هناك نوعٌ من المثقفين -وهم كثر هذه الأيام- يميلون حيث تميل بهم رياح المال والجاه والسلطة، لا يقيمون وزناً لمبدأ طالما تغنّوا به وأظهروا الدفاع عنه، وأكدوا أنهم يفدونه بأرواحهم. وقد أثبت الواقع أنهم من أكثر الناس وقاحةً وكذباً وسعياً وراء شهواتهم المادية والمعنوية.
وهذا الصنف من مثقفي السلطة لا يظهرون إلا في الأزمات التي ترفض المواقف الرمادية التي تعوّدوا عليها سنوات طوال، فإما أن يكونوا معها وإما أن يكونوا ضدها. ولأنهم من باعة المبادئ فإنهم دائماً ينحازون لما يطلب منهم مادام هناك مشترٍ يدفع الثمن!
وأكثر ما يتمثّل هذا النوع في دعاة الليبرالية والعلمانية وبعض العازفين على الوتر الإسلامي! وهؤلاء موجودون في عالمنا العربي كله، وقد أبرزتهم أحداث العراق وسورية وأحداث مصر الأخيرة، وللإنصاف فإن من الليبراليين والعلمانيين من بقي ملتزماً بما نادى به ولكنهم قلة.
العلمانيون والليبراليون أكثر من ينادي بالديمقراطية بحسب مفهومها الغربي، وهي الانتقال السلمي من حكم ديمقراطي إلى حكم ديمقراطي آخر يضمن فيها كل الحقوق المشروعة للمواطنين. ولذلك فإن الديمقراطيين الشرفاء يقبلون حكومةً لا يتوافقون معها لأنها جاءت بطريقة ديمقراطية، وهم لا تهمهم الإيديولوجيات بل طريقة تحقيق النظام الديمقراطي. ولكن النوع الآخر من دعاة الديمقراطية الذين يعرفون فشلهم، ويدركون أنهم لن يصلوا إلى السلطة عن طريق النظام الديمقراطي، يعملون وبكل الوسائل القذرة على الوصول إلى السلطة بالقهر والاستبداد لأنهم يبحثون عن ديمقراطية بحسب مقاييسهم، تحقّق لهم السلطة ولو تحت حكم استبدادي، وتقصي مخالفيهم، ولا يعنيهم أن تبقى بلادهم متخلفة تسير وراء الركب أزمنةً كثيرةً لأن الحاكم المستبد لا يبني دولة ولا يقيم حضارة.
هذا النوع من المثقفين وجد له سنداً قوياً من الحكومات الأميركية - التي يتظاهرون بلعنها صباحاً ومساء- ولأن الحكومات الأميركية وجدت في هؤلاء تحقيقاً لمصالحها الاستراتيجية، فقد امتطتهم من أجل ذلك، متناسيةً أقوالهم، معتمدةً على أفعالهم. وقد لخّص الكاتب الأميركي ستيفن كينزر مؤلف كتاب «كل رجال الشاه» الموقف الأميركي من الديمقراطية قائلاً: «عندما أطحنا بحكومة ديمقراطية بإيران -يقصد حكومة محمد مصدق- قبل خمسين سنة بعثنا برسالةٍ لا إلى إيران وحسب بل إلى عموم منطقة الشرق الأوسط، وكان مفاد تلك الرسالة أن الولايات المتحدة لا تساند الحكومات الديمقراطية بل إنها تفضل وجود حكم رجل قوي يضمن وصولنا للنفط». وبطبيعة الحال فإن أميركا لا تزال ترسل وبكل وضوح مثل تلك الرسالة، وآخرها كانت رسالتها للانقلاب في مصر.
صنف المثقفين الذي أتحدّث عنه ظهر في أحداث سورية، ورأيناه متمثلاً في جملةٍ من مثقفي الخليج ولبنان ومصر، هذا بالإضافة إلى مثقّفي السلطة السورية سواءً أكانوا من العلمانيين أو من مدّعي التدين مثل المفتي وآخرين. هؤلاء يعرفون أن الأسد لم يأتِ بطريقة ديمقراطية بل ورث الحكم عن والده المستبد، فكان مستبداً مثله. كما أنهم يشاهدون يومياً حجم الجرائم التي يرتكبها، ومع هذا كله فالقتلة عندهم هم الشعب الذي خرج مطالباً بحريته! أما القاتل عندهم فهو حاكمٌ عادلٌ يحارب الإرهاب دفاعاً عن شعبه.
