العدد 3992 - الأحد 11 أغسطس 2013م الموافق 04 شوال 1434هـ

سوق المنامة القديم... مســـــــاعٍ للتطوير وصعوبات الواقع

التجــار يسـتـغـيـثـــون لإحياء السوق

صورة حديثة للتطوير الذي شهده سوق المنامة بالقرب من باب البحرين
صورة حديثة للتطوير الذي شهده سوق المنامة بالقرب من باب البحرين

ها أنتَ... تخطو خطواتك الأولى خارج سيارتك، على الأرجح أنك أوقفتها محشورةً بين سيارتين عند جدار بيت قديم... خائفاً من أن تصيبها خدوش من السيارات الأخرى العابرة أو تلك التي تحاول أن تجد لها - كما أنت - موقفاً محشوراً بين سيارتك والسيارة التي تليك...

تطرقُ قدماك الأرض باعوجاجٍ على الطريق المعبد المتآكل، تتبصر الطريق تتذكر الأزقة التي ربما طالما مررت بها صغيراً، وربما لاتزال تمر بها، وربما تزورها للمرة الأولى.

فإن كنت من أهل ذكريات الطفولة ستستمتع بطريقك متلمساً معالم الطريق التي تغيرت ولم تتغير، تذهل من بقاء بيوتٍ حسبتها أنت أنها ستنهار على قاطنيها منذ سنين، وستتأملُ بيوتاً بنيانها يأبى أن ينخرط في بوتقة تاريخ ذكرياتك، ويقفُ بكبرياء يعلن عن شكله الجديد نوعاً ما.

إن كنت من أهل الديار تزورها يوماً فيوم، فأنت لك تفردٌ خاص، شعورٌ خاص، وذكرياتٌ خاصة، فالمكان هنا كديار ليلى تقبله ذا الجدار وذا الجدار ولكن حباً للجدار نفسه! أنتَ تعرف طريقك دون مرشد، وتحفظ تقاسيم أزقته كاسمك، تعيش في كل زيارةٍ له سعادة لا نفهمها نحن الذين لسنا من صنفك، تعيش الماضي والحاضر وترسم بخيالاتك آمال المستقبل.

أما إن كنت من صنف الزائرين لأول مرةٍ... فحتماً تحتاج إلى دليلٍ ومعين، وخيرهم أولئك العاشقون لديار ليلى، فإن لم تستعن بهم فأنت إما مشكوكٌ في نباهتك أو أنك تتحدى قدرة ذاكرتك وحدة بصيرتك في استشراف معالم المكان وتذكر الموقف الذي حشرت فيه سيارتك أول النهار.

هذه هي عاصمة أوال بواقعها المتناقض الجميل، أنتَ الآن في المنامة بواقعها القديم الجميل، ولكي أكون أكثر دقة أنت تتوجه إلى سوق المنامة الشعبي القديم، آملاً أن تستمتع بجولة تشبع فيها شغف عينيك لرؤية جديد التراث (جديد على عينيك التي اعتادت مظاهر الحداثة في كل شيء حولها) ورؤية شيءٍ من بضاعة تروم شراءها.

سوق المنامة القديم احتل لنفسه مركزاً خاصاً في قلوب الزوار والقاطنين منذ القدم، واحتل لنفسه مركزاً خاصاً عند التجار والتجارة، سوق المنامة كان يفد عليه كل داخلٍ للبحرين من بابها فصنع لنفسه بتلقائيةٍ وعفوية شوارع وتفرعات امتدت لتبقى إلى اليوم، فكانت أزقةً متناثرة التنظيم بل منعدمة التخطيط.

انعدام التخطيط للسوق كان نتيجة تلقائيةً لعفويةِ وحتميةِ وجوده عند مدخل تجاريٍّ حيويٍّ للبحرين، وبقيت هذه التلقائية أصعب مكوّنٍ من مكونات السوق على من يروم ترويضه أو تحديثه أو تطويره.

نأخذكم اليوم في جولةٍ لأحد أعرق أسواق البحرين، نستمع لخلجات شوارعه، تجاره، وزائريه، نبحث في خطط تطويره ونظرة التجار للمستقبل الذي به يطمحون، ونستشعر آمال الزائرين له، آملين أن نوفي سوقنا القديم حقه من الزيارة والاهتمام.

