من يمعن النظر في ملامح صورة الحياة العربية، في وطن العرب كلّه ، في أيامنا البائسة الحالية، لا يستطيع إلا أن يصرخ: لك الله يا أمة العرب. لنلاحظ الملامح السريالية المضحكة المبكية المقلقة الآتية.
الملمح الأول هو أنه بعكس الكثير من الأمم الأخرى، لا تحتفل أمتنا في الحاضر بذكرى أبطال أو قادة أو أفراد عاديين ماتوا في ساحات القيام بالواجب أو ساحات الحروب ضد أعداء الأمة، وإنّما تقيم الاحتفالات شبه اليومية إحياءً لذكرى من اغتيلوا غدراً وتعصّباً من قبل مجانين وموتوري هذه الجماعة أو تلك السّلطة. أصبح الاغتيال، خصوصاً اغتيال الخصوم السياسيين والمذهبيين، الذي كنا لا نسمع به إلا نادراً، والذي كان يعتبر عيباً وجبناً وتوحُّشاً، أصبح يمارس بدمٍ باردٍ وضميرٍ ميت، لتعود المجتمعات العربية إلى الأزمنة البدائية الحيوانية السحيقة التي كانت لا يحكمها قانون ولا دين ولا قيم إنسانية.
والسؤال هو: هل تعتقد السلطات التي تغتال محتجاً مسالماً في الشارع، أو الجماعة التي تغتال بخسَّةٍ إنساناً خارجاً من باب منزله، بأن ارتكاب تلك الحماقات سيغيّر مجرى الأمور وطبائعها؟ والجواب هو كلا، إذ كما قال السياسي البريطاني الشهير بنجامين ديزرائيلي فان «الاغتيال لم يغيّر قط تاريخ العالم»، وهو من المؤكد لن يوقف تفتّح أزهار الربيع العربي، الذي ترنو إليه أمة العرب، طال الزمن أو قصر.
الملمح الثاني هو تفشّي ظاهرة الأصوات العلنية، الرسمية منها وغير الرسمية، التي تستغيث بالخارج لإقحامه في حلّ مشاكل هي في الأساس داخلية. وياليت الخارج اقتصر على المنظّمات الدولية أو الإقليمية أو الدولية المعنية، إذن لهان الأمر، لكن تلك الاستعانة أصبحت تستقوي بعناصر الشر في الخارج لتصبح أخطاراً وكوارث.
لقد أصبح استدعاء الجيوش الأجنبية، كما حدث مثلاً قبل في العراق وليبيا، وكما يراد له حالياً مثلاً أن يحدث في سورية ولبنان والسودان، أصبح حديثاً عادياً غير مستهجن، وطبعاً سياسياً عربياً بامتياز. وفي غالبه هو استدعاء يتوجه إلى دول استعمارية لا يمكن أن تريد الخير للعرب، ولا يمكن أن تكون أهداف تدخُّلاتها بدون ثمن سياسي واقتصادي، بل إنها أهداف تمزيقية للمجتمعات على أسس عرقية وطائفية ومناطقية وقبلية.
فإذا أضيف إلى ذلك استدعاء مجانين الجهاد العبثي الممارس لكل أنواع العنف والإرهاب والقتل الذي لا يفرّق بين عدو محارب وبين مدني مسالم، الجهاد الطائفي المكفّر، إذا أضفنا ذلك الاستدعاء الذي تغذّيه أموال هذه الدولة أو تلك أو تجيّشه هذه الجماعة أو تلك، فإننا نخرج بصورة ملمح لا يرى في استباحة الأرض العربية جرماً، ولا في سفك دم المسلم من قبل المسلم حراماً.
بهذا تضيع جهود وتضحيات أجيال عديدة حاربت من أجل الاستقلال وحرية الأوطان عبر قرن كامل، وتضيع محاولات وأفكار عشرات العلماء والإسلاميين المستنيرين من أجل دين عقلاني متسامح مستنير مناقض للتبريرات الجهادية المرعبة التي نسمعها. وهكذا يجري على قدم وساق تدويل الربيع العربي ليتشابك مع توازنات المصالح العولمية السياسية والاقتصادية.
