العدد 3983 - الجمعة 02 أغسطس 2013م الموافق 24 رمضان 1434هـ

هل عرف الدلمونيون اللؤلؤ؟

استعملت القواقع والأصداف في صنع العديد من الحلي منذ العصور القديمة في العديد من الثقافات، وكانت هذه الحلي تدفن مع الميت كنوع من الطقوس الجنائزية، ففي مدينة أوروك في بلاد الرافدين عثر على دلائل تشير إلى استخدام القواقع في الزينة يعود تاريخها لنهاية الألف الرابع قبل الميلاد (Terlau and Olivera 2004)، أما في الإمارات العربية المتحدة فقد عثر في قبور موقع Al-Buhais 18 في الشارقة على العديد من أدوات الزينة المأخوذة من القواقع والأصداف وحتى اللؤلؤ ويعود تاريخها للحقبة 5100 - 4300 ق.م. (Kiesewetter et. al. 2000) و (Beauclir et. al. 2006). وهناك أنواع محدودة من القواقع والأصداف التي استخدمت في تصنيع أدوات الزينة، بما في ذلك اللؤلؤ، وهذا دليل قوي على أن أصداف اللؤلؤ كانت تصطاد ليستخرج اللؤلؤ منها. وقد عثر على قرابة 100 لؤلؤة من العديد من المواقع الأثرية على سواحل الخليج العربي من الكويت وحتى سلطنة عمان، ويتراوح تاريخ هذه اللآلئ ما بين 3300 ق.م. و5500 ق.م.، وتعتبر هذه اللآلئ أقدم ما عثر عليه من اللآلئ في العالم (Charpentier et. al. 2012). هذا ولم تتناول هذه الدراسة الأخيرة أي لآلئ عثر عليها في البحرين، فهل عمل الدلمونيون في صيد اللؤلؤ؟ أم لا؟.

ركام محار اللؤلؤ في البحرين

في البحرين عثر على كم كبير من بقايا محار اللؤلؤ في المواقع الأثرية ولكن عثر على عدد بسيط من اللآلئ. وكان أكبر ركام لمحار اللؤلؤ هو الركام الذي اكتشفته البعثة الدنماركية في العام 1954م في منطقة رأس الجزائر بالقرب من قرية الزلاق، وتقدر أبعاد الركام بقرابة 200 متر و100 متر، وقد نشر Nielson نتائج التنقيب فيه في العام 1959م باللغة الدنماركية، وقد اعتمدنا على عدد من الدراسات اللاحقة التي اقتبست من هذه الدراسة. يتكون الركام بصورة أساسية من نوع واحد من الأصداف هو «محار اللؤلؤ» Pinctada radiate، ويعود تاريخ الموقع، وربما الركام نفسه، للحقبة 2000 - 1800 ق.م.؛ حيث اكتشف فيه فخار موازٍ للفخار الذي اكتشف في المدينة الثانية في موقع قلعة البحرين (بوتس 2003، ج1: ص 333 - 334). ويعتبر هذا الموقع أكبر موقع عثر فيه على أكبر كمية من محار اللؤلؤ، أما بقية المواقع الأثرية التي درست (والتي تناولناها في الفصول السابقة) فيسود فيها أيضاً محار اللؤلؤ إلا أن الكمية التي عثر عليها فيها أقل بكثير مما عثر عليه في موقع رأس الجزائر. وقد احتارت البعثة الدنماركية في سر ركام رأس الجزائر، فهل محار اللؤلؤ هذا كان مصدراً للأكل أم مصدراً للؤلؤ؟. بقيت هذه الحيرة مستمرة منذ الخمسينات وحتى التسعينات من القرن المنصرم؛ فإنه لا يمكن ترجيح أحد الخيارين دون وجود دلائل ترجح أحد هذين الخيارين. كل ما نشرته البعثة الدنماركية من دلائل اتضح لاحقاً أنها مجرد دلائل أدبية واهية لا يمكن الوثوق بها. ولم يعثر على دلائل أثرية إلا في نهاية التسعينات، وسوف نعرض هنا هذه الدلائل وبعدها نرجح أحد الخيارين.