ندخلُ من باب البحرين

كان سوق المنامة يقع على الشريط الشمالي الساحلي فيما قبل باب البحرين، وكانت هذه السوق عبارة عن مجموعة من الأسواق تحيط بها عدة مقاهٍ شعبية والتي كانت من مستلزمات السوق وتقدم لروادها الشاي والحليب وغيرهما.

من هذه الأسواق سوق «الطواويش» التي كانت تعتبر المركز المالي للبحرين وبها كبار تجار اللؤلؤ ومستوردو البضائع وصرافو العملة، سوق «البز» وهي لبيع الأقمشة، سوق العجم بها البهارات والمكسرات والبضاعة الإيرانية، سوق الغنم وسوق الخضار، سوق الحدادة وفيها «الصفافير» و «التناكة»، ولا نغفل عن ذكر سوق «الحواويج» وهم العطارون، كانت هذه السوق ومازالت مختصةً ببيع الأدوية الشعبية المصنعة محلياً والمستوردة.

يُؤَرَّخُ لمدينة المنامة أنها نشأت في عام 1320م، وأقدم ذكر لأسواق المنامة هو سوق «القيصرية» عام 1819م والمشتق من كلمة «قيصر» أي الحاكم، وكانت أكثر محلات هذه السوق ملك حاكم الإمارة آنذاك، والمنامة حينها تضم 22 سوقاً على أقل تقدير.

في كتابه «المنامة خلال خمسة قرون» يحدثنا عبدالكريم العريّض عن سوق المنامة وتنظيم إدارته فيقول: «سوق المنامة لها تاريخها المتميز قبل إنشاء البلدية في العشرينيات من القرن الماضي، حيث كانت له إدارته الخاصة المتمثلة في أمير السوق، وهو المسئول عن حفظ الأمن والحراسة الليلية، وكان يعاونه عدد من الرجال الذين يسهرون طوال الليل وهم يتجولون بين الأزقة في السوق».

ويتذكر أيضاً: «في السوق لوحة كبيرة من الخشب على شاكلة سبورة المدرسة، توضع عليها إعلانات الحكومة ونشرات إخبارية يتعرف من خلالها أصحاب السوق على ما يدور من حركة تجارية، وقدوم مراكب الشحن القادمة من بومبي أو تلك التي تحمل بضائع من البصرة، وموعد سفر المسافرين، وعن إفلاس التجّار وأخبار الغوص».

إعلانٌ عن مشروعٍ لتطوير السوق

نظراً لتضرر التجار وشكواهم من تدهور الوضع التجاري في السوق القديم، ومطالبتهم بمعالجة تدهور العمران والمباني التقليدية في السوق، تم الإعلان عن مشروعٍ وُصِف من قِبل بلدية المنامة بأنه «مرحلة أولى من خطوة طَموحة كبرى تهدف الى إحياء الوسط التاريخي من مدينة المنامة».

شاركت عدة جهات في العمل على هذا المشروع من تخطيط وإدارة وتنفيذ، غرفة تجارة وصناعة البحرين، وزارة شئون البلديات والزراعة (بلدية المنامة)، ووزارة الثقافة، بالإضافة إلى لجنةٍ أهليةٍ تم تشكيلها من قبل التجار أنفسهم.

عرفتنا بلدية المنامة على مشروع تطوير سوق المنامة وباب البحرين، وبينت البلدية أن المشروع ذو أهداف إنمائية بعيدة المدى، والمشروع يتمتع بموقع استراتيجي مهم لمجاورته لمعلم باب البحرين الذي كان يستخدم كبوابة لمدينة المنامة القديمة ولاعتباره مدخلاً للأسواق التراثية المتفرعة.

وفي إجابتهم على ما تم إنجازه من المشروع بينوا أنه تم ترميم المبنى الذي يضم أول مركز للشرطة والبريد في المنامة، وإزالة عدد من المحلات التجارية الملاصقة للجزء الأول من باب البحرين والتي تعاني من تدهور وتشوِّه المنظر العام وتمت إعادة بنائها بطريقة تمزج بين الحداثة والتراث، أيضاً تم تشكيل وتجميل واجهات المحلات على امتداد شارع باب البحرين والتي تعاني من التشويه البصري وفوضوية المعالجات المعمارية، كما تم بناء مبنى لمواقف السيارات.