الحالة السورية رأيناها -ولازلنا- تتكرّر في مصر، ولكن بصورة مغايرة بعض الشيء، فالحاكم المصري السابق (محمد مرسي) جاء بانتخابات ديمقراطية نزيهة أشرف عليها القضاء وكذلك المجلس العسكري المعادي لمرسي وجماعته، وهو بهذا الفوز حقّق قواعد اللعبة الديمقراطية التي ينادى بها علمانيو مصر وليبراليوها، ولكنهم وجدوا أن مصالحهم لن تتحقق بوجود حاكم ديمقراطي نزيه، بل وجدوا أن مكاسبهم السابقة أصبحت مهدّدةً فكان لابد لهم من محاربة هذه الديمقراطية ولو على حساب حكم عسكري مستبد.
وحديثي هنا ليس عن السياسيين، بل عن مدّعي الثقافة الذين يفترض فيهم الحيدة والنزاهة والثبات على المبادئ التي طالما نادوا بها عبر كتبهم وعبر وسائل الاعلام المتنوعة. هؤلاء سقطوا سقوطاً مدوّياً، ومع معرفتي المسبقة بتلونهم إلا أنني لم أكن أتوقع أن يصلوا إلى هذا المستنقع الذي وصلوا إليه!
في الساعات الأولى للانقلاب العسكري في مصر، تمّ إغلاق مجموعة من القنوات الفضائية والصحف المحسوبة على المعارضة للانقلاب، وكذلك تم اعتقال مجموعة من الاعلاميين الذين يحملون التوجه نفسه، وظننت أن المثقفين إياهم سيقيمون الدنيا ولا يقعدونها انتصاراً للحريات التي ملأوا الدنيا ضجيجاً من أجل الدفاع عنها كما يزعمون، لكنهم لم يفعلوا، وليتهم اقتصروا على ذلك بل أنهم أخذوا يبرّرون لكل هذه الأفعال وما تلاها بمبررات مضحكة مخزية. ولو كانت هذه هي مواقفهم السابقة لما عتبت عليهم ولكنهم قاموا قبل ذلك بحملةٍ عنيفةٍ ضد مرسي عندما تم التحقيق مع أحدهم، فقد تباكوا على الحريات المهدرة، وتنادوا بصوت واحد لمواجهة القمع والإرهاب! ويتكرّر المشهد مرات متعددة وبنفس البؤس الفكري والعهر الاعلامي الذي يقل نظيره، فعندما قتل حوالي 250 متظاهراً وجُرح حوالي 5000 عند النصب التذكاري، وعندما قتل قبل ذلك حوالي 120 عند الحرس الجمهوري لم نسمع منهم تنديداً أو استنكاراً لما حدث! ومع أن الشواهد كلها تدين الجهات الأمنية، إلا أن هؤلاء المثقفين من الإعلاميين والكتّاب لم يجرأوا على قول كلمة إنصاف واحدة، وليتهم وقفوا عند هذا الحد، بل إنهم اتهموا المتظاهرين بتلك الجرائم مع أن كل القتلى منهم!
