أكاديمي ومحلل على موقع «افريقيا حرة»، والمقال ينشر بالاتفاق مع «منبر الحرية».
تسعى حكومة بن كيران في المغرب للتحضير لإصدار سندات خارجية جديدة، والتي من المفترض أن تمكنها من الحصول على قرض يناهز حوالي مليار دولار. فما هي العبر التي نستخلصها علماً أن القروض تتضاعف منذ بداية السنة؟
المالية العامة في المغرب في حالة حرجة بعد عجز الميزانية الذي بلغ 7% عام 2012، ثم تضخم إذ في الربع الأول من هذا العام ازداد بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. إلى هذا ينضاف عجز قياسي في الميزان التجاري والذي يقارب 200 مليار درهم، واحتياطي من العملة الصعبة لا يغطي سوى أربعة أشهر تقريباً. وهو ما يعني أن الاقتصاد المغربي بحاجة ماسة إلى السيولة.
لسوء الحظ، الدولة لا تقدر على خلق الثروة، وهذا يجعل أمامها إمكانيتين فقط: إما الرفع من الضرائب أو الاستدانة. وبما أن الخيار الأول مستبعد بالنظر إلى لا شعبويته وثمنه السياسي، فإن حكومة بن كيران اتجهت نحو الاستدانة.
لكن هل بإمكان المغرب الاستدانة أكثر؟ أكيد أن النظر إلى كمية الديون وهيكلتها تجعلنا نميل للقول بأن أمامه هامش لذلك. فمع نهاية سنة 2012 بلغت المديونية العامة ما يقارب 57% من الناتج الداخلي الخام، أي أقل بقليل من العتبة المسموح بها (60 % ن.د.خ). علاوة على ذلك فإن معظم هذه الديون تتشكل من الديون الداخلية (حوالي 77 %)، وتواريخ استحقاق متوسطة وطويلة الأمد (أكثر من سنة). هذا يعني أن هناك مخاطر قليلة على المدى القصير بأن يكون المغرب عاجزاً عن السداد، خصوصاً وأن المغرب مازال يحظى بثقة الأسواق المالية الدولية. وكشاهد على ذلك حصوله على قرض دولي بقيمة 1,5 مليار دولار بنحو 5,5 % من سعر الفائدة. لكن هذا «النجاح» لا ينبغي أن يصرفنا عن الأخطار التي تحيق بالاقتصاد المغربي.
صحيح أن تأجيل مواعيد استحقاق الديون تخفض من خطر الإفلاس في المدى القصير، لكن لا تلغيه بشكل نهائي.
وصحيح أيضاً أن هيمنة الديون الداخلية على الديون الخارجية تقلص -على ما يبدو- من خطر التبعية للخارج، ولكن لهذا ثمنه ألا وهو التضييق أو المزاحمة على الاستثمارات الخاصة. إن لجوء الخزينة للاقتراض (46 مليار درهم في ثلاث أشهر الأولى من السنة، بزيادة 40% على أساس سنوي) من السوق الداخلية تقوم بتجفيف السيولة المتاحة للبنوك، وترفع تكلفة استئجار المال، وبالتالي خلق مشاكل التمويل للمقاولات.
إن تحليل ودراسة حجم الديون العمومية، يجب أن لا تنسينا الديون المضمونة (الديون المستحقة على المؤسسات العمومية والجماعات المحلية المضمونة من طرف الدولة) والتزامات صندوق التقاعد، والتي لو أخذت في الحسبان لتجاوزت الديون المغربية عتبة 60%. وإذا كان المغرب اليوم يقترض في ظروف مريحة بسبب الأزمة التي جعلت المستثمرين يسعون بشدة للبحث عن الاستثمارات المحفوفة بأقل المخاطر، فإن «حظ» اليوم يعود إلى كون المستثمرين يطبقون «استراتيجية الأقل سوءًا»، وإلا فإن الظروف سوف تكون أكثر صعوبةً بالنظر إلى تدهور المالية العامة المغربية، بالإضافة إلى الأزمة السياسية التي يتخبط فيها الآن.