ويتبقى من المشروع تعديل الشوارع الأخرى المتفرعة من شارع باب البحرين مثل شارع التجار، شارع الحضرمي وما يشمله من أسواق الذهب والأقمشة والخياطة والحلويات والمكسرات، بالإضافة إلى تطوير المقاهي الشعبية الموجودة وإنشاء دورات مياه.

الزبون وجد بدائل أخرى... والجمعة يوم الهند

أهل السوق هم تجارها، يعيشون أيامها يوماً بيوم، تقلباتها بين ماضيها وحاضرها، فماذا يقولون في الفرق بين تواجد الزبائن والزوار بالسابق وبين تواجدهم الآن؟

العرادي للأقمشة كان في السوق منذ ما يقارب الثلاثين سنة وكانت لديهم محلات أخرى سابقاً قاموا بتأجيرها، يصف لنا العرادي حال السوق سابقاً بشيء من الحسرة فيقول «تغير سوق المنامة بشكل كبير، في السنوات السابقة كان حاله أفضل من الآن، في تلك السنين لم تكن هناك مجمعات ولا انفتاحٌ على الخارج كما هو الآن، فكان الزبائن كلهم يأتون لسوق المنامة من كل مناطق البحرين».

ويحدثنا العرادي عن حضور الزبائن: «سوق المنامة أصلاً يعتبر منطقة سكنية، هذا المحل مثلاً فوقه خمس أو ست شقق، لذلك ترين أهل المنطقة دائماً يتوافدون على السوق، لكن حتى أهل المناطق الاخرى يأتون من الرفاع مثلاً أو المحرق، يحبون رؤية أوضاع السوق وأزقته، ماعدا يوم الجمعة فهو يوم الهند إذ لا يتواجد في السوق أحد غير الآسيويين والهنود».

ولجذب الزبائن يرى العرادي أن استخدام التقنية حلٌ نموذجي: «نحن الآن نعتمد على انستغرام، جميع البضائع التي تأتي نحملها على الموقع أولاً بأول، فيعرف الزبون البضاعة وسعرها، وهذا يشجعه على الحضور، ويعطي حركة لتجارتنا».

أما محمد اسفندياري فهو أحد الباعة العجم في السوق، يعمل في دكان لبيع أدوات الخياطة، يرجع تاريخ المحل إلى ستين سنة مضت منذ أنشأه والده، ويرى أن انتشار الأسواق في كل المناطق أسهم في التقليل من الزبائن المرتادين لسوق المنامة: «الآن حركة الزبائن ضعيفة ليست مثل السابق، إذ كانوا يأتون من جميع المناطق من كل القرى، لكن اليوم الأسواق في كل مكان، والزبون يحصل على ما يريد قرب بيته».

تحدثنا مع العامل في محل سيد جنيد عالم لبيع العطور، بيّن لنا أن الفرع الذي يعمل فيه تأسس منذ 15 سنة في حين أن الفرع الأصلي في السوق من نحو 80 سنة، سألناه أيضاً عن حال السوق اليوم فأجاب: «حال السوق من سيئ إلى أسوأ، واليوم بالتحديد – يوم الجمعة - يوم الهند»، وعن نوعية الزبائن قال: «يأتي بحرينيون وخليجيون وأجانب، والآسيويون بالطبع».

السوق الشعبي ليس مجمَّعاً

أخذنا آراء بعض التجار والباعة عن الجزء الذي تم تجديده في السوق، وأجمعوا على عدم رضاهم بالتجديد الذي تم إنجازه عند باب البحرين، التتان (بائع اوراق التبغ) أرجع سبب قلة الزبائن اليوم - بالنسبة لبيعه بالخصوص - إلى تراجع إقبال النساء على تدخين «القدو» الذي حل محله «الشيشة».

أما عن رأيه بخصوص الجزء الجديد من السوق فلم يكن راضياً عنه نهائياً «هذا سوق شعبي، سوق شعبي يعني أن يكون متروكا على طبيعته، لا أن يتم تحويله إلى مجمع تجاري».