الملمح الثالث هو الرجوع العبثي لثنائية وصراع وتباعد هوية العروبة ودين الإسلام، لتضيع جهود مكثفة قام بها كثيرون عبر أربعين سنة من أجل تقريب الفكر السياسي القومي العربي من الفكر السياسي الإسلامي، وبناء أرضية مشتركة تقود إلى التعاون والتنسيق، بل وربَّما كتلة تاريخية ديمقراطية تركّز على الاستراتيجيات العربية الكبرى الممثلة في أطروحات المشروع النهضوي السّت: الوحدة العربية، الديمقراطية، الاستقلال القومي والوطني، التنمية الإنسانية الشاملة، العدالة الاجتماعية والتجديد الحضاري والثقافي.
اليوم هناك بوادر الرجوع إلى عداوات الخمسينيات من القرن الماضي العبثية التي أضرَّت بالجميع، بالقوميين والإسلاميين، وساهمت في حدوث الانتكاسات الكبيرة المعروفة التي تميّز بها نصف القرن الماضي من حياة أمة العرب. ومرَّةً أخرى ينسى الجميع أن لا إسلام قوي بدون عرب أقوياء. وينسى الذين يريدون تحويل الخلافات السياسية العابرة إلى خلافات عقيدية وفكرية، بأنهم يغردون خارج ما يمكن اعتباره قد حسم. لقد حسمه الكثير من الكتاب، بما فيهم المسيحيين والإسلاميين، عندما أظهروا بأن العروبة والقومية بدون الإسلام تصبحان شعارين بلا روح ولا امتداد تاريخي وثقافي، وبأن نهوض العرب القومي هو الطريق لأن يكون العرب حملة رسالة الإسلام إلى الإنسانية جمعاء.
تلك الملامح المفجعة وغيرها الكثير تقود إلى ملمح رابع، وهو إدخال الإنسان العربي، الذي كسر وخرج من قفص الخوف مؤخراً، إدخاله في قفص القنوط واليأس من نفسه وأمته. إنها إصرار قوى الشر في الخارج والداخل على أن يعيش العرب لعنة ومأساة سيسيفوس اليونانية الشهيرة، فما يكاد يدحرج سيسيفوس صخرة خلاصه إلى قمة الجبل حتى تدحرجها الآلهة إلى القاع، لتبدأ رحلة عذابه.
لقد كنا ولازلنا من الموقنين بأن شباب ثورات وحراكات الربيع العربي سيكسرون تلك اللعنة وسيهزمون آلهة الشر. لكن ذلك سيكون مستحيلاً إن ظلّ شباب الثورات يمارسون السياسة بنفس الطريقة الشخصانية العبثية المتخلفة التي استعملتها أجيال الفشل السابقة، فما جنت الأمة من ذلك إلا الحصرم.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3982 - الخميس 01 أغسطس 2013م الموافق 23 رمضان 1434هـ
إشتراكية شبكة أو شبكة مشتركة للتواصل الغير اجتماعي
تواصل إجتماعي ولا يجتمعون!! المشترك هنا ليس مشرك ولا مشارك في شبكة من شبكات التواصل الاجتماعي، إلا ان المشترك بين الناس في الحديث والمحادثة الاهتمامات الشخصية أو أحاديث قد لا يكون لها أصل من الأساس – اشاعات. فحوار طرشان وعبر شبكة ليس بديل عن واقع لكنها اليوم أصبح واقعه كثيرة. فمواقع التواصل الاجتماعي كثيره منها المجالس الرمضانية والتلفون والبريد الالكتروني واليوم شبكات ما تسمى بالتواصل الاجتماعي. تواصل إفتراضي بين مجموعة مشتركة في خدمة التواصل لكنها لا يتواصلون بل يتحدثون. فأين التواصل؟
ان مع العسر يسرى
مقال رائع احسنت
العروبة والإسلام
من يمسك بمقدرات هذه الأمة اليوم لا يحمل انتماء إلى العروبة انتماءه الأقوى إلى طائفته وعشيرته فالعروبه لديه مجرد اسم وليست انتماء وحميه ومشاعر فماذا تتوقع من أناس ترجع أصولهم وجذورهم إلى بلاد غير عربيه فهل سيدافعون عن العروبة وهل لديهم القدرة على النظر إلى المصالح القومية بنظره شموليه دون النظر إلى الطاءفه كم هو مخجل هذا الوضع ولكن هذا هو الواقع
كل ما ذكرته يا استاذ هو بمثابة مخاض لولادة عصر جديد فبقاء الحال من المحال وما بعد هذه الغربله والتمحيص الدي نراه الان في بعض الدول العربيه الا الفرج الأكيد فكن على ثقةٍ من ذلك .. ومتفائلاً . بو عطيه .