتواء لها.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3995 - الأربعاء 14 أغسطس 2013م الموافق 07 شوال 1434هـ
الطيبة
الاخ جعفر المحترم موضوعك اليوم ممتاز يتكلم عن الطيبة ولكن كم انسان راح ضحية الطيبة ومن اقرب اصدقاءة خاصة حينما يختلف معة في وجهة نظر سياسية فيقوم بتدميرة واصدار الاشاعة علية بغرض تحجيم اراءوة السياسية التي لاتتفق مع ميول صديقة وبالتالي ما العمل حينما يكون هدا الشخص ضحية الاشاعة السياسية
الي الله المشتكى
كل الذي حصل اشاعة سبحانك يا رب عرفناك بالعقل
رب ارجعوني....................................................................
حقا إنهم تلك الخشب المسندة التي تسيطر عليهم تلك المنضدة والتي هي الأخرى تقاد بالمقودة ،، وربيبتها المنصبة على رقاب معطبة وهي الأخرى تحيك مقصلة لقلوب معذبة ،، يقال أن في الغيبة نهش لحوم الآدميين وفيه إحياء لسنة الشياطين ، فيا ترى ما مصير من وجوههم وجوه الآدميبن وقلوبهم قلوب الشياطين ؟!
ولماذا ................
الانسان بهذا الزمن ان يدافع عن نفسه ولا يستكين لاننا فى حياة الغاب والطيب لا مكان له لانه يكون ساذجا وعليه المعامله بالمثل السن بالسن والسلام خاتون .