أراد الإيرانيون، وهم يتهيأون لتنصيب رئيس جديد، أن يقولوا شيئاً مُحدداً للغربيين. اختاروا مِنْ جَمْر السياسة أجمرها. إنها «إسرائيل». ففي مراسم إحياء يوم القدس العالمي في طهران قال الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني (نقلاً عن وكالة أنباء الطلبة) بأن «النظام الصهيوني جرح في جسد العالم الإسلامي منذ سنوات ويجب محوه».
بعد بُرهَة قليلة، صحَّحَت الوكالةُ النبأ حيث قالت في تقرير مسائي لها الجمعة ما يلي: «نقلت وكالات أنباء محلية بينها وكالة الطلبة في وقت سابق عن السيد روحاني قوله إن النظام الصهيوني جرح في جسد العالم الإسلامي تنبغي إزالته وهذا تم تصحيحه». ثم نشرت قناة «برس» مقتطفات من حديث بين روحاني وصحافيين خلال مشاركة الأول في مسيرات يوم القدس في طهران، لم يذكر فيه لفظة «يجب محوه» ولا إلى أي كلمة مثيلة.
من مِخْرَزِ هذا التعديل والاستدراك يكمن التحبُّك. كأنهم يقولون: نحن لم نقل مثلما كان الآخرون (ولازالوا) يقولون في طهران: غدَّة سَرَطانية تجب إزالتها/ محوها. أو كما تحدث أحمدي نجاد في اليوم ذاته الذي تحدّث فيه روحاني، بأنه يجب «بحث ظروف وجود الكيان الصهيوني عبر التاريخ». إذاً أرادت طهران أن تقول بأن رئيسها الجديد يختلف في الخطاب، وفي المزاج السياسي، وحتى في النوايا.
بالتأكيد، لا يستطيع روحاني (كرئيس للجمهورية) أن يُغيِّر سياسة إيران بقضِّها وقضيضها عما كانت عليه، دون أن يكون هناك قرارات أخرى من مراكز إيرانية نافذة في الحكم. لذا، فإن هذا الموقف قد اتخِذ. وربما تكتمل الخطوة الإيرانية هذه بإيجاد هزات ارتدادية مقصودة، وذلك لتعزيز الخطاب الجديد، والمزاج الجديد والخطاب الجديد إن وُجِد.
هذا الموقف الإيراني يأتي في ظل أوضاع متبدلة في المنطقة. فالسلوك الإيراني اليوم، الذي سيتصدره روحاني في السنوات الأربع القادمة، ومن خلفه هاشمي رفسنجاني، أصبح مرتبطاً بشكل وثيق، بموضِع إيران في الإقليم والعالم، في ظل المتغيرات على موازين القوى، وبالتحديد، في الملف السوري واللبناني، والعراقي والتسوية في أفغانستان، والأهم فيما يتعلق بالملف النووي لإيران، سنأتي عليها واحداً بعد الآخر.
لكن وقبل ذلك، يجب أن نشير، إلى أنه ربما كانت أوضاع الإيرانيين ولغاية مارس الماضي صعبةً جداً، بعد انكفاء حكم الأسد، وتراجع نفوذ حزب الله، ومصالحة فتح – حماس. لكن معركة القصير وتقدّم قوات الأسد، وانهيار حكم الأخوان في مصر، وتضرّر مشاريع الإسلام السياسي في المنطقة، وتغيُّر التحالفات القائمة، ما بين أغلب دول الخليج العربية وتركيا، وإحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مرةً أخرى، وغيرها من المعادلات، قد أعاد الثقة للإيرانيين ثانيةً كي يلعبوا دوراً آخر، تزامن ذلك مع فوز شخص يُوسَم بالاعتدال في إيران، ولديه علاقات جيدة بالغرب.
في سورية بات الوضع متغيِّراً منذ ثلاثة أشهر. فقوات الأسد أصبحت تتوسع على خط حمص وحماة وإدلب وطرطوس واللاذقية، فضلاً عن العاصمة دمشق (بأريافها) وربط ذلك الخط الجغرافي إلى حيث بقاع لبنان، في حين بقِيت الأراضي السورية القريبة من العراق والأردن وتركيا بيد المعارضة المسلحة بأطيافها، أو عند الأكراد. ولو لم تكن إيران داعمةً للأسد عسكرياً واقتصادياً، لما استطاع البقاء أكثر في هذه المعركة الحامية.
في لبنان، لم يعد حزب الله لاعباً داخلياً فقط، فقد امتدَّ نفوذه العسكري إلى عُمق الأراضي السورية، ليس في القصير فقط، بل إلى «حيث تقتضي المصلحة» كما يُروِّج الحزب منذ فترة. هذا الأمر بيَّن أن لبنان غير قادر عبر دولته على فِعل شيء لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الحرب، وأصبحت اليد الطولى هي لحزب الله في لبنان وخارج لبنان. وبين كل تلك التفاصيل والأزقة، نستطيع أن نرى إيران جيداً.
