الحمير لها أفضال علينا وعلى مجتمعنا، وهي – أي الحمير - وإن تضاءل دورها الخدمي بشكل تدريجي بفعل ظهور السيارة وانحسار النشاط الزراعي كمصدر من مصادر الدخل في الربع الاخير من القرن الماضي، إلا أن تاريخها المجيد في خدمة الانسان والمجتمع البسيط غير منكور.
استخدمت الحمير كوسيلة مواصلات، كما استخدمت لحمل ونقل البضائع، كما كانت خير معين للفلاحين في مزارعهم والصيادين في رحلات الصيد البحرية الى «الحظور»، كما استخدمت حتى النصف الاول من القرن الماضي في نقل المسافرين الوافدين من السفن الى اليابسة، في الربع ميل الاخيرة من البحر الى الساحل عندما يكون ماء البحر جزراً.
والقرآن الكريم ذكر الحمار، فيما تتبعت، مرتين، مرة عندما ذم اليهود الذين أُعطوا التوراة ليعملوا بها ولم يعملوا (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) والاخرى في قوله تعالى (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير) وقالت العرب: لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله للحمير.
وقد اتخذ الاديب الكبير توفيق الحكيم من الحمار مادة لروايته الشهيرة (حمار الحكيم) في أربعينيات القرن الماضي، فصور بأسلوب شيق وبسيط أوضاع الريف المصري.
يقول كمال الدين الدميري (ت 808هـ) في كتاب (حياة الحيوان الكبرى) وكنية الحمار أبوصابر وأبوزياد. قال الشاعر:
زيادٌ لستُ أدري من أبوه
ولكن الحمار أبو زيادِ
ويقال للحمارة أم محمود وأم تولب وأم جحش وأم نافع وأم وهب».
ويوصف بالهداية الى سلوك الطرقات التي مشى فيها ولو مرة واحدة، وبحدة السمع، وللناس في مدحه أقوال متباينة بحسب الاغراض كما يقول الدميري.
وكان الشاعر البصري الفضل بن عيسى الرقاشي (ت 200هـ) يقول بعد أن سئل عن ركوبه الحمير «انه أقل الدواب مؤنة وأكثرها معونة وأخفضها مهوى وأقربها مرتقى».
قال الزمخشري «الحمار مثلٌ في الذم الشنيع والشتيمة، ومن استيحاشهم لذكر اسمه انهم يكنون عنه، ويرغبون عن التصريح به، فيقولون الطويل الاذنين، كما يكنون عن الشيء المستقذر، وقد عدّ من مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم ذوي مروءة، ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافاً وان بلغت به الرحلة الجهد».
وعندما زار الرحالة الهندي (سي ام كرستجي) منطقة الخليج أثناء الحرب العالمية الاولى في عام 16 – 1917 ودوّن ملاحظاته الشخصية بتفاصيل دقيقة عن المنطقة، جاء على ذكر تفاصيل شيقة عن الحمير في البحرين «ويمثل الحمار هنا كما في بقية أنحاء الخليج وسيلة عامة للنقل والتحميل وهو حيوان نافع مثله مثل الخنزير في ايرلندا يرد لصاحبه جميع نفقات تربيته وإطعامه». ويذكر أنه لم يشاهد أثناء وجوده في البحرين أية خيول لكنه شاهد القليل من الابل، ومن المعروف أن الناس الميسوري الحال هنا يمتلكون العديد من الجياد، ويؤكد أن الحمار في البحرين كان يعد في تلك السنوات نوعاً من المقتنيات الثمينة.
