العدد 3990 - الجمعة 09 أغسطس 2013م الموافق 02 شوال 1434هـ

تطوُّر البَشاعة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جاء في لسان العرب، أن معنى البَشِع هو: الخَشِنُ من الطَّعام واللِّباس والكلام. وطعامٌ بَشِع: كريهٌ يأْخذُ بالحَلْق بَيِّنُ البَشاعة، فيه حُفُوفٌ ومَرارَةٌ كالإِهْلِيلَجِ. ورجل بَشِع المَنْظَر إِذا كان دَميماً. ورجل بَشِعُ النفْس أَي خَبيثُ النفس، وبَشِعُ الوجه إِذا كان عابِساً باسِراً.

ورغم أننا نعيش أيام عيد الفطر السعيد، أعاده الله على الجميع بالخير والبركة، إلاَّ أنني مُلزَمٌ أن أُقَلِّبُ في هذه اللفظة (البشاعة) وأنا أرى مفاعيلها على الأرض، تتطوَّر، حتى كادت (كـ مُفردَة) لا تتناسب مع الشرح اللغوي لها، فاحتاجت إلى زيادة في الوصف.

فبشاعة البشر، لم يعد لها حدود. ولم تعد هناك ساحات قتال مُحدَّدة يتفجَّر فيها ميزاب الضغينة والحقد والغَلَبَة. ولم يعد هناك أبدانٌ عليها بزَّات عسكرية، هي المستهدَفَة فقط. ولم يعد هناك شيء اسمه مدنيون أصلاً، ولا مناطق آمنة، ولا محايدة.

في السابق، كانت الحرب التي تقع بين دولتين، تعني المواجهة العسكرية، والتحام الجنود في المعارك. ولا أظنُّ أن أحداً تقاتَل كما تقاتل الأوروبيون فيما بينهم، حتى منتصف القرن الماضي. حربان عالميتان، سبقتها حروبٌ داخليةٌ عديدٌة، لتعزيز النفوذ.

قرَّر الأوروبيون أن يضبطوا ذلك الجموح العسكري وتداعياته. كانت ذاكرتهم مليئة بالأحقاد، وأسمال وجوههم كانت لاتزال مُشوَّهة. وأنوفهم ظلَّت مزكومة برائحة الدم. حرب السنوات السبع، التي ذبحت عدة دول أوروبية نفسها فيها من أجل السيطرة. حرب المئة عام المريرة بين فرنسا وبريطانيا. وقبلها الحروب الدينية الأكثر دموية وبشاعة.

أمام كل هذا المشهد القاتم، توافَقَ الأوروبيون على شيء من العقل، كي يحفظوا ما تبقى من إنسانيتهم. فقد وقَّعوا عهداً بينهم يُلزمهم عند الاقتتال. جاءت اتفاقية جنيف في العام 1864م والتي تقضي بإنشاء هيئات للإغاثة لمساعدة الضحايا، وسَنّ قوانين علاج جرحى الجنود والعسكريين دون تمييز.

ثم جاءت اتفاقية جنيف الأولى، التي عَنَت بالجرحى والمرضى من الجنود الذين يسقطون في المعركة، واتفاقية جنيف الثانية والتي اختصَّت بجرحى المعارك البحرية من الجنود، واتفاقية جنيف الثالثة التي أقرَّت حقوقاً بشأن معاملة أسرى الحرب، ثم اتفاقية جنيف الرابعة، والتي اختصَّت بحماية المدنيين، في المناطق المُستَولَى عليها، عبر الحفاظ على الحالة القانونية القائمة، وعدم توطين مَنْ هم من الخارج، وذلك للحفاظ على هويتها.

وفي العام 1977 أضِيْفَ لتلك الاتفاقيات، بروتوكولان يختص الأول بالحروب بين الدول، والثاني بالحروب الأهلية. وهي جميعها اتفاقيات، وُضِعَت من قِبَل ساسة العالَم الغربي كي يُحفَظ للإنسان الأوروبي (على الأقل) جزءاً من حقوقه التي هُدِرَت جراء الصراعات.

وعندما أقرأ كل ذلك، أرمق أوضاعنا نحن المسلمون، حيث لم يعد لدينا إطار، لا في سِلمِنا ولا في حربنا وهي الأخطر. توجد لدينا التدوينات الجميلة حول الحقوق، لكنها مدفونة في بطون الكتب. لدينا كل شيء، لكن وفي الوقت نفسه لدينا نقيضها أيضاً وهو الأمضى. هذا النقيض، يمسح كلَّ تلك الحقوق ويجبّها، ويدوس على كل الأمنيات، ليتسيَّد هو على الخيمة المنكوبة.

عندما أقرأ عن الدمويَّة التي تجري في العراق، أكاد أصابُ بالغَثَيَان! دماء تجري على الأرصفة دون حساب، ولحوم شَوَتها التفجيرات، دون تمييز. أطفال، نساء، كهول فضلاً عن الشباب. الكل مستهدَف. حتى المقاهي والمستشفيات والمتنزهات العامة وأسواق الخضراوات فجروها على مَنْ فيها.

قبل أيام، ذكرت وكالة رويترز للأنباء، أن سبعة وثلاثين مقهى منذ أبريل/ نيسان الماضي تم تفجيرها في العراق. لم يكن فيها شيعة فقط، ولا سُنَّة فقط، ولا مسحيين فقط، ولا أزيديين فقط. كان فيها عراقيون، سوادهم الأعظم في عمر الزهور، تفحَّمت أجسادهم وأصبحت رماداً يُحمَل على الأكف، أو نثار لحم يُجمع من تحت الطوب أو من على الجدران!