وعوداً إلى العرادي، فقد اعتبر أن الجزء الجديد ناجح في جذب السياح الأجانب وخصوصاً عندما يفدون لسباق الفورمولا واحد، «لكن الزبائن البحرينيين حضورهم قليل والخليجيين أيضاً حضورهم قليل»، وعزا ذلك إلى أن «الخليجيين يتجهون للمجمعات الحديثة، ولأن المواقف هناك متوافرة، هنا مشكلة المواقف لم يتم حلها بعد، أنا نفسي آتي يومياً إلى السوق وأحتاج إلى أكثر من ثلث ساعة حتى أجد موقفاً للسيارة».

واتفق الحواج صادق المخلوق على عدم جدوى التجديد الذي حصل للسوق: «السوق الجديد لا فائدة منه، ما من شيء جديد، حتى المهرجانات التي تمت إقامتها من قبل وزارة الثقافة لا يحضرها أحد غير الهنود».

سألته عن سبب عدم حضور البحرينيين: «لا يوجد بحرينيون الآن في المنامة، المنامة انتهت، خرج جميع أهلها منها، أنا على سبيل المثال خرجت من المنامة منذ أكثر من 24 سنة».

فيما اعتبر اسفندياري أن عقبة المواقف هي سبب عدم إقبال الزبائن في كلا القسمين القديم والجديد، وأيده بذلك العامل في محل سيد جنيد للعطور، وأضاف: «حتى المواقف الجديدة التي تم إنشاؤها مع التجديد الأخير ليست ذات جدوى، إنها بعيدة عن السوق، والناس اعتادت على عدم وجود مواقف».

نعشق السوق ونريده مفتوحاً

لكل تجارة طرفان بائعٌ وزبون، فكانت لنا زيارة لزبائن دائمين لسوق المنامة القديم، ومن أكثر ديمومةً من أهل الديار؟

بيت عبدالله دهنيم هو أحد البيوت التي مازالت صامدة على رغم قديم بنيانها وتآكل جدرانها، قديمٌ قِدَم الأرض التي هو عليها، فكما تذكر الأم كان البيت «عريش» قبل أن يُبنى، أي كان مبنياً من سعف النخيل لا من الحجر، ولايزال البيت محافظاً على تصميمه القديم على رغم بعض الإصلاحات التي اعتبرها اهل الدار مكلفة أكثر من هدمه وإعادة بنائه.

نسوة الدار زبوناتٌ دائمات لسوق المنامة القديم، ويكثرن من زيارة «البهرة» و «القراشية»، وقلن انهن زرن الجانب الجديد من السوق، وأبدين إعجابهن به «الشكل هكذا أحلى وأجمل، هم لم يغيروا السوق، فقط جددوا شكله ونظموه».

بيت محمد علي حويدة هو الآخر كان «عريشاً» قبل بنائه من حجر، ولايزال أهله متمسكين بالسكنى فيه، كانت النسوة يعبرن عن حبهن للشكل التقليدي لبيوت المنامة على رغم تأسفهن على قِدَم البيوت وحاجتها لإعادة البناء.

وما إن هممت بالحديث عن السوق القديم حتى أبدين حبهن الشديد للسوق قائلات: «لا غنى لنا عن سوق المنامة القديم، نعشقه كثيراً».

وبخصوص الشكل الجديد للقسم الذي تم تجديده من السوق عبرن عن إعجابهن بشكله: «نعم التنظيم جميل جداً ويحافظ على الشكل القديم للسوق» ولكن استدركت إحداهن قائلة: «لكن أتكلم عن الجانب المفتوح من السوق، لأن الجزء الذي تم تسقيفه وتكييفه أصبح كأنه مجمع تجاري وليس سوق المنامة القديم، نحن نحب السوق مفتوحة كما هي، وحبذا لو يتم تجديد السوق كلها بنفس الطريقة المفتوحة».

مريم (أم محمد) سعودية متزوجة من بحريني ومقيمة في المنامة، قالت ان أكثر ما يعجبها في السوق الأشياء القديمة والتراثية، وأعجبها التجديد الذي حصل للسوق لكن بشرط: «ألا يتحول إلى مجمع تجاري، أنا أحب الأسواق المفتوحة، لا أحب المجمعات»، مبينة أنه بالإمكان تطوير السوق عبر تنظيمه «بإمكانهم تجديد واجهات المحلات، وإضافة خزائن قديمة، لكن أن يتم غلقه وتحويله لمجمع تجاري فلا».