في العراق، هناك انفلاتٌ أمني خطير، ظَهَرَت ملامحه في التفجيرات العنيفة التي ضرَبَت محافظات عديدة، ثم الهجوم على سِجنَي التاجي وأبو غريب، وهروب 500 سجين من قيادات القاعدة. فضلاً عن الترتيبات الجارية في كردستان «سياسياً» وكذلك تأثيرات التسوية الكردية في تركيا على شمال العراق، والنفوذ الروسي «النفطي» المتعاظم هناك. والإيرانيون، لديهم علاقات مزدوجة بين كل تلك الأطراف، بل ونفوذ وازن عليها جميعاً.
في أفغانستان، هناك نيَّة أميركية واضحة للانسحاب من ذلك البلد في العام 2014، وذلك بسبب عجز الإدارة الأميركية وحلف شمال الأطلسي عن وضع معالجةٍ للحالة الأمنية المتدهورة، والتسوية مع حركة طالبان، التي أظهرت الوقائع أن لديها خطوط اتصال رفيعة بالإيرانيين، رغم التناقضات «العقائدية» التي تحكم علاقتهما «افتراضاً».
في الملف النووي الإيراني، فإن روحاني لم يُبدِ كبير تغيير فيه، لأنه وباختصار، لا يملك التأثير الواسع فيه، لكن تاريخه في المفاوضات يُشجع الغرب على طرح أفكار جديدة، كون الرجل قاد فريق التفاوض الأقل حِدَّة مع الغرب. وقبل أيام، قال السفير الفرنسي السابق لدى إيران فرنسوا نيكولو في مقال له بـ «انترنشنال هيرالد تريبيون» أن «روحاني هو الذي أوقف محاولات بلاده لصنع قنبلة نووية».
هذه الملفات هي التي تضعها إيران ويضعها الغرب أيضاً على الطاولة. وهما قد يسيران على خطى تفاهم بشأنها، مع أنها محكومة بالظروف. داخلياً، قال المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي خلال حفل استقبال للرئيس المنتهية ولايته «إنني لم أمانع في إجراء محادثات معها (الولايات المتحدة الأميركية) حول مسائل خاصة، مثل العراق، خلال السنوات الماضية». وهو تصريحٌ لافتٌ جداً، رغم ما حُشِيَ فيه من حديث.
الغربيون وفي طليعتهم الأميركيون، فعلوا ذات الأمر. فهم ما فتِئوا يُطلقون تصريحات «إيجابية» بشأن روحاني ونهجه الجديد، وبمستويات سياسية عدة رغم المناكفات الجارية بينهما في مسألة العقوبات، بالضبط كما يفعلون مع الصينيين.
هذا هو المشهد اليوم بين طهران والغرب. فهل سيكون جولة ضمن جولات، أم أنه سيكون الحاسم لها؟
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3985 - الأحد 04 أغسطس 2013م الموافق 26 رمضان 1434هـ
أمنيات متكررة..................
سعادة الكاتب : ما دمت خبيرا في شؤون جمهورية إيران الإسلامية ،، فهلا أكملت مقالك وأخبرتنا عن هواجسك في علاقة الجمهورية مع بلادنا. أتمنى أن تتطرق قليلا للواقع المرير الذي نعيشه بدل أن تنبش مرارات الآخرين.
لم يرض الفلسطينيون بالتقسيم
الفلسطينيون منقسمين لتيارين كباقي العالم العربي، تيار الاعتدال وتيار المقاومة. و من الطبيعي أن دول المقاومة وعلى رأسها أيران تدعم التيار القريب منها.
استراتيجية دول المقاومة (وهو حلف فعلي لا اعلامي) لا تعتمد على تصريحات محمود عباس وأمثاله بل على سياسات ومصالح بنيت إلى درجة معينة على مبادئ تصلح للعمل الاستراتيجي في منطقتنا.
إذا أردت أن ترى أين البضاعة الكاسدة أليك كل من حرض ومول المعارضة في سوريا على خلفية طائفية وقد فشلوا فشلا ذريعا
بضاعة كاسدة وليست مبادئ ياسادة
ضيع الايرانيون فرصا كثيرة بسبب هذه المبادئ وهي ليست مبادئ بقدر ما هي بضاعة كاسدة! اذا كان الفلسطينيون قد رضوا بالتقسيم والمفاوضات والصلح فهل نريد ان نكون فلسطينين اكثر منهم؟!
رب ارجعوني..........................................................
لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه. ..هكذا علمنا الإسلام أن نكون أعزاء رغم خذلان الآخرين. . فنأخذ حقنا ونعيش إسلامنا الحقيقي الذي لا يرضى للمسلمين ذلا وخنوعا وخضوعا و(نعوجا)
اولا واخيرا
هناك مبادئ ثابته ولكل قرار خطير ومهم يطبخ بدقه لمصلحتهم ولمصلحة المسلمين ونتمنى لايران الاستقرار والازدهار ولكل المسلمين