قال أحد العراقيين: «ذهب ابني (20 عاماً) إلى أحد المقاهي حاملاً علماً عراقياً على كتفه لمشاهدة مباراة في كرة القدم. انفجرت قنبلة كانت مخبأة داخل حقيبة في المقهى الذي تجمَّع فيه الشاب فقُتِلَ وآخرون! قال الوالد: لماذا قتلوا ابني الشاب؟ وجلس يبكي في منزل العائلة ممسكاً بالعلم العراقي الذي كان مع ابنه والمخضب بدماء ابنه التي جفت».

في سورية، وعندما كنتُ أشاهد حي الخالدية في حمص، كنتُ أحسبُ أنني أشاهد مدينة برلين، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. ركامٌ من الأبنية، ومحلات هَوَت على بعضها. الموضوع أكبر من بنادق آلية، أو قاذف آر بي جي، إنها نِتاج صواريخ متوحشة، وأطراف تتقاتل وكأنها تغرس أنيابها في لحوم بعضها. هذا ما بيَّنته الصور.

وقبل أيام أيضاً، بُثَّ شريط فيديو، يظهر فيها نَفَرٌ من عديمي الرَّحمة، ممن يدَّعون الجهاد وحمل راية الإسلام، وهم يسكبون بنزيناً على ثلاثة شبان من الأكراد السوريين، وهم معصوبي العيون، ومُكبَّلِي الأيدي من الخلف، ثم يضرمون النار فيهم وهم يُكبِّرون، وكأنه هولوكوست جديد، بشكل وحشي قاسٍ لا يتخيَّله عقل ولا يتحمله قلب بشر.

أيُّ بشاعة وَصَلَت إليها هذه النفوس، التي يأبى القلم أن يُسمِّيها «نفوس إنسانية» حتى. فالصحيح، أن هذه النفوس، هي أدني من الحيوانية، والعدوانية والافتراسية لدى الحيوان، الذي تحكمه أعرافٌ خاصة في الهجوم وصيد فريسته، وهو في غابته وسراحه.

لذا، نظلم الذئاب والفهود، عندما نساويهم بهؤلاء! إنها مرحلة جديدة من البشاعة، التي وصَلَت إليها حياتنا. لذا، يجِد المرء صعوبة في وصفهم بالنثر أو الشعر، وباتَ لِزاماً أن تتدرَّب الأقلام، ويستعد القَرِيض لأن يقول ما لم يقله من قبل. فحالنا مُزرٍ ومهول، فلا حِكمة للعقل، ولا حكمة للقلب كما تمنى وجودها تشارلز ديكنز.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3990 - الجمعة 09 أغسطس 2013م الموافق 02 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 6:35 م

      مهاجر

      أحسنت أستاذ...

    • زائر 9 | 2:09 م

      المصلي

      هل قرأتم أخواني عن الخوارج الذين يمرقون من الدين كمروق السهم من القوس والذين يقرؤن القران لايصل تراقيهم كما قال فيهم مولانا أمير المؤمنين علي أبن ابي طالب عليه السلام فو الله هم هؤلاء 0 القوم أبناء القوم هم والله خوارج القرن الواحد والعشرون يقتلون النفس المحترمة والتي وضع الله تعالى لها مقاس اسمى من بيته الحرام حيث قال جلى وعلى في حديث قدسي أن حرمة دم المسلم عندي لهي أشد حرمة من هدم الكعبة المشرفة ولكن ما نقول في أناس كالأنعام لايفقهون من الدين الا تكفير المسلمين

    • زائر 6 | 6:15 ص

      ابو حسين

      يا استاذي الفاضل اكبر ابشع من البشاعة هو ثقافة الحقد زالكراهية على الاخرين لمجرد الاخلاف في الدين او المذهب فهولاء اصبحوا بهذة الثقافة لاينظرون الى المختلفون مهم كبشر ابد بل يستخفون بارواح الناس مع الاسف الشديد باسم الاسلام
      والدين والعقيدة الحقة لايمكن ان هذا هو السلف الصالح ابد بل الطالح البشع وكل
      الديانات والاعراف الاسلام وغيرها براء منهم واعمالهم

    • زائر 5 | 4:27 ص

      غريبة

      لا يجوز عندهم حبس هرة كي لا يدخلون النار لكن يجوز قطع عنق إنسان طمعا في الدخول إلى الجنة!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

    • زائر 7 زائر 5 | 7:23 ص

      اللبيب

      ذكرتني بهرة سماهيج بارك الله فيك

    • زائر 8 زائر 5 | 10:38 ص

      العراق وباكستان ومصر وأفغانستان

      ذكرتني بقتل الشيعة في العراق وباكستان ومصر وأفغانستان تقربا لله من أجل دخول الجنة

    • زائر 4 | 3:10 ص

      الصرامه ينفع احيانا

      لماذا لا يطبق قانون شر ع الله عليهم بقطع اعناقهم وايديهم سوف يقل اجرامهم لان الله امر بالقصاص

    • زائر 3 | 12:55 ص

      هذه الفئة الباغية والناكثة والقاسطة والخارجة عن الدين

      الفئة التي حذّر النبي الاكرم ص منها الأمة واخبر الامام علي ع بأنها ستحاربه(القاسطين والمارقين) وكما قال له ستحاربهم على التأويل كما حاربتهم انا (اي الرسول )على التنزيل تلك هي بقايا هؤلاء اصحاب الفكر الاخطر على الامة وعلى البشرية فهم لا يرون في حل الاختلافات التي التصفيات الدموية التي يخرجون من الحياة كل من خالفهم فكرا او عقيدة

    • زائر 2 | 9:53 م

      ستراوية

      قلوب كالحجارة او هي أقسى

اقرأ ايضاً