وتكثر القصص والمرويات الشفهية عن دواب علماء الدين والصالحين، وتنسب لهم صفات تختلط فيها الحقيقة بالمبالغة، لكنها على أي حال تعد جزءا من الذاكرة الجمعية للمجتمع، ومما يروى أن الناس كانت فيما سبق تستعد لأداء صلاة الجمعة اقتداءً بالشيخ خلف العصفور (ت 1936) بجامع رأس الرمان منذ يوم الخميس، فيستخدمون العبّارة ثم يستخدمون الحمير، فتكثر الحمير قرب الجامع، ومن عادة الحمير إذا نهق أحدها نهق الباقون تبعاً له، والطريف في الامر ان الحمير تُمسك عن النهيق مادام الشيخ خلف يخطب ويصلي، فإذا نهق الحمير كلهم عرفت النساء أن الشيخ لتوه قد فرغ من الصلاة.
يذكر أيضاً أن الزعيم الديني السيد أبوالحسن الأصفهاني (ت 1945) كانت له حمارة من أشهر ما يعرف تاريخ الحمير في النجف، فقد كانت حمارة حساوية بيضاء جميلة تعرف وقت الصلاة، وتعرف أين تقف في الطريق والسيد فوق ظهرها، وتعرف حين وصولها الى باب الصحن أين هي من باب الصحن، ولما ماتت هذه الحمارة اجتمع حولها الاطفال والنساء وبدأوا يسحبونها بالحبال الى خارج المدينة، وكلما اجتازوا مسافة انضم اليهم أبناء محلات أخرى وكانوا يهجزون، وكانت الأهزوجة:
وداعة الله يا جحش والينا
هاي هيه يو بعد تلفينه
ومن أشهر الحمر التي يعرفها تاريخ الحمر في النجف – على ما يروي جعفر الخليلي - كانت حمارة الملاية وحيدة وهي امرأة شاعرة كانت تضطر لركوب الحمارة لكثرة مجالسها فاشتهرت حمارتها بالنظر لشهرة الملاية وحيدة، واشتهر مملوكها الزنجي وعرف بين أوساط الناس عن طريق هذه الحمارة التي كان يتعهدها هذا العبد ويأخذ برسنها كلما خرجت الى بيوت العزاء.
وفي النجف أيضاً، كان للميرزا جواد الطبيب حمارة كان لها جحش ظل حديث الناس زمناً طويلاً وذلك أن بيت الميرزا جواد الطبيب كان ملاصقاً لبيت الزعيم الديني الشيخ حسن المامقاني فكثيراً ما كان هذا الجحش يفلت من بيت صاحبه الطبيب فيدخل بيت الشيخ المامقاني في أثناء إلقائه الدرس على طلابه، وكثر هذا الانفلات فأرسل المامقاني على الميرزا جواد الطبيب وقال له مازحاً:
يا سيدي الميرزا، ويا جاري العزيز، لِمَ تترك ابنك (يعني الجحش) ليعيث عندنا فسادا؟
فرد الطبيب عليه مازحاً: لقد سعيت كثيراً أن أخرج منه طبيباً فأبى إلا أن يكون عالماً روحانياً؛ فما العمل يا سيدي؟
رحم الله تلك الايام التي كانت فيها الحمير أشفق وأكثر انسانية على الانسان من بعض بشر اليوم.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 3993 - الإثنين 12 أغسطس 2013م الموافق 05 شوال 1434هـ
الاستحمار الادمي،
شكرا على الموضوع الشيق عن الحمير للاسف ، الشديد هناك اناس يعيشون بيننا لكن الحمير احسن منهم حيث ان اجودهم يعتبر وبالا على المجتمع خصوصا اذا زاد استحمارهم وشاركوا في اتخاد بعض القرارات المصيرية..انهم الا كالانعام بل اشد،...
