في منتصف العشرينات من القرن الماضي، وبعد أن وصل إلى البحرين، طلبوا منه أن يضع برنامجاً إدارياً حديثاً لبلد يشبه البحرين، فقال: «يجب أخذ أي بلد من تاريخها وموقعها بين جيرانها، ثم ضع كل اهتمامك في أهلها، ولكن بتدرج حذر (واحد، واحد)، كما يقول الأهالي باللهجة المحلية».

كان هذا هو سبب إصدار وثيقة هذا الأسبوع، وما كُتبت إلا من أجل هذا الرجل عندما تم تعيينه في الوظيفة، وهي من وثائق شهر رمضان لعام 1344 هـ (أبريل/ نيسان 1926 م)، وكتبت باللغتين العربية والإنجليزية، وهي كذلك من وثائق سجلات البحرين البريطانية للعامي 1925-1926 م، ومن كُتبت الوثيقة باسمه هو من أجاب على السؤال الذي بدأنا به الحديث.

فموضوع الوثيقة تحديداً هو تعيين المدعو (C. D. Belgrave) «مستشاراً للحكومة» في البحرين في 29 رمضان من العام 1344 هـ، الموافق (12 أبريل 1926م).

وبعيداً عمن يقول إن «بلجريف» هو من قبض على ناصية الدولة وتحكّم بكل شيء من تلقاء نفسه، وجعل شخصه الأوحد في اتخاذ القرار، أو من يقول عكس ذلك، لنقرأ وثائق التاريخ بشكل أفضل لتثبيت الحقائق.

وهذا هو نص الوثيقة في شقها العربي؛ لأن النص الإنجليزي كُتب في النصف المقابل من نفس الورقة، كما هو موضح:

« بسم الله الرحمن الرحيم

حكومت البحرين

بحرين تاريخ 29 رمضان 1344

عدد 1 / 9 / 687

من حمد بن عيسى آل خليفة سي اس اي نائب

حكومة البحرين

إلى جناب عالي الجاه الأفخم سعادة الباليوز في البحرين المحترم

بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام

أتشرف أن أخبركم بأن رخصنا مستر سي

دلرمبل بلكريب أن يمشي جميع الأشغال الرسمي من طرف حكومتنا- وهذا يصير

راحة لصديقكم - وسعادتكم تتخابرون من

طرف الأشغال غير الضروري فقط –

وصديقكم يصير مسرور كما كان في السابق

أن يشاوركم أو يتخابر معكم من طرف الأمور

التي في فكر سعادتكم ضروري ويحتاج النظر فيها

لاكن هذا أيضا يوافق راحتكم إذا تخلص الأمور

بين حفيسكم وحفيس –

مستشار حكومتي مستر بلكريب

هذا ما لزم ودمتم محروسين

مهر حمد بن عيسى آل خليفة»

وتعليقاً على هذه الوثيقة نذكر أنها، كرسالة رسمية من نائب حكومة البحرين كما أوضحت في مقدمتها، قد أُرسلت في تلك الفترة إلى (Maj Clive Kirkatrick Daly) المعتمد البريطاني السياسي في البحرين بين يناير/ كانون الثاني 1921- سبتمبر/ أيلول 1926. ويتضح منها أن المدعو «تشالز دلريمبل بلجريف» وليس «بلكريب»، قد تم تكليفه بشكل رسمي بأن «يمشي جميع الأشغال الرسمي من طرف حكومتنا» كما هو موثق.

ومن المعروف جلياً أن «بلجريف» أقدم العام 1925، وبعد عدة سنوات من العمل في مكتب المستعمرات البريطانية في (تنجانيقا) بشرق إفريقيا؛ على قبول وظيفة مستشار مالي لحكومة البحرين عن طريق إعلان نشرته السلطات البريطانية في جريدة «التايمز».

ومنذ تعيين «بلجريف»، كما أوضحت الوثيقة العام 1926 في هذه الوظيفة، وحتى (18 أبريل من العام 1957)، كان هذا الرجل الإنجليزي ذا القامة الفارعة الطول، أهم شخصية محورية لعبت دوراً طوال 31 عاماً في تاريخ البحرين الحديث في النواحي الإدارية والاقتصادية والسياسية والتربوية، وغيرها. وبعد تركه لمنصبه أخذه الحنين للبحرين، فقام بزيارتها سنة 1965 المشهودة بعنفوان ساحاتها في البلاد آنذاك أيضاً ضد السيطرة البريطانية. وبناءً على تكليفه بأن «يمشي جميع الأشغال الرسمي»، وبما أن البحرين في تلك الفترة كانت إمارة صغيرة ومسئولياتها ليست بحجم اليوم؛ فالوثائق البريطانية تذكر أن «بلجريف» كان مسئولاً بشكل مباشر عن الدوائر التالية فقط: الزراعة، البلدية (في المحرق والمنامة)، التعليم، الخدمات الطبية (أطباء الأسنان، العيادات، مكافحة الملاريا)، الكهرباء (النفط والغاز، الأشغال العامة ومنها إسالة المياه والبناء، دائرة الكهرباء)، الجمارك، مصلحة الأراضي، دائرة الطابو، المحاكم (الأوقاف السنية والشيعية، الشرع، المحكمتين الكبرى والصغرى)، وكان يساعده في هذه المسئوليات موظف مساعد لشئون البلدية، وآخر كمراجع مستقل.