غداً الأحد، يؤدي الرئيس الإيراني المنتخَب حسن روحاني القَسَم الدستوري أمام البرلمان، كرئيسٍ لإيران. أحَدَ عشر رئيس دولة، وسبعة رؤساء برلمانات، وخمسة نواب لرؤساء الجمهورية، وثلاثة نواب لرؤساء حكومات، وأزيد من تسعة وزراء للخارجية من دول شتى سيشاركون في المراسم، كما ذكرَ ذلك مسئول العلاقات الدولية في البرلمان الإيراني.
المهم من كل ذلك، ليس روحاني في حدِّ ذاته، بقدر ما تكمن الأهمية في تشكيلة الحكومة التي سيُقدِّمها. فعندما تردَّدت أخبار اختياره بيجان زنكنة لوزارة النفط، تنفّست أسواق الطاقة الصعداء. وعندما قيل ان جواد ظريف سيتسلَّم الخارجية، رحَّب الأميركيون بذلك. وهو ما يعني، أن إيران مُقبلة على سياسة خارجية قد تكون تفاوضية.
وربما سنأتي على قراءة ظروف إيران الدولية، والفريق الجديد الذي سيتعامل مع تلك الأوضاع، لكننا اليوم، بصدد قراءة ظروف إيران الداخلية. ظروفٌ حَكَمَت خطاب حسن روحاني طيلة الفترة الماضية. هذه الظروف تتلخص في إعادة «رَتْق الفتق» الذي ضَرَبَ النخبة الحاكمة في إيران، منذ العام 2005 بمجيء محمود أحمدي نجاد إلى السلطة.
ونحن عندما نتحدث عن النخبة الحاكمة، لا نتحدث عن خلافات إصلاحية محافظة، فهو أمر اعتادته إيران منذ العام 1986 كحالة أوليَّة، ثم بصورة أكثر جلاءً في مايو/ ايار من العام 1997. لكن ما نعنيه بالنخبة الحاكمة، هو الطبقة التي تُمسِك بتلابيب السلطة في إيران: المرشد، الحرس الثوري، رئاسة الجمهورية، البرلمان، أجهزة الرقابة، البازار، رجال الدين.
وهنا يتوجَّب الإشارة إلى أمرٍ في غاية الأهمية، يتعلَّق بتلك المؤسسات. فمن الأشياء اللافتة، أن تلك الجهات، تحمل عناوين ومهمات مختلفة، لكن شخوصها متداخلة، سواءً بالانتماء الاعتباري، أو خلافه. فمكتب المرشد، يضم رجال دين وعسكريين من الحرس والجيش وتكنوقراط. والحرس نفسه يتضمن أفراداً يعينهم المرشد فضلاً عن رجال دين.
هذا التداخل، يسري على بقية الأجهزة الأخرى، سواء الحكومة (التي طالما تضمنت ثنائية رجال الدين/ الحرس) والبرلمان (بالمثل) وأجهزة الرقابة (مجمع التشخيص/ الخبراء/ أمناء الدستور وغيرها) والبازار وطبقة رجال الدين. كل هذا التداخل، ولَّد عملاً متشابكاً، بحيث أصبح الانشطار في تلك المؤسسات، انشطاراً مُركَّباً ومتمدِّداً أفقياً، وهنا تكمن الخطورة.
وكل مَنْ تابَع خطاب الشيخ حسن روحاني، سواءً أثناء حملته الانتخابية، أو بعد فوزه، سيلحظ مدى تركيزه على مسألة الخلاف الذي ضَرَبَ النخبة الحاكمة في إيران، نتيجة الموقف من حكومة أحمدي نجاد. سواءً أكان الموقف من السياسات التي اتبعتها، أو من الخطاب التصادمي الذي اعتمدته تجاه خصومها في الداخل، وبالتحديد مع رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، وتياره في السلطة وبين رجال الدين.
