منعت المعارضة الشديدة من جانب وفد الولايات المتحدة - وإلى حد كبير من قبل الدول الأوروبية أيضاً - الموافقة هذا العام على مشروع إعلان دولي لضمان حقوق الفلاحين والعاملين في المناطق الريفية، الذي تدعمه دول العالم النامي والذي طرح للنقاش في الاجتماع الأخير لمجلس حقوق الإنسان في جنيف.
ويهدف مشروع الإعلان هذا لحماية الفلاحين العاملين في الأرض والذين يعتمدون، قبل كل شيء، على العمالة الأسرية في الزراعة، وتربية الماشية، والرعي، والحرف اليدوية المتعلقة بالزراعة.
كذلك ينطبق مصطلح «الفلاحين» أيضاً على الفلاحين المعدمين في المناطق الريفية والذين يعملون في مختلف الأنشطة مثل صيد الأسماك، والحرف اليدوية للسوق المحلية، وتقديم الخدمات.
وإلى جانب حقوق الإنسان والحريات الأساسية للفلاحين، يعترف مشروع الإعلان المطروح بحقهم في الغذاء الصحي والملائم ثقافياً، والذي يتم إنتاجه من خلال الطرق السليمة والمستدامة بيئياً، فضلاً عن حقهم في تحديد نوعية طعامهم ونظم الزراعة الخاصة بهم.
كذلك يتمسك مشروع الإعلان بحقوق الفلاحين في الأرض، والانتفاع من الإصلاح الزراعي، وحقهم في تحديد أصناف البذور التي يريدون زرعها، ورفض أصناف النباتات التي يعتبرونها خطراً اقتصادياً وبيئياً وثقافياً، وكلها حقوق تتصادم مع مصالح شركات الأعمال الزراعية عبر الوطنية.
ومن جهته، صرح ممثل «المركز العالمي لأوروبا والعالم الثالث»، وهو منظمة غير حكومية مقرها في جنيف وتقف وراء مشروع الإعلان، مالك أوزدين، «كنا ندرك منذ البداية أن العملية ستكون صعبة لأن مواقف بعض الدول تصطدم مع أحكام معينة في هذا الإعلان».
وشرح، أن «الدول الصناعية المعارضة لمشروع الإعلان أرادت إزالة بعض العناصر الأساسية من النص، مثل بضعة إشارات إلى الأرض والاستيلاء على حقوق الملكية الفكرية وعلى التكنولوجيات الزراعية والمدخلات، وخاصة البذور».
وبدوره، صرح كريستوف غولي، من أكاديمية جنيف للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، بأن مشروع الإعلان يضمن الحقوق الفردية التي يمكن أن تمارس بشكل جماعي.
وأوضح «ولكن في حالة البذور والتنوع البيئي، ينص مشروع الإعلان على حقوق جديدة تماما». ومع ذلك، أشار غولي، أيضاً إلى بعض الثغرات في مشروع الإعلان، مثل عدم النص على الضمانات الاجتماعية للفلاحين وحمايتهم في مناطق النزاع.
وقد طرح العديد من الخبراء والأكاديميين ومندوبي منظمات الفلاحين في اجتماع فريق العمل المعني بمشروع الإعلان في جنيف، عدة تقارير ودراسات حول القضايا المهمة التي تتضمنها هذه المبادرة، وهي التي حظت بالتأييد الكامل من جانب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، أوليفييه دي شوتر، وسلفه في المنصب، جان زيغلر الذي مارس مهامه على مدى الفترة 2000 - 2008. لكن الولايات المتحدة أثارت اعتراضات قضائية، بحجة أن مجلس حقوق الإنسان وهيئاته الفرعية ليست هي المحفل المناسب لمناقشة العديد من القضايا التي يقترحها مشروع الإعلان.
وقال وفد الولايات المتحدة إن اللجنة الاستشارية للمجلس، والتي طرحت مبادرة حقوق الفلاحين لأول مرة، قد أشارت في كثير من الأحيان إلي منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في تقريرها. ولهذا السبب، ينبغي أن تطرح العديد من هذه المناقشات في إطار لجنة الأمن الغذائي العالمي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وفقاً للوفد الأميركي.
وتعذر الوفد الأميركي بأن «الدراسة النهائية للجنة الاستشارية، تقر بأن مشروع الإعلان ينص على حقوق جديدة... لكن العديد من هذه الحقوق الجديدة المقترحة ليست... حقوق إنسان».
وقال مندوب الولايات المتحدة إن «هذا يعني أنها ليست حقوقاً عالمية، يمتلكها ويتمتع بها الأفراد ويمكن لكل فرد أن يطالب حكومته بها».
وقال أيضاً إن مشروع الإعلان المقترح ينص على تحمل الفلاحين حقوق الإنسان الجماعية.
ثم أضاف «نعتقد أن الجهود الرامية إلى خلق حقوق إنسان لمجموعات بدلاً من أفراد... لا تتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان»، ومن ثم «أريد أن يكون واضحاً أننا لسنا مستعدين للتفاوض على مشروع إعلان بشأن حقوق الفلاحين».
وقد انتقد الاتحاد الأوروبي أيضاً إنشاء مجلس حقوق الإنسان للفريق العامل المعني بهذه القضية، قائلاً إنه لن يشارك في المفاوضات حول مثل مشروع الإعلان هذا، على الرغم من أنه ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية مناقشة التحسينات في ظروف الفلاحين... في محافل أخرى.
وعلى الرغم مما سبق، أوصت الدبلوماسية البوليفية رئيسة الفريق العامل الحكومي الدولي المكلف بصياغة الإعلان أنجيليكا نافارو، بالعودة للاجتماع لمناقشة هذه القضية في منتصف عام 2014، وذلك بعد إجراء مشاورات مع ممثلي الحكومات والمجتمع المدني والأمم المتحدة التي تروج للموافقة على الإعلان الدولي في إطار مجلس حقوق الإنسان.
ومن جانبها، أعلنت الدول النامية أنها ستواصل دعم مشروع الإعلان، وإن كانت قد أقرت بضرورة تعديل بعض النقاط من أجل التوصل إلى توافق في الآراء.
ويُشار إلى أن التقارير المقدمة في اجتماع جنيف المعني بهذه القضية، لم تذكر عدداً من الفلاحين في جميع أنحاء العالم. لكن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة قدرت في العام 2010 عدد الأشخاص العاملين في الزراعة بنحو 1.394 مليار فرد، منهم 1.357 مليار شخص في العالم النامي.
كما أفادت هذه المنظمة الأممية بأن نسبة الأهالي المكرسين للزراعة أخذت في الانخفاض بشكل مطرد منذ العام 1950، مقابل نمو نسبة الأشخاص المشاركين في الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
العدد 3990 - الجمعة 09 أغسطس 2013م الموافق 02 شوال 1434هـ