العدد 3983 - الجمعة 02 أغسطس 2013م الموافق 24 رمضان 1434هـ

إنغمار بيرغمان المخرج الأكثر تأثيراً...ناقش الجدليات الدينية واهتم بالحسيات

ست سنوات منذ رحيله في يوليو

صادفت يوم الثلثاء الماضي (30 يوليو/ تموز 2013) الذكرى السادسة لوفاة المخرج السويدي الشهير انغمار بيرغمان الذي رحل عن عمر ناهز تسعة وثمانين عاماً.

ويعد بيرغمان واحداً من أهم مخرجي الأفلام السينمائية وأكثرهم تأثيراً وإنجازاً على امتداد تاريخ السينما العالمية، وصفه الفنان الأميركي وودي ألين بأنه «قد يعد الفنان الأعظم في كل مجالات الفنون، منذ اختراع كاميرا تصوير الأفلام».

أطلق على نفسه اسم «الساحر»، وقال إن أعماله تناقش قضايا فكرية شائكة لكنها في الوقت ذاته تلعب على حواس المشاهدين وتلامس مشاعرهم.

أخرج بيرغمان ما يزيد على ستين فيلماً وبرنامجاً وثائقيّاً للسينما والتليفزيون، أضف إلى ما يزيد على 170 عملاً مسرحيّاً. معظم هذه الأعمال كان كتبها بنفسه. ناقشت أعماله قضايا جدلية عديدة مثل الموت والمرض والإيمان والخيانة والكآبة والجنون.

ولد المخرج والكاتب ومنتج الأفلام السويدي ايرنست انغمار بيرغمان في منطقة أبسالا بالسويد بتاريخ (14 يوليو1918). نشأ في وسط متدين، إذ كان والده قس «لوثري» ووزير لملك السويد، فيما عملت والدته ممرضة. كان والده وزيراً محافظاً وأباً صارماً وقسّاً متديناً، ربى أبناءه في بيئة تمتلئ بالصور الدينية وتضج بمناقشات لقضايا دينية مختلفة.

صرامة الأب عرضت إنغمار في طفولته للحبس مراراً في غرفة مظلمة جراء ارتكابه «مخالفات» مثل تبليل سريره أثناء النوم. ولذلك ففي الوقت الذي كان الأب يبشر الناس على المنبر لتصلي الجموع وتغني معه، كان انغمار منهمكاً في تكوين عالمه الضوئي الخاص الأول عبر كتابة سيرته الذاتية «الفانوس السحري» Laterna Magica، وفيها كتب:

«كرست اهتمامي بعالم الكنيسة الغامض الذي يمتلئ بالأقواس المنخفضة، والجدران السميكة، ورائحة الخلود، وأشعة الشمس الملونة التي ترتعش فوق أغرب لوحات القرون الوسطى والشخوص المنحوتة على السقوف والجدران. كان هناك كل شيء يرغب فيه الخيال، الملائكة، والقديسون، والتنينات، والأنبياء، والشياطين، والبشر».

وعلى رغم ذلك، صرح بيرغمان في وقت لاحق بأنه فقد إيمانه في سن الثامنة، وأنه لم يستوعب هذه الحقيقة إلا حينما صور فيلم «ضوء الشتاء».

حصل بيرغمان على فانوسه السحري في سن التاسعة حينما قايضه بمجموعة من جنود القصدير. هذا الفانوس غيَّر مجرى حياته وجعله يصنع لنفسه عالماً خاصّاً، صمم مشاهد خاصة له، ووضع به دمى أعطى لكل منها دوراً في مسرحية سترنبيرغ، ثم أضاف لمشاهده مؤثرات ضوئية، وقام بعد ذلك بأداء صوتي لكل الأدوار.

هنا بدأت أولى بوادر اهتمامه بالمسرح والسينما في وقت مبكر، بعد ذلك بسنوات سافر إلى ألمانيا لقضاء عطلة الصيف مع عائلة صديقة. كان ذلك في العام 1934، وكان هو في عمر السادسة عشرة. يومها حضر أحد التجمعات الحاشدة للنازيين في ويمر، ورأى أدولف هتلر.

عاد بعد ذلك ليكتب سيرته الذاتية «الفانوس السحري» وتحدث عن زيارته لألمانيا، واصفاً صور هتلر التي علقتها الأسرة المضيفة فوق سريره. قال إنه لسنوات عدة، كان إلى جانب هتلر، وكان يسر بانتصاراته ويحزن لهزائمه.

في العام 1937 التحق بكلية ستوكهولم الجامعية لدراسة الفنون والأداب. قضى معظم أوقاته في الجامعة منشغلاً بمسرح الطلبة وأصبح مدمناً على مشاهدة الأفلام. وعلى رغم أنه لم يتخرج في الجامعة، فقد كتب عدداً من المسرحيات، إلى جانب أعمال الأوبرا، وأصبح مُخرجاً مساعداً في المسرح. في العام 1942 سنحت له الفرصة لإخراج نص من كتابته، وكان ذلك نص «موت كاسبر». شاهد المسرحية أعضاء من شركة سفينسك فيلمندستري السويدية لإنتاج الأفلام فعرضوا عليه العمل معهم في كتابة النصوص.

