قررت المحكمة الكبرى الجنائية في جلستها السابقة جلب المتهم بالتجمهر والشغب، وتوجيه الليزر إلى طائرة عمودية تابعة لوزارة الداخلية، الى المحكمة بجلسة 12 سبتمبر/ أيلول 2013.
وكانت محكمة أول درجة قضت بحبس المتهم لمدة 3 أشهر، وقدرت كفالة 100 دينار لوقف تنفيذ العقوبة، وغرامة 100 دينار.
وكانت النيابة العامة وجهت إلى المتهم أنه اشترك مع آخرين مجهولين في تجمهر في مكان عام، مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه الإخلال بالأمن العام، واستخدموا العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها.
وقد تقدم المحامي جلال قاهري بمذكرة دفاعية امام محكمة أول درجة طالب في نهايتها ببراءة موكله، ودفع من خلال مذكرته بعدم دستورية مواد الاتهام، إذ تنص المادة رقم (178) من قانون العقوبات على أنه: «كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل، الغرض منه ارتكاب الجرائم، أو الأعمال المجهزة، أو المسهلة لها، أو الإخلال بالأمن العام، ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تتجاوز 200 دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين».
وأضاف «البيّن من صياغة المادة سالفة الذكر، أنها تثير عدة شبهات في مدى دستوريتها؛ فأي تشريع عقابي، لابد أن يدور في فلك المادة 20/أ من الدستور التي تنص على انه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون...)، ولإعمال هذا النص، فلابد من أن تكون النصوص العقابية محددة لعناصر التكليف الجنائي في القاعدة الجنائية تحديداً واضحاً، بحيث يفهم المخاطب به المواطن العادي الأفعال المؤثمة في هذه النصوص».
وتابع قاهري «فالغاية من إقرار مبدأ الشرعية هو ضمان إخطار الجمهور المخاطبين بالقانون، ما هي الأفعال التي تعتبر جريمة ويستوجب على مرتكبها العقاب، الأمر الذي يستلزم معه وضوح قصد المشرع، وكل غموض في النص من شأنه أن يؤدي إلى التحكم القضائي الخطر».
وذكر قاهري «وبإعمال ما سبق، فإن القصد الجنائي الخاص في جريمة التجمهر (القصد الغائي)، اتسم بالغموض وعدم التحديد، إذ إنه لم يحدد أياً من الجرائم التي قصدها المتجمهرون. فربما يكون غرض التجمع ارتكاب مخالفة معاقب عليها بالغرامة التي لا تقل عن 10 دنانير، بينما في جريمة التجمهر الجريمة الفرعية تكون العقوبة الحبس، هذا كله مع عدم التسليم بصحة ما نسب للمتهمين. كما تركت المادة تحديد الأعمال المجهزة والمسهلة للجريمة لاجتهادات مختلفة، ما يفقده خاصية اليقين التي يجب توافرها في النصوص الجزائية، وشاب نصها الاحتمالية في التفسير والتطبيق» .
وبيّن قاهري أن «خلاصة القول، ان جريمة التجمهر المنصوص عليها في المادة (178) من قانون العقوبات دارت في رحى عدم الدستورية، لاكتنافها الغموض وعدم التحديد التي تتطلبها الشرعية الجنائية الدستورية، فضلاً عن مساسها بجوهر الحق، وهي حرية التعبير، وحرية الاجتماع، وعدم المساواة في المراكز بشأن المعاقبة على النيات والأعمال التحضيرية. وتنطبق ذات الإشكالات الدستورية على نص المادة رقم (179) من قانون العقوبات محل الاتهام التي تنص على أنه: إذا شرع واحد أو أكثر من المتجمهرين في استخدام العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها كان ذلك شغباً، وعوقب كل من اشترك في هذا الشغب وهو عالم به، بالحبس وبغرامة لا تتجاوز 500 دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين» .
