العدد 3981 - الأربعاء 31 يوليو 2013م الموافق 22 رمضان 1434هـ

الراحمون يرحمهم الله

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

مواقف كثيرة تلك التي مررتُ بها خلال الأيام الماضية، تدور حول محور الرحمة، ابتداءً من صورة وقع عليها بصري صدفةً في شبكة الإنترنت، وهي صورةٌ أظهرت رجلاً يسقي قرداً من قنينة ماء، فاستوقفتني كثيراً لما بها من معانٍٍ جميلة وسامية؛ مروراً بالخبر الذي طالعتنا به صحيفة «الوسط» قبل أيام عن رحمة أهالي قرية سماهيج الذين استمروا في إطعام قطٍ محتجز بأحد المحلات المغلقة لأربعة أشهر من دون أن يصيبهم الملل أو التذمر، حتى فرحنا يوم أمس بخبر إعتاقه من حجزه الذي لم تكن له يدٌ في الدخول إليه؛ وصولاً إلى دعوةٍ أطلقتها إحدى السيدات في حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «انستغرام» لتبني فكرة «عيدية عمّال النظافة».

أدهشتني الفكرة على رغم بساطتها، إذ اقترحت السيدة أن تكون هذه الهدية عبارةً عن بطاقة اتصال بالهاتف يستطيع من خلالها هذا العامل الذي بالكاد تكفيه الدنانير القليلة التي يجنيها من عمله في هذا الجو الحار تحت أشعة الشمس، أن يتصل بأهله الذين تركهم خلفه مرغماً، ليعيش معهم فرحة العيد، حتى وإن لم يكن مسلماً. وقد سبقت هذه الدعوة دعوةٌ أخرى تناقلها الناس في العام الماضي في شبكات التواصل الاجتماعي وعبر رسائل الهواتف والبريد الإلكتروني حول توفير الماء البارد والمثلجات للعمال الذين يقضون جلّ وقتهم في العمل تحت أشعة الشمس التي لا نقوى على البقاء تحتها لدقائق معدودات.

هذه الدعوات الإنسانية، وهذه المواقف الأخلاقية النبيلة تجعل المرء يقف عاجزاً عن شكر أصحابها، ومن قبلهم شكر الله الذي سخّر هذه القلوب لهؤلاء الذين هم في أمس الحاجة لمن يقف معهم ويرحمهم.

هذه المواقف تذكّرني بقصة المزارع الذي ذهب لشراء تذاكر لدخول سيرك مشهور قدم إلى قريته في الريف الأميركي، إذ وقف هذا المزارع في الطابور أمام شباك التذاكر فخوراً بزوجته وأبنائه الأربعة الذين كادوا يطيرون فرحاً لهذه المناسبة السعيدة، ولكن هذا الفرح تحوّل إلى حرج وحزن، حين أخبرته الموظفة بسعر التذاكر الذي يفوق ما كان يملك، فأخذ يتحسس جيبه وهو يتصبب عرقاً، في حين طأطأت زوجته رأسها ونظر إليه أبناؤه بتساؤل وجزع. انتبه الرجل الذي يقف وراءه لحيرته، ولم يبدُ أيسر حالاً منه، لكنه أسقط على الأرض نقوداً وربت على كتف المزارع قائلاً: «لقد أسقطت نقودك على الأرض»، وانحنى لأخذها وتسليمها للمزارع الذي شكره وأخبره أنه لن ينسى صنيعه!

مثل هذه المواقف تبعث الراحة والاطمئنان في النفوس، وتشيع المحبة بين الناس، والأهم أنها تكون سبباً في رحمة الله لمن يرحمون عباده، خصوصاً أن صفة الرحمة جاءت في صدارة الصفات الأخرى في القرآن الكريم؛ إذ تكرّرت صفة الرحمة بمشتقاتها ثلاثمئة وخمس عشرة مرةً، بينما جاءت صفة الصدق مثلاً مئة وخمسةً وأربعين مرةً، وجاءت صفة الصبر تسعين مرة، والعفو ثلاثًا وأربعين مرة، والكرم اثنتين وأربعين مرةً، والأمانة أربعين مرةً، وجاءت صفة الوفاء تسعاً وعشرين مرةً.

إنها بعض صور الرحمة المودعة في القلوب... فالراحمون يرحمهم الله.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3981 - الأربعاء 31 يوليو 2013م الموافق 22 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:14 ص

      من السمكات الثلاث او سماهيج الى درر الكلام

      قسوة ورحمة وعطف وحنان ومصائب قوم عند قوم فوائد وأرباح، لكن القط كان من المنقودين من حالة الهلاك بينما أهالي سماهيج أبطال رحمة أخذتمهم بالقط وكأنهم تذكروا .. وإن لك في كل ذات كبد رطبه أجر. الكبد مثل ما في الحيوان موجوده في الانسان كذلك وهذا جميل صنعه أهلالي سماهيج في القط، ولكن الاتصال والهدرة وتربيح شركات الاتصال فيها شبهه. يعني في الاشياء كما فيها الناقص فيها الزائد، وكما فيها الشين فيها الزين. فما الفرق بين مساعدة القط لكي يعيش ومساعدة عامل لكي يتكلم ويتصل ويربح سين من الشركات؟؟

    • زائر 7 زائر 6 | 6:51 ص

      انت مالك حل مولية في هالتعليقات

      ممكن تقول لنا نوع الحشيش اللذي تستخدمه؟

    • زائر 5 | 5:02 ص

      حكم

      تسلمين على المقال الرائع كله حكم

    • زائر 4 | 4:17 ص

      مقال مبدع لقلم رحيم

      دمتي سالمة تحسين بمعاناة الاخرين

    • زائر 3 | 4:16 ص

      لو ان الحكومات ترحم شعوبها

      الرحمة بين الشعوب موجودة ومتجلية في امور كثيرة ولكن تنقصنا رحمة الحكومات التي سينزل عليها غضب الرحمان

    • زائر 2 | 3:45 ص

      جميل كقلبك الحنون

      شكراً لك اختي العزيزة على ما تكتبين من عبر واخلاقيات نحن في حاجة لها سلم نبضك

    • زائر 1 | 1:09 ص

      سلمت يدا كتبت ذلك المقال

      شكرا جزيلا على المقال الرائع واثابك الله ثوابا لا يقدرعلى حصره غير الله فذلك المقال من شانه ان يدير عجله الرحمه في قلب الناس

اقرأ ايضاً