الذي يشاهد تلك المواقف ثم يتذكر ماذا قال هؤلاء عندما قتل أحد المتظاهرين أيام مرسي، يُصاب بالذهول من هول الفارق بين الموقفين، فالسيد البرادعي ومعه جمع من العلمانيين والليبراليين، طالبوا الحكومة بالاستقالة، لأن الحكومة - حسب زعمهم -التي تقتل فيها متظاهر لا تعد حكومة شرعية! حسناً يا سادة، وماذا عن الحكومة التي يقتل فيها المئات؟ لماذا لا تطالبون باستقالتها؟ صمتوا لأن الصمت هنا يحقق مصالحهم، أما المبادئ فهي تحت الأقدام... والمظاهرات التي كانت في نظرهم مشروعة حتى وإن كان فيها ما يخالف القانون، فقد وقف معها البرادعي وقال عنها «حتى وإن كان الاعتصام مخالفاً للقانون هل يتم فضّه بهمجية ووحشية هي في حد ذاتها مخالفة لكل القوانين الانسانية، ليس هكذا تدار الأوطان». هذا رأي البرادعي ومجموعته العلمانية والليبرالية قبل الانقلاب، ولكن موقفهم جميعاً انقلب إلى النقيض، فالمظاهرات السلمية يجب أن تُفضّ بالقوة مهما كانت النتائج، لأن في ذلك مصلحة المواطن والوطن! والواقع إنهم لا ينظرون إلى مصلحة أحدٍ بقدر نظرهم إلى مصالحهم والتي لن تتحقّق إلا بالقوة والقهر.
والعلمانيون لا يؤمنون بالدولة الدينية، ولكنهم في الحالة المصرية اصطفوا إلى جانب رمزين دينيين يمثلان الديانتين: الاسلامية والنصرانية، بالإضافة إلى رئيس حزب النور، وما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أن هذا الاصطفاف يحقق مصالحهم! لقد رفسوا مبادئهم كلها في سبيل تحقيق مصالحهم، وهذا يمثل قمة الانحطاط. أما نفاقهم، فيكفي أن أنقل ما قالته الصحافية المصرية غادة شريف في مقالها المنشور في «المصري اليوم» عن السيسي: «هذا رجل يعشقه المصريون، ولو عايز يقفل الأربع زوجات احنا تحت الطلب ولو عايزنا ملك يمين ما نغلاش عليه والله»! أرأيتم أوقح من هذا النفاق؟ وهل ترونه يتفق مع كرامة المرأة التي ينادون بها؟ بطبيعة الحال هذا مثالٌ واحدٌ، وإلا فالأمثلة على بؤس هؤلاء ووقاحتهم كثيرة.
مثقفو مصر من علمانيين وليبراليين، يطالبون بطمس هوية مصر الإسلامية، وإلغاء تراخيص الأحزاب الإسلامية، ولأنهم فشلوا في انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلس الشورى وكذلك فشلوا في إلغاء الدستور، فإنهم لم يجدوا أمامهم وسيلة للقفز على السلطة وتحقيق آمالهم إلا بالتحالف مع العسكر، ومع بعض الرموز الإسلامية والنصرانية. هذا العسكر وتلك الرموز التي طالما طالبوا بإقصائها عن السياسة فضلاً عن إدارة البلاد!
النفاق السياسي ليس وقفاً على مجموعة كبيرة من مثقفي مصر، بل إن معظم الليبراليين والعلمانيين العرب اتخذوا المنحى نفسه، فوقفوا مع الاستبداد، وصفقوا للعبودية، وأحلوا سفك الدماء، وهلّلوا لفتح السجون وكبت الحريات، كلّ ذلك من أجل سلطة زائفة كانوا يعرفون أنهم لن يصلوا إليها إلا بهذه الطريقة البائسة التي جعلت من المثقفين قيمة بائسة مزرية.
مصر بحاجة إلى ثورة على الأهواء والمكاسب الشخصية، وإلى حكومة تبني ولا تهدم، وإلى بعد عن الاستبداد والقهر والرشوة والتزوير، وإلى الالتحام بهويتها الاسلامية والعربية، لكي تكون قادرةً على القيام بدورها الطبيعي بين الدول العربية والاسلامية. أما دجاجلة المثقفين والإعلاميين ومدّعي التديّن فهؤلاء لهم مزبلة التاريخ.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 3979 - الإثنين 29 يوليو 2013م الموافق 20 رمضان 1434هـ
كلام حق أريد به باطل
لفيت لفه ورجعت إلى سوريا....ومصر ،سوريا رئسها يحبه فقط اللذين يعلمون بأنه ما تبقى من عزة العرب....أما النعاج اللذين لن تأتي على ذكرهم فهم ريشه على رأسهم تمجد وتسبح بهم وبالطبع لن ترشقهم بفلتات فكرك الشائن.....أما عن الإخوان المستسلمون فلن يرضيك أن يزالوا عن دفة الحكم حتى ولو كانوا خونة.......عجبي من المقارنة من الكتاب اللذين لا ترضى عنهم.....فأنت مثلهم أن كنت لا تدري.