الأدلة الأدبية الواهية

عندما تناول Bibby في كتابه «Looking for Dilmun» ركام محار رأس الجزائر تناوله في سياق أسطوري بعيداً عن الأدلة الأثرية؛ وذلك من خلال أسطورة جلجامش، فتناول طريقة الغوص التي جاءت في الأسطورة وقارنها بما هو معروف عند العامة في الخليج. وقد رجح Bibby أن زهرة الحياة التي ابتلعتها الأفعى في الأسطورة هي اللؤلؤة، كذلك، فقد عثر في موقع قلعة البحرين على بقايا أفاعٍ في أوانٍ فخارية (لا تعود للحقبة الدلمونية)، وقد افترض Bibby أنه بداخل فم كل أفعى كانت توجد لؤلؤة. وقد افترض Bibby أن هناك تجارة لؤلؤ بين دلمون ووادي الرافدين اعتماداً على أن اللؤلؤ ذكر في النقوشات الأدبية التي عثر عليها في وادي الرافدين تحت مسمى «عين السمك». كل ما ذكره Bibby في كتابه مجرد فرضيات لا يوجد دليل يرجح صحتها بما في ذلك مسمى «عين السمك» الذي رجحه البعض أنه اسم «اللؤلؤ»؛ فلا يوجد دليل قاطع يرجح ذلك، وقد تم نقاش ذلك في بحثين منفصلين، وكانت نتيجة الدراستين أن «عين السمك» ليس اللؤلؤ، ولكن هذا بالطبع لا ينفي أن اللؤلؤ كان معروفاً في الحقب القديمة (During Caspers 1983) و(Howard-Carter 1986).

المحار كمصدر للغذاء

ذكر Nielson في دراسته سابقة الذكر أن محار اللؤلؤ كريه الطعم ولا يستعمل في الغذاء البشري، إلا أنه ذكر أيضاً في الدراسة ذاتها أن عدداً من المصادر الأدبية العائدة إلى القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين تحوي «إحالات مكررة إلى أن لحم محار اللؤلؤ يأكله السكان المحليون في منطقة الخليج، مع ذلك عمل علماء الرخويات على بقايا من مواقع أخرى من الخليج... وقد أرتاب بشدة هؤلاء الباحثون في صحة القول بأن لحم محار اللؤلؤ لم يكن يؤكل في العصور القديمة، دون أن ينكروا احتمال جمعه لما يمكن أن يحويه من لؤلؤ» (بوتس 2003، ج1: ص 333 - 334). وتؤكد عدة تقارير أن بعض الجماعات الفقيرة في دولة الإمارات العربية كانت تأكل المحار بما في ذلك محار اللؤلؤ (Prieur 2005). وما يستنتج من ذلك هو أنه، في ظل غياب دليل أثري قاطع على صيد محار اللؤلؤ لأجل ما به من لؤلؤ، فإنه لا يمكن استثناء احتمال أن محار اللؤلؤ كان يؤكل، على الرغم أن هذا المحار لم يكن من ضمن الأصداف المتعارف عليها التي كانت تؤكل.

الأدلة الأثرية لاستخدام اللؤلؤ في دلمون

هناك ندرة في التقارير التي ذكرت العثور على لؤلؤ في المواقع الأثرية في البحرين سواء الإسلامية منها أو ما يعود لحقبة دلمون. وأقدم اللآلئ التي عثر عليها في البحرين تعود للفترة ما بين نهاية الألف الثالث وبداية الألف الثاني قبل الميلاد. وتدل اللقى التي عثر عليها أن اللؤلؤ كان يستخدم كنوع من الزينة؛ فقد عثر في القبور الدلمونية المتأخرة الواقعة في مدينة حمد على حلي تحتوي على لؤلؤ (صويلح 2009، ص 313)، كما عثر على عدد بسيط من اللؤلؤ في موقع سار الأثري وذلك في المعبد الدلموني في سار (Crawford et. al. 1997, p. 62). وكذلك في موقع السكن في موقع سار الأثري (Killik and Moon 2005, pp. 178 - 180). ويبلغ ما عثر عليه من لؤلؤ في موقع سار 14 لؤلؤة منها ما هو مثقوب (Killik and Moon 2005, p. 180)؛ وهذا دليل على استعمال اللؤلؤ في الزينة في حقبة دلمون.

أما في المواقع الإسلامية فقد عثر في موقع سوق الخميس في البلاد القديم على لؤلؤتين مثقوبتين من الطبقات الأثرية التي تعود للحقبة ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين، كما عثر في الموقع نفسه على بقايا من منخل وسكين كليهما يخصان عمليتي فتح محار اللؤلؤ وفصل اللؤلؤ بحسب أحجامها (Insoll 2005, pp. 319 - 322). أما أكبر كمية من اللآلئ فقد عثر عليها في موقع قلعة البحرين؛ حيث عثر على 407 لآلئ محفوظة في قوقعة من الكوز، ويرجح أنها تعود للقرن الخامس عشر أو السادس عشر الميلادي (Musameh 1999, p. 221).

العدد 3983 - الجمعة 02 أغسطس 2013م الموافق 24 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً