الحزن الفائض لا يترك للأعياد متر حركة. الفواجع تغيّب الأعياد وتواريها. تعبر حياة البشر من دون التعرُّف على ملامحها. للأعياد ملامح تُرى من بُعْد؛ حين تكون النَفْس مستقرّة ومطمئنّة لا يحاصرها عنَت أو جوْر أو ظلم؛ بات واحداً من الأعراف في دنيا العرب اليوم.
***
لا أحد يذهب إلى الحزن ترفاً. الحزن ليس ترفاً أساساً. الحزن ضِيق في السَعَة، وانغلاق في مدى، وسواد في بياض ونور. لا أحد سينحاز للأُوَل من أولئك. سينحاز إلى ترَفَه المتزن، وسعته التي ليست على حساب التضييق على الآخرين، ومداه الذي يشترك فيه مع من حوله؛ إذ لا مدى يحظى به يمكن أن يُحترم على حساب خناق وتضييق يطال آخرين، وبياضه ونوره الذي لا يمكن أن يكون في معزل عمّن هو على تماس معهم في تفاصيل حياته ووجوده؛ وإن اختلف معهم حتى في الغالب من المشتركات.
***
الأعياد في دنيا الناس أن يطمئنوا في سفر وحضَر. في بيوتهم والعراء. في ارتياد الحدائق العامة وحتى جلسات الاستجواب. الاستجواب للتقصي والاستفهام؛ لا استجواب أخذ الناس رهائن ليدخلوا في مكنة التلفيق والفبركة وتعريفهم بالموت كي يُقرّوا بما لم يروا ويسمعوا ويرتكبوا؛ ومن ثمّ أخذ أرواحهم!
***
لن تشعر بِعِيدٍ في العدم. العيد حراك نفوس وأرواح ومشاعر وعواطف. العيد استقبالك للبشارات؛ وأنت تعرف ملامحها ومزاجها. العيد قدرة أيضاً على التماهي مع الحياة من حيث هي بعناوينها ومضامينها وقدرتها على انتشالك من البؤس إلى النعيم الذي ترتضيه؛ مهما كان بسيطاً ومتواضعاً؛ وانتشالك من كونك حيازة لأحدهم إلى انطلاقك في فضاءات الله، حراً عزيزاً لا يمْسسْك سوء الوصايات، ولا خديعة الأبوّة، الأبوّة التي نشهد، بكل مراراتها وسخافاتها ووصاياتها الفادحة، والحرمان من الفطام ولو بلغت من العمر عتيّاً!
***
يوم الزينة هو العيد. يوم تفجع القلوب من الفقد، والتماس ثياب الحداد أمر آخر. لا زينة في حداد وأسى فقْد.
كلما اقتربت الأعياد؛ وبالتجربة، تكون القلوب واجفة؛ تحسُّباً لفقد آخر.
تحسّباً لاختطاف أرواح واللهو بمصائرها، ودفعها دفعاً إلى حيث يتوهّم القاتل أنه قرّر ذلك.
الحياة تظل موبوءة بهكذا بشر يحيلون أعياد الناس إلى جنائز. أخجل واللغة معي تشعر بالخجل نفسه من تصنيفهم كبشر. البشر الحقيقيون تظل حاسّة الضمير لديهم كنار القرى التي يمكن رؤيتها عن بعد فراسخ. يضيئون به ويضيئون الطرق المؤدية والدّالة عليه.
***
في أوطان جُبلتْ على إهراق الدم وحتى الاستهزاء بذلك الشنيع من الفعل، وفي أحسن الأحوال تجد فيه سلوتها وحقيقة وجود نفر منها؛ يخاف كثيرون من الأعياد؛ وخصوصاً حين تتكرّر الفواجع في زمن من حق الناس فيه أن يلوذوا بفرح نادر وشحيح. يستبق الدم عيد الناس. يستبق العيد التحضير للجنازات في أوطان إلى الآن لم تصلها شفرة الخجل بدعارة الحديث عن التفرُّد فيما تصنع من قيم للإنسان واحترام لإرادته وحقوقه! في وفرة القتل والانتهاكات والاستباحات.
في أوطان تستورد الذين لا دم في عروقهم ولا كرامة ولا شرف ولا يقين وجود ولا أثر من ضمير لممارسة القتل باسم الأوطان التي تستوردهم؛ وحين يذهبون إلى مصيرهم يتم تصنيفهم باعتبارهم شهداء؛ فيما طوابير من الذين سُحلوا وفُرموا وعربدت آلة القمع على أجسادهم، خَوَنة وقتلة، ويتم اقتحام ومداهمة منازلهم بحثاً عنهم لتنفيذ أمر قضائي.
ليست نكتة اقتحام بيوت الشهداء بحثاً عنهم! تكرّر ذلك لمرّات!
***
لا أعياد في ظلّ من عِيدُه العنصرية والاستهداف وفبْركة استهدافه. لا عيد حين تتوقع مزيداً من الموت والنعي. لا عيد في ظل هذا العبث المفتوح على العبث. لا شيء يطل أو يدل على عقل في هذه الملهاة. لا عيد في الملهاة السوداء بالمناسبة.
كل ما يمكنك أن تعاينه وترصده، هو استهدافك؛ لأنك لا تريد أن تكون طبْلاً أو عبداً أو شيئاً كبقية الأشياء التي سُخّرت للاستهلاك. لو بَصَمْتَ على كونك شيئاً لما عانيت كل هذه المرارات والجبال من المآسي؛ لكنك في نهاية المطاف تظل شيئاً، والشيء لا يعنيه من قريب أو بعيد عيد أو مذبحة، الاثنان سيّان عنده.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3988 - الأربعاء 07 أغسطس 2013م الموافق 29 رمضان 1434هـ
ابداع في وصف الواقع
نعم هذا هو حال ابن البلد الذي يقمع و يقتل وتسبى نسائه وتنتهك أعراضه و يخون و تسحب جنسيته، فقط لأنه لم يرضى بالمستوردين من أن يمسوا كرامته.
كل عام وانتم بخير
لنصلي يوم العيد وندعوا العلي القدير ان يمن الله علبنا الاستقرار والفرج والبعد عن المعاصي والصبر في المحن وان يرفع الله الهم والغم عن بيوت المهمومين والمحرومين
بارك الله فيك
مقال جميل ومؤثر وينطبق على واقعنا مائة بالمائة..
رأي
الظاهر الكاتب يقصد سوريا، يا اخي حرام عليك عيد الفطر من أعياد المسلمين وانت تتكلم على أنه ليس عيب الا تخشى الله
انا اجيبك
يبدوا انك كما اشار الكاتب من الطبول او العبيد او السلع المستهلكة ،كل ما ذكره الكاتل لبلد انت تعرفه وكلنا نعرفه لارعيد في اللملهاة السوداء
سوريا انتم اللي دمرتوها
انتم من دمر سوريا بتصدير الوحوش الشريرة اليها