تعديل ميثاق الجامعة وإصلاح إداراتها وهياكلها وتوسيع صلاحياتها، سيظل غير كافٍ إن لم تصاحبها إرادة سياسية عربية مشتركة تنطلق من التزامات قومية صادقة، ومن تحرُّر من هيمنة القوى الاستعمارية وتوجيهاتها اليومية، ومن توقُّفٍ عن الاستخفاف بمطالب الشعوب الجديدة، وعلى رأسها الديمقراطية والعدالة.
تموج دنيا العرب حالياً بألف حدث وحدث. وهي أحداث ترسم بالفعل صورة مستقبل الأمة العربية. هناك الشعب العربي الذي يثور ويتحرك ليل نهار ويقدّم التضحيات والشهداء، بهذا يشهد العالم بإعجاب وانبهار.
أمَّا أنظمة الحكم فإنها بين متعنّت مصرٍّ على بقاء أوضاع الفساد والتسلُّط السابقة، وبين أنظمةٍ أفرزتها الثورات والحراكات، ولكنها ظلّت عاجزةً عن تحقيق أهداف وتطلعات الجماهير التي تملأ الشوارع والساحات.
هناك أيضاً القوى الدولية، منظمات ودول وتكتلات، تصول وتجول طول وعرض الوطن العربي لتحلّ إشكالاته أو لتتآمر عليه أو لتضيف حطباً للنيران المشتعلة في كل مكان. لكن أين الجامعة العربية؟
أينها مما يحدث يومياً ويتطور بسرعة هائلة؟ أين مساعيها الحميدة وتواجدها الدائم الذي يشعر به الجميع، وليس إطلالاتها الخجولة أو قبولها المحير بالانتظار حتى تدعوها هذه الجهة أو تلك لتلعب أدواراً هامشية متباعدة؟
الواقع أن طبيعة هذه الجامعة أصبحت محيّرة. فمنذ إنشائها في العام 1945 وهي غير قادرة على حسم التناقضات التي تتجاذبها: مسئوليات قومية ينصُّ ميثاقها عليها، سيطرة قطرية من هذه الدولة العربية أو تلك تتغيَّر بصعود هذا القطر أو بضعف ذاك، وتدخُّل واختراق من قبل قوى دولية هي الأخرى تتبدَّل بتبدّل الأزمنة.
هذه التجاذبات هي في الواقع تصارع إرادات، تحاول بعض منها الهيمنة على هذه المؤسسة العربية وحرفها عن مسئولياتها الأساسية التي نصَّ عليها ميثاق تأسيسها، وفصّلتها العديد من البروتوكولات والاتفاقيات التي وقّعت عبر مسيرتها الطويلة.
في حاضرنا، منذ تلاطم أمواج ثورات وحراكات الربيع العربي، تتجلًى ما فعلته تلك التناقضات والصراعات بالجامعة والتي أوصلتها إلى الحالة الباهتة العاجزة غير الفاعلة التي نراها أمامنا ونأسف لها.
وللحقيقة فإن ذلك ليس بمستغرب. إنه نتيجة منطقية لهوس أنظمة الحكم في جميع الأقطار العربية بما تعتبره سيادةً وطنيةً مقدَّسةً، لا يمكن التنازل عن ذرَّة منها حتى في سبيل المصالح العربية العليا أو سبيل خلاص الأمة. وقاد ذلك الهوس إلى رفض أو تمييع جميع مقترحات ومشاريع إصلاح الجامعة العربية سواء تلك التي قدَّمتها أمانة وقيادة الجامعة العربية نفسها، أو تلك التي قدَّمتها هذه الحكومة العربية أو تلك بين الحين والآخر.
ولقد استبشرنا خيراً منذ العام 2000 عندما قرَّرت العديد من القمم العربية الدخول في عملية إصلاح الجامعة العربية وإعادة هيكلتها وذلك من أجل إعدادها لتساهم بفاعلية في تطوير وتجويد العمل العربي المشترك. لكن ما إن تقدمت الأمانة العامة بمشروع شامل معقول لنقل الجامعة إلى مستوى القدرة والفاعلية والمبادرة حتى انهالت الاعتراضات والتعديلات والتحفظات من هذه الجهة أو تلك. ولسنا هنا بصدد الدخول في تفاصيل مشروع الجامعة العربية الكبير الذي بلغ حوالي مئة وتسعين صفحة، أو في تفاصيل العديد من المذكرات التي تقدمت بها بعض الدول العربية. لكن الواضح هو أن عملية الإصلاح قد تعثرت وأبقت الجامعة في عجزها التاريخي، وأن حليمة عادت إلى عاداتها القديمة من قولٍ كثير، وفعلٍ وتنفيذٍ حقيقي قليل.
هنا يجب التنبيه إلى أن تعديل ميثاق الجامعة وإصلاح إداراتها وهياكلها وتوسيع صلاحياتها، سيظل غير كافٍ إن لم تصاحبها إرادة سياسية عربية مشتركة تنطلق من التزامات قومية صادقة، ومن تحرُّر من هيمنة القوى الاستعمارية وتوجيهاتها اليومية، ومن توقُّفٍ عن الاستخفاف بمطالب الشعوب الجديدة، وعلى رأسها الديمقراطية والعدالة.