عمله في مجال الأفلام

بدأ بيرغمان عمله في مجال الأفلام العام 1941 مع نصوص أعاد كتابتها، لكن أول إنجاز كبير له كان في العام 1944 عندما كتب سيناريو فيلم «العذاب/ الهيجان»، وهو فيلم أخرجه ألف سوبيرغ. وإلى جانب كتابته لسيناريو الفيلم، عمل انغمار مخرجاً مساعداً للفيلم. في ثاني أعمال السيرة الذاتية التي كتبها «صور: حياتي في فيلم» وصف انغمار تصوير المشاهد الخارجية للفيلم كأول تجربة إخراجية فعلية له. النجاح العالمي الذي حققه الفيلم أدى إلى حصوله على أول فرصة للإخراج بعد عام من ذلك. خلال السنوات العشر اللاحقة، كتب وأخرج أكثر من عشرة أفلام، منها «سجن الشيطان» 1949 و»الليل العاري» و»الصيف مع مونيكا» وكلاهما عرضا العام 1953.

حقق أول نجاح عالمي مع فيلم «ابتسامات ليلة صيف» في العام 1955. فاز الفيلم بجائزة «أفضل فكاهة شعرية» ورشح للفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان في العام التالي. وأعقب ذلك فيلم «الختم السابع» و»الفراولة البرية» اللذان عرضا بفارق عشرة أشهر في السويد في العام 1957. فاز «الختم السابع» بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان، ورشح للفوز بالسعفة الذهبية في المهرجان نفسه، أما «الفراولة البرية» فحصل على العديد من الجوائز لبيرغمان ولبطل الفيلم فيكتور سيوستروم. لعقدين لاحقين واصل بيرغمان العمل في مجال إنتاج الأفلام.

معظم أفلامه صورت في جزيرة فارو السويدية التي أمضى جزءاً كبيراً من حياته فيها منذ انتقاله إليها في مطلع الستينات.

في مطلع الستينات أخرج ثلاثة أفلام ناقش فيها الإيمان بالله والشك وهي «عبر زجاج معتم»، «ضوء الشتاء» 1962، والصمت 1963. حينها وجد النقاد أن الموضوعات المشتركة في هذه الأفلام الثلاثة تمثل ثلاثية سينمائية. لم يخطط بيرغمان لأن يصنع ثلاثية وأشار بداية إلى أنه لا يجد أي أمور مشتركه بين الأفلام الثلاثة، لكنه في وقت لاحق تبنى فكرة النقاد.

في العام 1966، أخرج فيلم Persona، وهو فيلم تجريبي صادم، اعتبره هو نفسه واحداً من أهم أعماله. فاز الفيلم بجوائز قليلة، إلا إن كثيرين ينظرون إليه على أنه رائعة إنغمار. وتشمل قائمة أفلامه البارزة الأخرى في تلك الفترة «ربيع العذراء» 1960، ساعة الذئب 1968، العار 1968، و»العاطفة/ آلام آنا» 1969.

بعد اعتقاله في العام 1976 بتهمة التهرب الضريبي، أقسم بيرغمان بأنه لن ينتج أفلاماً في السويد، فأقفل الاستوديو الذي يملكه في جزيرة فارو واختار أن ينفي نفسه. جرب العمل في أميركا فقدم فيلم «بيض الثعبان» (1977) وكان انتاجاً ألمانيّاً أميركيّاً وهو ثاني فيلم ناطق باللغة الانجليزية لبيرغمان (أولها فيلم «اللمسة» في العام 1971). بعد عام تبعه فيلم «سوناتا الخريف» (1978) وهو إنتاج بريطاني نرويجي مشترك بطولة انغريد بيرغمان. بعدها جاء فيلم «من حياة الدُّمى المتحركة» (1980)، وهو إنتاج بريطاني ألماني مشترك.

في العام 1982، عاد مؤقتا إلى وطنه ليخرج فيلم «فاني والكسندر»، وصرح بأنه سيكون الأخير له، وأنه بعد ذلك سيركز على الإخراج المسرحي.

ومنذ ذلك الحين، كتب العديد من سيناريوهات الأفلام وأخرج عدداً من البرامج التلفزيونية الخاصة. أنتج الكثير من الأعمال للتلفزيون السويدي أبرزها «مشاهد من زواج» 1973، و»الناي السحري» 1975، وآخرها «ساراباند» (2003)، وهو تتمة لعمل «مشاهد من زواج». وأخرجه بيرغمان عندما كان في الرابعة والثمانين من عمره.

من بين الممثلين الذين عملوا معه هاريت اندرسون، ليف اولمان، غونر بيونستراند، بيبي اندرسون، ايرلاند جوزيفسون، انغريد ثولين، ماكس فون سيداو.

