في إحدى جلسات منتدى العدالة الانتقالية الذي عقد في اسطنبول بتركيا، في الفترة 21 – 24 يونيو الماضي، تم استعراض تجربة ايرلندا الشمالية في مجال العدالة الانتقالية، حيث توفرت الإرادة السياسية سواءً للحكومة البريطانية أو فريقي الصراع، الاتحاديين (البروتستانت)، أو الحزب الجمهوري – شين فن (الكاثوليك) في الانخراط في تجربة العدالة الانتقالية والتي تسير بثبات.
وما يهمّنا أن السلطات ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالعدالة الاجتماعية في كل من جنوب إفريقيا وايرلندا الشمالية، منخرطة في مساعدة البحرين لإنفاذ العدالة الانتقالية والمصالحة، ودعتا وفوداً سياسية ومجتمعية لزيارتهما ورعاية حوار بين الفرقاء السياسيين.
وقدم كل من سيلفانوا كانتينو من المكسيك، و شاندرا سيرام من جامعة (SOAS) البريطانية، تجارب في التوثيق للانتهاكات وتحليلها في مرحلة لاحقة، ودور ذلك في إنفاذ العدالة الانتقالية، حيث تتعدّد الروايات والرؤيا للحدث الواحد ومغازيه. وبعد ذلك عرضت السيدة ليزا ديفز لأدوات وآليات وضمانات التوثيق بحيث تكون ذات مصداقية وموضوعية، ومخاطر انحراف التوثيق الانتقائي أو المنحاز أو غير المهني.
اللجان الوطنية للتحقيق
في الجلسة الصباحية لليوم الثاني عرضت شاندرا سيرام من جامعة (SOAS) لتجارب اللجان الوطنية لحقوق الإنسان للتحقيق في الماضي والجرائم المرتكبة بحق الضحايا ومسئوليات مختلف الأطراف في الدولة وخارجها. وعرضت لمختلف احتمالات مساهمة لجان التحقيق الوطنية في المساهمة بتحقيق المصالحة الوطنية، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان والمدافعين والنشطاء الحقوقيين والشهود والضحايا والفئات المستهدفة والضعيفة. وكذلك مدى اندماج أو استقلال هذه اللجان عن الدولة ومدى مصداقيتها وموضوعيتها وفاعليتها، من خلال استعراض تجارب عدد من البلدان مثل جنوب إفريقيا وايرلندا الشمالية وساحل العاج.
المؤسسات الوطنية للتحقيق
بعد ذلك عرضت كل من شاندرا سيرم وسيما سمر نائبة رئيس اللجنة الوطنية الأفغانية لتقصي الحقائق، دور المؤسسات الوطنية للتحقيق في إنفاذ العدالة الانتقالية وكشف الماضي بكل أبعاده، وكشف المسئولين عن الانتهاكات وضحايا الانتهاكات، وإجراءات إحقاق العدالة بحق المنتهكين وجبر الضرر للضحايا. ومن التجارب التي عرضتها الباحثة الأفغانية سيما عن بلادها، محاولاتها الدؤوبة لإصدار تشريع يحمي المرأة وحقوقها السياسية والقانونية، ويضع حداً لتهميشها وإخضاعها، حيث أنه على الرغم من قناعة الرئيس كرازاي وكبار المسئولين إلا أن البرلمان خذلها وأفشل إقرار القانون. وعرضت للأوضاع المريرة للمرأة وفي ذات الوقت قصص نجاح محدودة.
أما شاندرا فاستعرضت دور اللجان الوطنية في القيام بجمع المعلومات والتحقيقات وتشكيل الملفات ورفع الدعاوى بحق المنتهكين، ومساعدة الضحايا ضمن آليات العدالة الانتقالية، كما عرضت لدورها السياسي في تأمين التوافق السياسي لدعم العدالة الانتقالية والتشريعية في صياغة أو المساعدة في صياغة تشريعات ضرورية لضمان التحوّلات إلى الوضع الجديد وقاعدة قانونية للنظام القانوني والقضائي للعهد الجديد المنشود.
وعرضت شاندرا البدائل في حال غياب الإرادة السياسية للدولة ووجود مؤسسات وطنية شكلية للتحقيق أو عدم وجودها أصلاً، ومن ذلك هيئات تحقيق مجتمعية خاصة، ومحاكمة خاصة كمحكمة «راسل» مثلاً، ومدى فعالية هذه المؤسسات وجدواها.
مرحلة الانتقال أو اللاانتقال
في هذا الاطار، تم استعراض إشكاليات تشخيص المراحل في عدد من البلدان، وهي مراحل ما قبل الانتقال كما هو الحال في سورية والبحرين والسودان وقرغيزستان وبورما مثلاً، أو مراحل الانتقال كما هو الحال في ساحل العاج وايرلندا الشمالية، ومرحلة ما بعد الانتقال كما هو الحال في جنوب إفريقيا مثلاً. وبالطبع فإن هناك تداخلاً فيما بين هذه المراحل، لكن هدف الجلسة هو تشخيص مميزات كل مرحلة ومهامها وآلياتها لكي ننتقل من مرحلة إلى أخرى بشكل فعال.