من جانب آخر، يمكن لهذا «الحظ» أن يكون هدية ملغومة لأن المديونية أصبحت الملاذ الذي تلجأ إليه الحكومة، والوسيلة التي تمكنها بالكاد من تمويل العجز العمومي.
تغيرت على هذا النحو طبيعة العجز في المغرب، إذ كان خلال سنوات التسعينيات يفسر بضعف النمو، وفي سنوات 2000 أضحى بالأحرى نتيجة الانفجار في الإنفاق العام، وبالأساس صندوق المقاصة والرواتب. ومنذ سنة 2012 أصبح الحساب الجاري سلبياً، وهو أمر مقلق للغاية. وهذا يعني أن الإيرادات العادية لم تعد تغطي النفقات الأساسية. وفي العام 2012 لم تغطي العائدات (الضرائب) سوى 92% من النفقات الجارية (مقاصة، معدات، رواتب).
وإذا قارنا تطور النفقات الأساسية ما بين 2011 و2012 نخلص إلى أن تكاليف المقاصة هي التي ساهمت في الارتفاع، وهذا يعني أن جزءًا من هذه التكاليف قد يكون ممولاً بواسطة الديون: فتصير المديونية مستخدمة لتمويل الاستهلاك الذي يستجاب لحاجياته عن طريق الاستيراد. إنها المعضلة الثلاثية: زيادة في عجز الميزانية، تعميق العجز التجاري، وتدهور ميزان الأداءات واحتياطي العملة الصعبة، وهذا يهدد التصنيف الائتماني للمغرب.
لكن الخطر لا يقف عند هذا الحد، لأنه يجب أن نتذكر أن فائض الحساب الجاري لميزان الأداءات كان قبل 2007 يسمح بتسديد خدمة الديون، لكن أصبح عاجزاً عن ذلك ابتداء من 2008. واليوم مع العجز في الميزان الجاري الذي يقدر بحوالي 10% سنة 2012، إن جزءًا من تسديد الديون من المفترض أن يقتطع من مُدّخرات الدولة من العملة الأجنبية، وبما أن مستواها في تدنٍ مستمر يبقي الحل الوحيد هو الاستدانة من الخارج، أي الاستدانة من أجل أداء الديون. باختصار لا شيء تغير، البلد في خطر الدخول في دائرة مفرغة للاستدانة الخارجية، مع كل المخاطر بفقدان استقلالية القرار الوطني فيما يتعلق بالسيادة الاقتصادية.
لذلك وتماشياً مع مقتضيات الدستور الجديد الذي ينص على الشفافية وحسن التدبير للمالية العمومية، وكذا على المحاسبة، لم يعد بإمكان حكومة بن كيران تمرير قروض ترهن بها النمو الحاضر والمستقبل أيضاً، دون الكشف عن استعمالات الديون بكل شفافية. كما ولم يعد بمقدورها إبرام عقود استدانة جديدة دون البرهنة للشعب على القدرة على الوفاء بها. إن الدين في حد ذاته ليس مشكلاً، لكن استعمالاته هي الجديرة بالحيطة والحذر.
يجب التوقف عند استخدام الديون لتمويل الاستهلاك أو لتمويل مؤسسات عمومية فاشلة. ببساطةٍ ليس عادلاً تحميل الشباب وأجيال المستقبل ثمن عجز ولا كفاءة وعدم مسئولية البعض. يمكن أن تستخدم المديونية إذا لزم الأمر لتمويل الاستثمارات، وخصوصاً المدرة للدخل والمحدثة لفرص الشغل. وفي هذا الصدد على الحكومة أن تتخذ قرارات شجاعة وتشرع سريعاً في إصلاحات هيكلية، تشمل صندوق المقاصة، صناديق التقاعد، الضرائب، الوظيفة العمومية. إن غياب ذلك سيجعل الاستدانة التي يتم اللجوء إليها بشكل آلي استراتيجية تفتح الباب على المخاطر والمجهول.
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 3990 - الجمعة 09 أغسطس 2013م الموافق 02 شوال 1434هـ