ولأنها قاطنة على مقربة من السوق فلا تعاني أم محمد من مشكلة مواقف السيارات، بل تعاني من السيارات التي تمر وسط السوق، «الشوارع ضيقة أصلاً، ونحن نمشي في السوق والسيارات تمشي خلفنا أين ما كنا، هذا أمر يضيّق علينا كثيراً».

التكامل شرط لنجاح المشروع

تحدثنا مع مدير إدارة الأملاك والمتنزهات بالمنامة زهير الدلال، سألناه عن سوق المنامة القديم ومشروع تطويره، فقال ان بداية المشروع كانت نتيجة لمعاناة أهل السوق من التجار في قبالة كثرة ونجاح الأسواق المتطورة من مجمعات تجارية حديثة.

فنتج عن ذلك فكرة إحياء السوق القديم بطابعٍ تراثي وسياحي يجذب أكبر عدد ممكن من الزائرين للتبضع وشراء الهدايا التذكارية التي لها علاقة بالتراث والصناعات اليدوية، على غرار الأسواق الشعبية الناجحة في دول أخرى مثل سوق واقف في قطر والذي اعتبره سوقاً ناجحاً.

فالهدف الأساس من مشروع تطوير السوق القديم هو إنعاش تجارة السوق وإصلاح الكساد الاقتصادي الذي يعانيه التجار.

ويقيّم الدلال ما تم انجازه من مشروع تطوير السوق على أنه تجربة غير ناجحة حتى الآن لأنها عبارة عن مرحلة أولى فقط، لكن بالإمكان إنجاحها لو تم إنجازها بشكل متكامل وتوفير خدمات متكاملة، كالفنادق وتعديل المقاهي الشعبية الموزعة حالياً بشكل عشوائي بالإضافة توفير دورات مياه عمومية، وتوفير مقومات التسوق من مكاتب استقبال للزائرين والإرشاد السياحي وأماكن للترفيه العائلي.

المواقف ودورات المياه

نتيجة لما ذكرنا سابقاً من معاناة أهل السوق والتجار، فقد اجتمع عدد من التجار مشكلين لجنة أهلية لإطلاع الجهات المعنية على ما يعانون وعلى مساعيهم والمقترحات التي يمتلكونها للتطوير.

بدايات تشكيل اللجنة كانت منذ قرابة 15 - 17 سنة، وكان أبرز ما يعانون منه انسداد الشوارع بالسيارات والمطالبة بمرافق متكاملة للسوق كالحمامات والمواقف وإنشاء استراحات للوافدين.

وبيّن لنا رياض المحروس أحد المؤسسين للجنة الأهلية أن أوائل تشكيل اللجنة كان نتيجة لتحركهم وكتاباتهم في الصحف وإرسالهم رسالة إلى سمو ولي العهد يوصلون إليه مطالب السوق والتجار ويطالبون بالتدخل لإنقاذ السوق، فكانت نتيجة هذه الرسالة أن تم تحويلهم إلى سمو رئيس الوزراء.

وفعلاً تم التنسيق مع الجهات المعنية لكن لم يتحركوا بشكل جاد على حد وصف المحروس، إلى أن تم تكوين لجنة جديدة لإنعاش الهدف الأساسي من اللجنة، ويقول المحروس: «تم العمل على الجزء الجديد من السوق بناءً على مطالبنا، لكن ليس هذا ما نريد. نحن نريد المواقف ودورات المياه».

ويرى المحروس أنه لا يتم إشراكهم في خطوات صناعة القرار بخصوص تجديد السوق ومواقف السيارات بالتحديد: «المواقف القديمة التي كانت موجودة عند باب البحرين أزالوها دون الأخذ برأينا، المواقف الجديدة التي تم إنشاؤها ضيقة جداً ولا تصلح لأن يكون المبنى لمواقف السيارات، على ما يبدو أن الشركة التي صممت المبنى كان هذا أول مبنى لمواقف السيارات تقوم بتصميمه».