وأفصح قاهري ان «ما يعضد ذلك، أنه جاء في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وهو وثيقة رسمية تم إعدادها من قبل أشخاص مكلفين بخدمة عامة، ووافق عليها جلالة الملك بتاريخ (23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011)، جاء في هذا التقرير في البندين رقم 1279 و1280 أنه (ونظراً للطريقة التي جرى بها تطبيق نصوص قانون العقوبات ومنها المادة (179) عقوبات في البحرين، فإن لدى اللجنة عدداً من بواعث القلق بشأن اتساقها مع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان ومع أحكام دستور البحرين)».
وتابع قاهري أن المادة 179 تجرم الأعمال التي تعد محاولات للمشاركة في العنف، وهو ما يعد بحسب هذه المادة شغباً، لكن هذا التعبير لا يشمل عنصراً أساسياً لجريمة المحاولة، وهو اتخاذ خطوات ملموسة أو محسوسة لارتكاب الجريمة... واسترسل:
وبذلك يمكن أن تستخدم المادة 179 عقوبات في حق الأشخاص الذين يسعون إلى ممارسة حقهم في حرية التجمهر الذي تكفله القوانين الدولية دونما حاجة إلى إثبات ارتكاب أعمال ملموسة أو محسومة. يضاف إلى ذلك أن المادة 179 تجرم محاولات ارتكاب أعمال العنف دون أن تقتضي ارتكاب أي عمل يؤدي إلى العنف.
علاوة على ذلك فقد صدر من النائب العام بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2011 بيان أفاد فيه بأن النيابة العامة تسقط عن المتهمين التهم المشار إليها في تقرير اللجنة المشار إليه أعلاه أو ستطلب من عدالة المحكمة بصفتها صاحبة الولاية إسقاط هذه التهم، هذا وقد جرى عمل النيابة في ذلك وقامت بمخاطبة المحاكم لإسقاط التهم المسندة للمتهمين بموجب نص المادة 179 عقوبات.
وعليه، التمس قاهري من المحكمة تقدير جدية الدفع بعدم دستورية المادتين رقم 178، 179 من قانون العقوبات ووقف الدعوى وتمكين الدفاع من رفع الدعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية.
كما دفع قاهري في مذكرته الدفاعية ببطلان استيقاف المتهم لعدم توافر شروطه، إذ اشترط المشرع الجنائي شروطاً معينة لكي يصح الاستيقاف، ومن هذه الشروط ضرورة وجود مظاهر تبرره كأن يضع الشخص نفسه موضع الريبة والشبهة.
كما لفت قاهري لأوراق الدعوى، إذ «لم يوضح محضر القبض ما هي الشبهات والملابسات التي أدخلت في نفس مأمور الضبط القضائي شبهة قيام المتهم بجريمة الشغب التي لم تثبت ولم تقع؟! فلم تثبت أوراق الدعوى أن المتهم قد وضع نفسه اختيارياً موضع الريبة والشبهة وبالتالي فلا يجوز استيقافه وفقاً لما استقر عليه قضاء المحكمة».
كما دفع بعدم ضبط جهاز الليزر أداة الجريمة في حوزة المتهم، إذ أوضح أنه لاشك أنه مما يؤيد الاتهام هو ضبط أداة الجريمة جهاز الليزر المزعوم بحوزة المتهم. وقال:
ولكن في الدعوى الماثلة لم ولن تضبط أداة الجريمة المزعومة (جهاز الليزر) بسبب واضح وهو أن جهاز الليزر المزعوم وجوده بحوزة المتهم لا وجود له على الإطلاق... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أين أداة الجريمة، ولماذا لم يتم ضبط هذه الأداة المزعومة (جهاز الليزر) حتى الآن؟
ولذلك فإن كل ما جاء بلائحة الاتهام أو بأقوال الشاهد الوحيد من وجود جهاز الليزر المزعوم لم يتم ضبطه لدى المتهم، ما يدل على عدم وجود جريمة في الأوراق، ما يجعل طلب براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه قائماً على أساس صحيح من القانون.
كما دفع قاهري بتناقض الشاهد الوحيد في أقواله تناقضاً واضحاً، مختتماً ببراءة المتهم مما هو منسوب إليه، واحتياطياً استعمال منتهى الرأفة بالمتهم.
العدد 3993 - الإثنين 12 أغسطس 2013م الموافق 05 شوال 1434هـ