تقنية بيرغمان

عادة ما يكتب بيرغمان سيناريو أفلامه، يفكر فيها لشهور وربما لسنوات قبل أن يبدأ الكتابة الفعلية، وهو الأمر الذي كان يجده مملاً. أعماله الأولى كانت مكتوبة بشكل متقن؛ لأنها كانت إما مبنية على مسرحياته، أو مكتوبة بالتعاون مع آخرين. في أعماله اللاحقة كان يسمح لممثليه إضافة ما يشاؤون وكان يؤكد أن نتائج عدم السماح لهم بذلك تكون في الأغلب «كارثية».

عبر السنوات، أخذ يسمح لممثليه ارتجال حواراتهم بشكل أكبر. في أفلامه الأخيرة كتب أفكاراً فقط يشرح فيها المشهد وسمح لممثليه تحديد الحوارات المناسبة. أثناء المونتاج كان بيرغمان يتحول إلى ناقد لأعماله لكن بشكل غير انفعالي، مشيراً إلى أنه لا يسأل نفسه إن كان العمل جيداً أم سيئاً وإنما إن كان كافياً أو أنه بحاجة إلى إعادة تصوير.

موضوعات أعماله

تطرح أفلام بيرغمان عادة أسئلة وجودية حول الموت، والشعور بالوحدة، والإيمان الديني. وفي حين تبدو هذه الموضوعات شديدة العمق، فقد وجدت الرغبة الجنسية طريقها إلى مقدمات معظم أفلامه، سواء في فيلم «الختم السابع» الذي تدور أحداثه في القرون الوسطى، أو من خلال يوميات عائلة ثرية تعيش في مطلع القرن العشرين كما في فيلم «فاني وألكسندر»، أو مناقشاً قضايا الاغتراب المعاصرة كما في فيلم «الصمت».

شخصياته النسائية عادة مَّا تكون أكثر فهماً لرغباتها الجنسية من الرجال، كما أنهن لا يخشين أن يظهرن هذه الرغبات أحياناً بطريقة علنية كما في فيلم «صرخات وهمسات».

وفي مقابلة مع مجلة «بلاي بوي» نشرت العام 1964، قال «ان تصوير الجنس مهم جدّاً بالنسبة لي. أنا لا أريد أن أصنع أفلاماً فكرية فقط. أريد أن يشعر الجمهور بأفلامي. هذا بالنسبة لي أهم من فهمهم لها». الفيلم، الفيلم في نهاية الأمر وكما يصفه بيرغمان «عشيقة متطلبة».

عندما سئل عن أفلامه، قال إنه يعتبر «ضوء الشتاء» و»بيرسونا» و»صرخات وهمسات» الأفضل بالنسبة له، لكنه في مقابلة أجريت معه العام 2004، قال إنه أصيب بالاكتئاب بسبب أفلامه، وأشار إلى أنه لا يستطيع أن يشاهدها.

عمله في المسرح

بالرغم من أن بيرغمان اشتهر بأعماله السينمائية، فإنه طوال حياته كان مخرجاً مسرحيّاً نشطاً. خلال فترة دراسته في جامعة ستوكهولهم، أصبح ناشطاً في المسرح المدرسي، حيث صنع لنفسه اسماً في وقت مبكر. أعماله الأولى بعد التخرج عمل فيها كمخرج متدرب في مسرح ستوكهولهم. في السادسة والعشرين من عمره، أصبح أصغر مدير مسرح في أوروبا حين تولى إدارة مسرح مدينة هلسينغ بورغ. وظل هناك ثلاثة أعوام ثم انتقل بعد ذلك لإدارة مسرح غوتينبرغ من العام 1946 حتى العام 1949.

أصبح مدير مسرح مدينة مالمو في العام 1953 وظل كذلك لمدة سبعة أعوام. العديد من أبطال أفلامه كانوا أشخاصاً بدأ العمل معهم على المسرح، وبعض أبطال أفلامه في الستينات جاؤوا من مدينة مالمو المسرحية مثل ماكس فون سيداو. كان مخرج مسرح الدراما الملكي في ستوكهلوم منذ العام 1960 حتى العام 1966، ثم مديراً للمسرح منذ العام 1963 حتى العام 1966، حيث بدأ تعاوناً طويل الأمد مع مصممة الرقصات دونيا فيور.

بعد مغادرته السويد بسبب حادثة الضرائب، أصبح مخرجاً في مسرح ريزدنيس في ميونيخ بألمانيا في الفترة 1977 - 1984 وبقي نشيطاً في المسرح خلال فترة التسيعنات ليقدم آخر إنتاجاته المسرحية بعمل «البطة البرية» في مسرح الدراما الملكي في العام 2002.

العدد 3983 - الجمعة 02 أغسطس 2013م الموافق 24 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:47 م

      جميل

      شيء جميل أن نرى مقالة في صحيفة بحرينية عن هذا المخرج الرائع أتطلع لقراءة المزيد من هذا النوع من المقالات

اقرأ ايضاً