وبعد انقطاعات متكررة لسير العمل، تم إعادة الاتصال مع أعضاء جدد للجنة وإعادة الكتابة في الصحف، فأمر سمو رئيس الوزراء كلاً من وزير البلديات ووزير التجارة والصناعة بأن يجتمعا مع التجار ويستمعا لمطالبهم، فتم اللقاء وتم تجديد اللجنة الأهلية من تجار السوق بالتعاون مع الوزارات المختصة من غرفة التجارة وبلدية المنامة، وبسبب الأحداث الامنية والسياسية التي مرت بها البلاد توقف عمل اللجنة تلقائياً.

وركز المحروس على أن أبرز مطالبهم لتنمية السوق توفير مواقف السيارات ودورات المياه للزوار والزبائن، ويشير إلى أنه بالإمكان البدء بالأمور السهلة مثل الإعلانات التي تشجع على التسوق في السوق القديم، توفير كراسي جديدة في السوق وللمقاهي، عمل دليل لطريق السوق ولافتات تشير إلى سوق المنامة.

اللجنة الأهلية لإيقاد شمعة

وأكد محمود النامليتي أحد المؤسسين للجنة التجار الأهلية أهمية السوق السياحية والتراثية، فدولة البحرين اليوم دولة سياحية والسياح موجودون، وأكثر ما يشد السياح المناظر التراثية والقديمة ويحبون التصوير بقربها، معدداً بعض الأمثلة لأسواق شعبية ناجحة في دول أخرى وتشد انظار العديد من السياح مثل سوق واقف، سوق المباركية، وسوق الحميدية.

ويضيف أن التجار شعروا بالتقصير من قبل وزارات الدولة التي يحتاجها السوق، إذ لم يتم إلى الآن توفير المرافق الصحية، مواقف السيارات، تجميل شوارع السوق، وتعديل المقاهي الشعبية، ويقول ان التجار بحاجة إلى جذب السياح بتوفير هذه المقومات وإقامة المهرجانات، مبيناً ان أسعار السوق لا تشكل عائقاً للزبائن وأن المقومات السياحية متوافرة في السوق لكن ينقصه التطوير وينقصه أن يتم صرف بعض النقود عليه من قبل الدولة.

وفيما يخص ما تم تجديده من السوق فإن النامليتي يعارض الرؤية السلبية ويقول: «بالعكس أنا أختلف مع الكثيرين الذين يقولون ان القسم الجديد جعل السوق كأنه مجمع تجاري وأنه أمر سلبي، بل هذا مجهود طيب وجاذب للسياح، ما المشكلة في أن يكون كالمجمعات التجارية؟»، معتبراً أن هذا التجديد يجذب الزبائن المحبين للمجمعات التجارية.

وركز على كون ما بذل من مجهود هو مجهود طيب، لكن يتبقى العمل على إنهاء بقية خطوات المشروع، ولهذا السبب تشكلت اللجنة «نحن شكلنا لجنة أهلية لأن اللجان الأهلية لها قوة ويُسمعُ لها، فبدلاً من أن نلعن الظلام نوقد شمعة»، ويقول النامليتي أن السوق بحاجة إلى صيانة دورية ومتابعة دائمة وليس من المعقول الرجوع إلى سمو رئيس الوزراء عند كل قضية وان على الوزارات المعنية التعاون وتحمل مسئوليتها تجاه السوق.

ويقر النامليتي بصعوبة تعديل السوق مع تداخل المحلات في بعضها والتخطيط القديم للسوق بين الأزقة، مبيناً أنه بالإمكان توحيد واجهات المحلات الخاصة بالسوق على غرار الجانب المفتوح الذي تم تجديده عند باب البحرين.

ختام الجولة

ها أنتَ الآن تختم جولتك بين الأزقة العصية على التحديث، مررتَ بكل زاويةٍ من زواياها، دخلتَ من باب البحرين فعرفت تاريخ الأرض التي عليها تسير، وبين أزقتها تتوه، جذبتك السوق بسحرها فتجولتَ بين محلاتها والدكاكين، سألتَ أصحابها عن رؤيتهم للفارق بين ماضي السوقِ وحاضره، وبعد أن علمتَ بوجود مشروعٍ لتطوير المتاهةِ التي أنتَ فيها تسير استفسرت من الباعة عن رأيهم فيه فبينوا لك عدم رضاهم بما أُنجِزَ بل اعتبره بعضهم أنه ينحو للفشل.

