كان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام عالماً فذاً، وحكيماً بارعاً وفيلسوفاً حاذقاً، وأديباً مفوهاً، نال من البلاغة وقوة الخطابة وسرعة البديهة ما لم ينله أحد على مر العصور. فهو بحق معجزة الدهر، وقد صدق رسول الله (ص) عندما قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها».
أخذ منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى توليه سدة الخلافة يحث المسلمين على طلب العلم والمعرفة، وأدى ذلك إلى انتشار العلماء والأدباء والخطباء في عصره بشكل لم يسبق له مثيل. وبدأت المدرستان الكوفية والبصرية تلعبان دوراً بالغ الأهمية في الحياة الأدبية واللغوية، وبدأت قواعد اللغة العربية تبرز إلى الوجود في عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، كما انتشر الخط العربي بزخارفه وفنونه المختلفة.
وكان للإمام علي (ع) جهود خاصة في جمع القرآن. ويروي ابن النديم في فهرسته ذلك بقوله: «قال ابن المنادي: حدثني الحسن بن العباس، قال أخبرت عن عبدالرحمن بن أبي حماد، عن الحكم بن ظهير السدوسي، عن عبدخير عن علي (ع) أنه رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي (ص) فأقسم أنه لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه».
ويذكر صاحب «العقد الفريد» ابن عبد ربه مقالةً للإمام علي في فضل العلم تعتبر من أروع ما قيل في العلم، وتوضح مدى اهتمام عليٍّ بالعلم والعلماء. فيذكر ابن عبد ربه ذلك بقوله: «حدثنا أيوب بن سليمان قال: حدثنا عامر بن معاوية عن أحمد بن عمران الأخنس عن الوليد بن صالح الهاشمي، عن عبدالله بن عبدالرحمن الكوفي، عن أبي مخنف، عن كميل النخعي، قال: أخذ بيدي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فخرج بي إلى ناحية الجبانة، فلما أصحر (يعني بلغ الصحراء) تنفس الصعداء، ثم قال: يا كميل، إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، مع كل ريح يميلون، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
يا كميل، العلم خير من المال: العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، ومنفعة المال تزول بزواله.
يا كميل، مات خزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. ها إن هاهنا لعلماً جماً- وأشار بيده إلى صدره - لو وجدت له حَمَلَة. بلى! أجد لقِناً غير مأمون عليه، يستعمله آلة الدين للدنيا، ويستظهر بحجج الله على أوليائه، وبنعمه على عباده، أو منقاداً لحملة الحق ولا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة. لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، أو منهوماً باللذة، سلس القياد للشهوة، أو مغرماً بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب شبهاً بهما الأنعام السائمة. كذلك يموت العلم بموت حامليه. اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائمٍ بحجة الله إماماً ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا، وأين؟ أولئك والله الأقلون عدداً والأعظمون عند الله قدراً، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعونها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الإيمان حتى باشروا روح اليقين، فاستلانوا ما استخشن المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحها معلّقةٌ بالرفيق الأعلى.
يا كميل، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، آهٍ آهٍ، شوقاً إليهم. انصرف إذا شئت». ونظراً لأهمية هذه المقالة وما تحمله من معانٍ سامية، فقد ذكرتها العديد من أمهات الكتب العربية التي تعنى بالتراث العربي والإسلامي.
اهتم الإمام علي (ع) بنشر العلم بين المسلمين وطالبهم بالاغتراف من مناهله والتسلح به، فهو أفضل وسيلة لبقاء الإنسان وخلوده. وجاءت أقواله وحكمه وخطبه تبين مدى عمق تفكيره وفلسفته الواضحة التي أدت إلى تطوير المجتمع العربي ثقافياً وأدبياً، فبرز في عهده علماء اللغة وجهابذتها وجمهرة من الخطباء والمفكرين.
ومن بين ما قاله الإمام علي في فضل العلم نورد التالي: «منهومان لا يشبعان، طالبُ علمٍ وطالبُ دنيا». تعلّموا العلم فإن تعلّمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة وهو عند الله لأهله قربة». «أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به»، «العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثُلِم في الإسلام ثلمةٌ لا يسدها إلا خلف منه». «كفى بالعلم شرفاً أن يدّعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذماً أن يبرأ منه من هو فيه». «قيمة كل امرئ ما يحسنه»... وفي هذا الصدد قال شعراً:
ما الفضل إلا لأهل العـلم إنهـم
على الهدى لمن استـــهدى أدلاء
وقيمة المرء ما قد كان يحسنه
والجاهلـون لأهــل العلم أعداء
فقـم بعلم ولا تـطلب بـه بـدلاً
فالناس موتى وأهل العلم أحياء
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 3978 - الأحد 28 يوليو 2013م الموافق 19 رمضان 1434هـ
سلام عليك ياعلي
هذا قائدي وبه أمضي رافعا رأسي
ياللأسف.. أف لأمة بخست حق هذا الجبل العظيم. أمثل علي يشتم على منبر النبي؟
سلام الله عليك يا ابا الحسنين
هو في كل شيئ كبير وله درجة رفيعة رحمك الله يا امامي يا علي