وجود هذه الإرادة هو الذي سيسهّل عملية الإصلاح، وغيابها هو الذي سيجعل من كل عملية إصلاح ترقيعاً ومكياجاً يخفي الترهُّل والعجز.
تلك الصورة البائسة تفسّر الدور البائس الذي تلعبه الجامعة في الساحات العربية المتلاطمة بالأحداث والحبلى بالإمكانيات الهائلة. يضاف إلى ذلك إصرار الأنظمة العربية على إبقاء الجامعة كمؤسسة ممثلة للحكومات، بما يتبع ذلك من تمثيل ضعيف هامشي للمجتمع المدني في الجامعة.
لعلّ أفضل توضيحٍ لما نقول هو غياب الجامعة المحيّر في الساحة العراقية، بينما يقف العراق كدولة على هاوية الدمار والموت والاختفاء من الخارطة العربية، أو الغياب المحيّر في ساحة مصر.
في مصر ما بعد تغيرات ثلاثين يونيو، تأتي الوفود الدولية والإقليمية تباعاً لتعرض خدماتها في المساعدة على لمّ الشمل وإيجاد المخارج المرحلية على الأقل، بينما تظلّ الجامعة في انزواء غير مفهوم وغير منطقي.
هذان مثلان فقط، إذ لاشكّ أن هناك حاجةً لتواجد الجامعة في ليبيا واليمن وسورية والسودان، والعديد من ساحات دول مجلس التعاون والأردن، بل كل أقطار الوطن العربي، لكن تواجد الجامعة إمّا معدوم أو ضعيف مهمَّش.
إذا كانت هذه الأحداث التاريخية الهائلة الكبرى لا تؤدي إلى تفجير طاقات الجامعة ولا إلى لعبها دوراً إبداعياً مساعداً، ولا إلى رفض ترك الساحة للقوى غير العربية لتلعب أدوارها المشبوهة والخطرة... إذا كان كل ذلك يحدث ونرى الوفود تأتي وتذهب، ونسمع التصريحات من كل أرجاء المعمورة، لكن لا نرى ولا نسمع عن وجود حقيقي فاعل بنّاء للجامعة لمنع الانهيارات والانقسامات والتصدي للدور الصهيوني – الأميركي المتناغم، فإنّه يحق لنا أن نطرح السؤال: أين الجامعة العربية من الربيع العربي؟
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3989 - الخميس 08 أغسطس 2013م الموافق 01 شوال 1434هـ
هدر للأموال
انتهت أهمية و فعالية جامعة الدول العربية منذ أكثر من ربع قرن لأن الأهداف التي كانت سبباً لقيامها وإنشائها لم تعد قائمة أو صالحة لهذا الزمن وحتى التركيبة السكانية للدول الأعضاء لم تعد كما كانت ..لقد تغير الزمن وكذلك متطلبات تسير وإدارة هذه الدول ..فالعالم يفقد تدريجياً سماته وإبعاده القديمة المتخلفة ويزداد تداخلاً وارتباطاً ..حتى الدولة الوطنية لم تعد قادرة على مواجهة تيار العولمة الاقتصادي والثقافي والعلمي والسكاني ..فالجامعة ليست إلا مؤسسة لهدر الأموال وتضيعها س,دلمن
هي الآن جامعة عبرية وليست بعربيه
حينما تمثل الشعوب بإرادات مستلبه فهي لا تمثلها....تحولت هذه الجامعة المفرقة إلى جهاز ذليل في تلبية مطالب اعداء الأوطان في تشتيته وتفريقه وإضعافه.....الم تكن هي اول المساندين لتصفية القضية الفلسطينية حين تبنت التفاوض لجعل فلسطين دولة يهودية يكون فيها الفلسطينيين غرباء في ديارهم؟.....الم تكن هي اول من تخادن على سوريا المقاومة لتدميرها؟....لا نتوقع منها الخير لشعوبنا،لأنها نتاج لتخدير الشعوب والعمل ضده.
كم انت جميل وواعي
دكتور علي مقالك اعجبني كثيرا خاصه وانه يتناول اهم جامعة تعنى بشأن العربي ، وقد وفييت في هذا الطرح ، نعم منذ زمن والكل يريد اصلاح هذا الجمعة لتقوم بالدور الذي انشأت من اججله ولكن للاسف لا حياة لميت ! لقد ماتت دخلت الانعاش وماتت هذه الجامعة ، فالف تحية لك يا دكتور على هذا الطرح ، ابقاك الله نصير وعون للمظلومين والمطهدين ، لقد حفرت لك اسم لا يمكن لهذا الجيل ان ينساه ولا للجيال القادمة ، فهنئا للبحرين لمفكر يحمل هم الامة نعم يحمل هم هذه الامة التي سلبت ارادتها وقوميتها وعروبتها ، مرة شكرا لك يا دكتو
الجامعة العربية ليست المشكلة
الصف المدرسي الذي يتركز فيه كل الطلاب الفاشلين لا يمكن ان نتوقع منه أن ينافس إلا على قائمة الفاشلين ، المشكلة ليست في الصف بل في طلاب الصف.
حال الجامعة العربية....
الجامعة العربية تكره الربيع العربي
فهي