لم تُشبع نهمكَ بعد، فعرجت على بيوتٍ منسجمةٌ مع قِدَمِ السوق، حاورتَ أهلها و «دردشت» معهم، فعرفت منهم مدى تعلقهم الشديد بالسوق القديم وبينوا لك سعادتهم بالتحديث الذي له أقيم، أكدوا أن السوق الشعبية جمالها في انفتاحها، فالسوق الشعبية حرةٌ لا تقيدها القوانين.

وفي تجوالك بالسوق سمعتَ همساً، اقتربت منه فسمعته ضجيجاً لا همساً، ضجيجُ تجارٍ يتوقون للتغيير، يتوقون للتجديد، يتوقون لإحياء السوق الذي هم فيه ماكثون ومن رزقه يرتزقون، كانوا لجنةً على قلبٍ واحد، جمعهم حب الديار وجمعهم سعيهم لتطوير الديار، يريدون مواقف لسيارتكِ التي أوقفتها بعيداً ولست واثقاً من طريق الرجوع إليها، ويريدون دورات مياه ويريدون تحديثاً لاستراحاتٍ شعبية علّكَ تروي ظمأك بعد طول تجوالكَ بين الأزقة في جوّ أوال اللهيب.

أنتَ الآن بتؤدةٍ تسير، مازلت للسوق أسيرا، أسير التراث الذي رأيت، الناس الذين التقيت، والروح التي معها تشاعرت ومعها تعاطفت، أنتَ الآن تنظر للطوب بين قدميك، تتأمله، على رغم تكسره واعوجاجه إلا أن له سحراً، أو هو جمال السوق الذي سحرك أراك كل ما حوله جميلا، ترفع عينيك، ها هي السيارة التي حشرتها بين سيارتين وبيتٍ قديم، لم تصب بخدشٍ... والحمد لله.

العدد 3992 - الأحد 11 أغسطس 2013م الموافق 04 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:59 ص

      ما عادت هالسوق بالبحرين

      مالت عليها, كااااانت سوق ايام كانت اهلها فيها و الا الحين و بالخصوص يوم اللي صارت مو بس روادها بل دكاكينها أجانب خيرها و صار لغير اهلها. تصوروا انك لا تستطيع شراء شيء منها بالسعر الذي يحصل عليه جماعاتهم الاجانب بالكثير من الدكاكين بالسوق القديم و اذا تعرف لغتهم جرب و اسمع اشلون يتلاكنون مع بعض عن فارق السعر ناهيك عن زعورتهم اما التحايل عليك في حال وجدك جادا بالشراء او التصلف مع ان ساومته بالسعر. بودنا يا جماعه يقوم حظها لكن بنلاقيها من ذيله لو من ازمة المرور و المواقف؟

    • زائر 4 | 3:03 ص

      ام فاطمة

      اذاذهبت الى سوق المنامة القدبم اتخيل اني في الهند

    • زائر 5 زائر 4 | 6:19 ص

      والله زين

      توفرين لج سعر التذاكر

    • زائر 3 | 1:37 ص

      مها

      خلاصة الكلام انكم مهما عملتم ما فى فائده انا من الناس الى احب سوق المنامه للتغيير لكن السوق ميت مافى شى نفس المجمعات الشى الوحيد الى يجذب الناس هو محلات الذهب والاقمشه اقترح تحويل المحلات الى سوق شعبى لبيع الذهب والاقمشه وبعض الصرافين وايد احسن بدل ما صاير ممشى للاسيويين

    • زائر 2 | 1:04 ص

      .....

      علة هل مجمعات التجارية من بيروح سوق المنامة من زينة أتدش دكان واحد
      شنك داش الدكاكين كلهة لآنة نفس البضاعة متواجدة في كل المحلات التجارية.

    • زائر 1 | 9:52 م

      رأى

      أصدقائى الأجانب الذين أخذتهم فى جولات حول البحرين، كلهم حبوا زيارة اسواق المنامة الضيقة. خلال زياراتى لمدن العالم ، لم أجد مدينة مركزها أو وسطها متروك سوى المنامة. أعادة الحياة الى مركز المنامة شبه مستحيلة و ذلك بسبب التأخر فى ما كان يجب أن يعمل. كالعادة عندما كنا نقول و ننصح محد سمعنا. لا عجب !!

اقرأ ايضاً