رب ارجعوني . .....................................................
وأين ( رب ارجعوني 3. .................................) والتي كنت سأختم بها ما أصاب عقول الكتاب من سراب يحسبه الظمآن ماء ؟ حقا أنت حريصة أيتها الوسط رغم ما ابتليت به من بهائم العرب وقسوة الغرب. وستبقين كذلك ما دام شعارك قول أمير المؤمنين علي عليه السلام"الناس صنفان ، إما أخ لك في الدين أو نضير لك في الخلق "
عندما يبيع المثقفون
يااخي انت واحد من المثقفون
تتكلم عن سوريا ومصر
وتنسى الخليج
رب ارجعوني 2. ....................................................................
هل تعلم أن الذين يحاربون في سوريا هم خليط من أصقاع الأرض ممن تغلب المال على عقولهم أو ممن لبسوا الدين مقلوبا ؟؟وهل تعلم أنهم وإياكم تسعون من أجل إقامة دين يحارب كل المخالفين لهم في العقيدة الفاسدة ؟؟ هل تعلم أن الأسد يحارب أتباع الصهيونية والماسونية الغربية العربية ؟؟ وكل هذا من أجل أن لا يتسلط حاكم على ربوع سوريا فيوقف المد الأسدي لفلسطين ويرفع علم إسرائيل على شاهقة الشام الممانعة ؟؟حقا مكانكم هو مزبلة التأريخ.
رب ارجعوني 1. .....................................................
ما شأنك وسوريا الأسد يا صاح ؟ هل هانت عليك فلسطين بهذه الجرأة حتى تحاصرها أكثر مما حاصرها حبيبك مرسي حين رفع علم إسرائيل على سفارتها في أرض الكنانة وأصبح يهاجم سوريا الممانعة التي رخصت ملايينكم وأسلحتكم وأبناؤكم في سبيل إسقاط ما تبقى من سند لفلسطين ؟!؟ أنتم لا ترحمون ولا تتركون الغير يرحم القدس.....حقا مكانكم هو مزبلة التأريخ الذي سيقرؤه أبناؤكم.
البصري
عندما يبيع المثقفون ضمائرهم تصبح الحياه مقلوبه الحق باطل وصاحب الحق مدان ايه نعم ترى بعض من الناس على التواصل مالهم في تويتر يقول ان تأخر التقدم في العراق سببه المالكي في حين لا نراه يكترث بـــ 17سياره مفخخه و عبوات ناسفه في مناطق من المفروض تكون آمنه تسقط العشرات بين قتلى وجرحى في شهر الحرام وهجوم على المعتقل واخراج الكثير من سجناء الارهاب فمن السبب يا حضره الافندي ؟؟؟ المالكي لو منــــــــ
الأقربون اولى بالمعروف
للأسف انك ذكرت نصف البلاد التي يعاني شعوبها من مثقفوها الزائفون و التي تميل بهم رياح المال و الجاه و السلطة و تناسيت نصف البلاد الأخرى حاضنتك و جاراتها
المثقف تاجر مبادئ
هناك من يتثقف للثقافة و هناك من يتثقف لتسهيل التسلق. فى نظر الأخير الثقافة وسيلة لا أكثر و لا أقل و هم تجار رأس مالهم الثقافة يستعملونها للتملق و إثبات صحة أقوال و أفعال صاحب السلطة و التظاهر بالتوافق معه. فى أول فرصة يستغلون نفس الثقافة لتبرير تصرفاتهم و التبرأة من صاحب السلطة بعد سقوطه. راجعوا ما ينشر فى مصر عن الإعلاميين و الأساتذة و المثقفون عن ماضيهم قبل 25 يناير و بعده. هذه أمثلة و التاريخ مليء بهم.
مثلها فعل الاخوان
كل الذي قلته فعلها الاخوان ايضا