وقبل عشرة أيام، تحدث رفسنجاني خلال لقاء جامعي قائلاً: «على مَن أوصلوا البلاد إلى هذا الوضع، المساهمة في إيجاد مناخ تنافسي صحّي، من خلال إعادة صوغ خطابهم الفكري والسلوكي، ونأيهم عن توجيه شتائم وافتراءات تتعارض مع أدبيات الاعتدال». وهو خطاب نقدي للحقبة التي تسيَّد فيها التعميريون السلطة منذ العام 2005.
بالعودة إلى حكومة روحاني المفترضة، فإن ما رَشَحَ عنها لحد الآن، أنها تريد إقامة تجسير للضفاف المتباعدة داخل الحكم، عبر توزير شخصيات تتسِم بالاعتدال، وتنتمي لفترة الوفاق التي كانت سائدة خلال الفترة الماضية. وهي أغلبها شخصيات عَمِلَت مع رفسنجاني، وتالياً مع خاتمي، الذي أبقاها لِمَدِّ جسرٍ بينه وبين مجموعة الستة عشر، أو كوادر البناء، التي كان يعتمد عليها التيار المحافظ المعتدل.
بالتأكيد، كانت هناك مفاوضات ومحاصصة بين الرئيس والقوى النافذة في النظام قبيل تشكيل الحكومة. فوزارة الأمن، لا يمكن لروحاني تعيين شخص لا يحظى بموافقة المرشد فيها. والفرقاء يتذكرون تجربة خاتمي عندما أراد تعيين وزير للأمن، حيث لم يتم التوافق (مع المرشد) على تعيين علي يونسي إلاَّ بعد أربعة عشر خياراً تم تداولها بين الجانبين.
كذلك الحال بالنسبة لوزارة الخارجية، التي تعمل وفق السياسات التي يضعها المرشد. أيضاً كانت هناك مفاوضات حتماً مع قيادتي الحرس الثوري والجيش الإيراني، للوصول إلى شخص يكون على رأس وزارة الدفاع، والتي تعتبر من الوزارات المهمة في إيران، وبالتحديد عند الأجهزة العسكرية، كونها ترتبط معهم بخطط الدولة الأمنية وبرامجها الحربية.
أيضاً سيتم التفاوض مع رجال الدين حول منصب وزير الثقافة والإرشاد. وإيران لديها تجربة مع وزارة الثقافة، عندما كان يرأسها عطاء الله مهاجراني في حكومة الإصلاح الأولى. وقبل ذلك تجربة خاتمي فيها عام 1992. لذا، فإن روحاني سيحاول كسب تأييد رجال الدين لتسمية أحد أنصاره فيها، كما حصل مع مسجد جامعي أيام خاتمي.
كذلك، جرت مشاورات أكيدة مع قادة البازار في طهران ويزد ومشهد وتبريز واصفهان، لتسمية وزير للاقتصاد، وحاكماً للبنك المركزي. فالبازار تعتبر من الجهات النافذة في إيران، حتى ولو لم تكن في السلطة، لكنها تمتلك من النفوذ ما يُوازي أية وزارة أخرى داخل النظام. وهو عُرفٌ دَرَجَت عليه الحكومات الـ11 في إيران منذ قيام الثورة.
في المحصلة، فإن المواءمات المفترضة في هذا التشكيل، خاضعة لمساريْن: الأول: توجهات الرئيس السياسية/ الاقتصادية/ الثقافية. الثاني: التوافق مع الأطراف ذات الصلة. وما بين المسارين، تكمن المصالح والتنازلات وحتى الصراعات.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3983 - الجمعة 02 أغسطس 2013م الموافق 24 رمضان 1434هـ
المهم هو أن:
(هذا التشكيل، خاضعة لمساريْن: الأول: توجهات الرئيس السياسية/ الاقتصادية/ الثقافية. الثاني: التوافق مع الأطراف ذات الصلة. وما بين المسارين، تكمن المصالح والتنازلات وحتى الصراعات)