في الجلسة الأولى لليوم الثالث، عرض أحد المشاركين من كينيا، الخطوات والجهود المطلوبة لإحداث إصلاح مؤسساتي في مرحلة ما قبل الانتقال أو عدمه، لخلق ديناميكية للتغيير وعرض أبعاد وطرق الإصلاحات الدستورية والقانونية والسياسات. كما عرض لأسلوب إزاحة منتهكي حقوق الإنسان من مواقع المسئولية العمومية ومحاسبتهم، ودور منظمات المجتمع المدني. كما عرض لمكونات القانون الذي يضمن تعويض الضحايا وجبر الضرر، وكيفية التحقق من موضوعية ما لحق بهم من أضرار، ومطالبهم من أجل العدالة وجبر الضرر، وإقناع الدولة والأطراف المعنية بصوابيتها. كما عرض أساليب إقناع الحكومات بأن تتعاطى بإيجابية مع طلبات الضحايا الموضوعية وطلبات المجتمع الأوسع.
في هذا المنتدى، وزع المشاركين على أربع مجموعات تناولت الآليات الوطنية للعدالة الانتقالية؛ الآليات الدولية وآليات الوصول إليها؛ دور المنظمات الأهلية في التحبيذ والمشاركة والإنفاذ للعدالة الانتقالية، وتقوم كل مجموعة بالتوصل إلى استخلاصات واستنتاجات.
الجلسة الختامية
اختتمت الورشة بجلسة ختامية تحدث فيها كل من ليزا ديفيز من «فريدوم هاوس»، ونيكولا فيمانكا من «منظمة لاسلام بلا عدالة»، وقد جرى فيها نقاش حول أهم الاستنتاجات والتوصيات. فالعدالة الأساسية ضرورية وشرط لتطبيع الحياة السياسية في أي بلد يشهد نزاعات أو حروباً، والانتقال من الوضع الاستثنائي إلى الوضع الديمقراطي الطبيعي. ومن هنا فإن البحرين، مثلها مثل البلدان التي تمت معالجتها، بحاجة إلى عدالة انتقالية.
ويمكن لكل بلد أن يستفيد من تجارب البلدان الأخرى ويستعين بخبراتها، إضافةً إلى خبرات الأمم المتحدة وخبرائها ووكالاتها التخصيصة. وللمجتمع الدولي ومؤسساته ومنظماته دور حاسم في إنفاذ العدالة الاجتماعية بالتكامل مع الدولة وأجهزتها والمجتمع السياسي.
وتصنّف البلدان التي تعنيها عملية العدالة الانتقالية، إلى بلدان ما قبل العملية، وبلدان الانتقال، وبلدان ما بعد عملية العدالة الانتقالية. وبالطبع ليس هناك خط فاصل ما بين المراحل الثلاث مع تداخلها.
في ختام المنتدى شكر المشاركون كلا من منظمتي «فريدوم هاوس» و«لا سلام بلا عدالة»، والمحاضرين والطاقم الإداري. كما عبّروا عن سرورهم وهم يعايشون في اسطنبول الحراك الجماهيري من أجل المزيد من الديمقراطية الشعبية وتعزيز الدولة المدنية، حيث كانت تركيا تشهد مخاضاً إيجابياً لمختلف مكوناتها وقومياتها وأعراقها، وكانت «العدالة الانتقالية» تطرح في قلب هذا الحراك.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3980 - الثلثاء 30 يوليو 2013م الموافق 21 رمضان 1434هـ
لا تتكلم عن العدالة فأنت في البحرين
في البحرين اذا تكلمنا عن العدالة الانسانية اصبحنا ارهابيين ويجب ان نحاكم بأقسى الأحكام
نحن لا نطالب بالعدالة الاسلامية فهي مستحيلة المنال نطالب بمعاملتنا معاملة البشر العاديين بل اقل معاملة الحيوانات في البلاد المحترمة هل ارقى من معاملتنا في بلدنا
ما يحصل لدينا مثال على الآية: ولو اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك
لو سقت لهم مليون مثال ما راح يغير في ذهنهم شيء. بعد الذي سمعناه ورأيناه ايقنّا بأن الوضع في البلد سوف يزداد سوءا طالما هناك فكر لا يرى الا له الحق في العيش والتسلط والسيادة وباقي الناس كلهم عبيد ولا قيمة لهم ولو بلغ عددهم مئات الآلاف لا يساوون شيئا في نظر هؤلاء لذلك ستستمر الأزمة
والله اعلم الى متى