حمار الحكيم
شكرا استاذي العزيز موضوع جميل وتعليقات اجمل
قال تعالى (كأنهم حمر مستنفرة)
شبه الله البعض بالحمر اي الحمير حين تفرّ من القسورة وهو الاسد ولم يضرب الله تلك الامثال عبثا بل لأن المجتمعات فيها الكثير من تلك الامثلة المتكررة
وذكر الحمار في القرآن في غير المواضع التي ذكرتها
والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة
النحل 8
موضوع شيق
رحم الله تلك الايام كان الانسان اشفق على الحمار فلا ينكر جميله فليس كهذا الزمان يغدر بك من تقف معه ويوشي بك ويفتري عليك من نظنه ان قد اخلص لله قلبه
جحا وجنون البقر ..حمار يحمل أسفار
قال جحا يقولون ولا يقون أنفسهم لكن خذ الحكمة حتى لو كانت من عند مجنون .. بينما اليوم يظهر أن العقال كثروا أو قلت الحكمة أو زيادة الجنون عدوى جنون البقر قلل من الحكماء المجانين . هذا بحسب قانون التوازن الطبيعي - الزائد كما الناقص، أو ما زاد عن حده إنقلب ضده. أليس صحيحا أنه يقال ان الحكمة ضالة .. بس بعض الناس إهتدت بينما آخرين إختلفوا أو إنحرفوا أو بسبب التلوث ضلوا أو إتبعوا من إتغووا أوضيعوا هالحكمة؟ يمكن أكثرهم يعقلون أو يمكن أقلهم لا يعقلون؟
حكايات عن الحمير
في باربار كانت هناك حمارة ذكية عرفت بحمارة الحاج احمد كان يضع الخضرواة في المرحلة ويرسلها الى من المزرعة الى البيت وعندما تصل البيت تنادي بصوتها على الاهل حيث يخرجون ويأخذوا ما يريدون ويعاودوا ارسالها الى المزرعة.
وهناك حكاية اخرة حيث ان احد القراء فاقد النظر يركب على حمارته ويأتي من مقابة الى باربار وتحمله الى الموقع الذي يريده وعندما توفت حزن عليها.
للحمير مكانا في التاريخ ايضا حيث بنيت اهرمات مصر بنقل الصخور على ظهور الحمير.
وللحمير مكانها ايضا في التاريخ المعاصر فهناك حزب الحمير في العراق
اضافة جميلة
اضافة جميلة ولطيفة عزيزي...
ورد ذكره أكثر من ذلك.
وانظر إلى حمارك.
كأنها حمر مستنفرة.
هذا ماأتذكره. وشكرا على المقال اللطيف.
محمد العرادي
نعم
نعم فاتني ذلك .. شكرا لك استاذي
تسلم
تسلم استاذ مقال لطيف
قلم حر
سلمت اناملك وبارك الله فيك اخي العزيز الى الامام استادي
شكر و ثناء
تتهافت الحروف بكلماتها لتجسد لك أجمل عبارات الشكر والثناء على مواضيعك الراقية
لمعلموماك
يذكر معظم الاباء ممن كان يعمل في سوق الخضرة بالمنامة (فندق عذاري حاليا) أن رجل ضرير يعمل حمار ( لا اذكر اسمه ) يمجرد يعطيه العملاء بضائعهم لتوصيلها لبوتهم المعتادة .. يأخذ الحمار طريقه المعتاد (دلفري هوم )
طبعا بعضكم لن يصدق .. اسألوا ابوتكم ممن هم فوق الخمسين سنة سيأكدون لكم المعلومة
ليس كل جمار حمارا
كان لزوج عمتي حمارا يبيع به البز الا انه يعفر به ويهرب قيأتي زوج عمتي ماشيا لبيته فيحد الحمار سبقه للبيت ......وقصة الملك والاتان مشهور تولع الملك به اراد ان يحوله فيلسوف واحضر له المدرسين الفلاسفة ووفر الحياة الكريمة في قصره فتساءلت الملكة لم؟ فاجابها اريده فيلسوف فقالت نحن نريد الفيلسوف حمارا فتنبه الملك لأن ضرر الفيلسوف كبير على ملكه ويجب تحويله الى حمار
أبا علاء!
أبداع ينم عن قلب كبير
رحم الله تلك الايام التي كانت فيها الحمير أشفق وأكثر انسانية على الانسان من بعض بشر اليوم
رحم الله تلك الايام التي كانت فيها الحمير أشفق وأكثر انسانية على الانسان من بعض بشر اليوم