لا أدري ما الحكمة في الفقه القانوني البحريني، لأن يتألف قانون العقوبات من آلاف من الصفحات، ليجمع العقوبات وهي ألوف مؤلفة، والتي تترتب على مخالفات جميع القوانين الأخرى، في جميع مناحي الحياة، دون الإشارة للقانون المعني قبالة كل عقوبة، بل هو يعدد أوصافاً لأفعال، يعيد تصنيفها إلى مخالفات وتجاوزات وجنح وجرائم، ويعيد تصنيف كل منها إلى درجات، وينصّ على عقوباتها، لتتعدّد وتتكرر نفس العقوبة مئات المرات، وكلها تتلخص في الحبس لمدد، بدءًا من 24 ساعة حتى المؤبد بخمس وعشرين سنة، والغرامة المالية بدءًا من بضعة دنانير إلى مئات ألوفها، وأحياناً كثيرة، هناك الجمع بين هاتين العقوبتين.
فالحبس إجبار يتحقق، أما الغرامة، فخيار من يملك المال، ويغفل قانون العقوبات كما المواد الجزائية في القوانين الأخرى، عن موضوعات مثل الإصلاح والتأهيل وخدمة المجتمع، ويبيح القانون إجراءات التوقيف للمتهم البريء، الذي لم تثبت إدانته بعد بحكم قضائي، لمدد تصل إلى الشهور، حسب التقدير القضائي للمحقق، حتى دون توصيف لأجواء السجن المودع فيه هذا المتهم أو ذاك، باختلاف التهم. وقد غفل أيضاً النص على عقوبات أفعال بعينها، بالإقامة الجبرية في مسكن المتهم، أو التعهد بالحضور للتحقيق، حال وقت الاستدعاء، فإن لم يستجب، فيجر على ذلك بالقانون. وغفل أيضاً عن العقوبات الخيارية، وتغليظ العقوبة بالجبر شرط عدم تنفيذها من قبل المعاقب خياراً، مع منع منح الخيار في حال الخرق بالتعهد، وقانون العقوبات، تشير إليه بعض القوانين الأخرى لعقوباتها أيضاً.
وعلى الرغم من قول البعض، أن قانون العقوبات، مخصّصٌ للأفعال الجنحية والجرمية التي لم يصدر لها قانون خاص، إلا أنه تمدد في عقوباته بآلاف الصفحات، التي تجعل من المدعي يفاضل بين عقوباته، وخاصة عندما تكون المدعية سلطات الدولة، ضد متهم معارض لسياساتها، فإنها تكيف التهم بما توده عقاباً للمتهم، والأساس هو توصيف الفعل الذي أتاه المتهم، دون التكييف بالإشارة حسب العقوبة، فالفعل هو الأصل والعقوبة لاحقة عليه ولازمة له.
ولنعطي مثالاً على ذلك، فالتظاهر والتجمعات للمطالبة، حق مكفول بالدستور، والقوانين الأممية التي تعلو على القوانين المحلية حال اختلافها، إلا أن رغم ذلك فقانون التجمعات المحلي هو رسم لنظام يشرع التجمعات في الأصل، ويضع لها الضوابط التي لا تُسقِط الحق الدستوري فيها، وينص على عقوبات مخالفي هذه الضوابط، ولكن مع نص متناقض مفاده في أصل القانون الصادر في 5 سبتمبر 1973، أي قبل مرحلة قانون أمن الدولة، وسرى إلى ما بعدها إلى تاريخ تعديله في 20 يونيو 2011، «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينصّ عليها أي قانون آخر نافذ المفعول عن الأعمال ذاتها»، وفي تعديله «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر». ففي القانون الأصل تتعدد العقوبات بتعدد القوانين، وتطبق العقوبة الأشد من بينها على ذات الفعل، بمعنى يحق للمدعي (السلطات) أن تطبق على الجاني أي عقوبة تودها، من هذا القانون أو ذاك، والفعل واحد، أما في التعديل، فقد حدّد العقوبة الأشد بالتخصيص في قانون العقوبات، ثم وسعها إلى أي قانون آخر، إلا أنه لم يحدّد ذات الفعل أو غيره، بمعنى أنه فتح المجال للمدعي (السلطات) أن تعاقب الجاني كيفما شاءت من القوانين، بتكييف الفعل حسب ما تود من العقوبات. ثم أن قانون التجمعات لم يحدّد عدد المجتمعين، بل حدّدته إجراءات تنفيذ القانون بقرار الوزير بأكثر من خمسة، وهذا نص قانوني وليس إجرائياً وفيه تطاول على القانون.
فجمع من ستة متظاهرين على رصيف شارع، أو في ساحة على أحد جانبيه، تطالهم أهواء السلطات بعقوبات مختارة من عدة قوانين، إضافةً إلى تجاوز السلطات بتكييف الفعل حتى قبل وقوعه، حسب نص الفقرة الأولى من المادة 4 في القانون الأصل وغير المعدلة في التعديل اللاحق، ونصها «لا يجوز للمدير العام للشرطة منع اجتماع عام تم الإخطار عنه على النحو المبين في هذا القانون، إلا إذا كان من شأنه الإخلال بالأمن أو النظام العام أو حسن الآداب بسبب الغاية منه أو بسبب ظروف الزمان والمكان الملابسة له أو لأي سبب خطير غير ذلك»، والحكم بذلك راجع للمدير العام للشرطة بالظن وليس اليقين أو الفعل القائم.
وأيضاً حسب المبدأ الدستوري، أنه «لاجريمة ولا عقاب إلا بقانون» بمعنى أن كل جريمة تُعَيّن وتٌحدد، وينص قانونها على عقوبتها، ولذلك جاء النص الدستوري بمفردة «قانون» ليخص الجريمة وعقابها، وليس مفردة «القانون» لتعم كل القوانين. والمبدأ الدستوري الآخر بشأن العقوبات، «العقوبة شخصية»، فلا يجوز أن تتجاوز الفاعل شخصياً، وتطال غيره إلا بقدر مساهمته في تشجيعها، وليس له منعها أو عقابها، فالمنع من اختصاص قوات الأمن، والعقاب من اختصاص القضاء، ونفس المبدأ ينسحب على إجراءات القبض والصد والمنع أيضاً.
لذا نرفع سؤالاً لأهل الفقه القانوني والدستوري: أليس الأجدى أن تصدر القوانين بالنص على توصيف تجاوزاتها، والنصّ على عقوبات تلك التجاوزات، تحديداً، وفي أشخاص مقترفي التجاوزات؟
تنويه: أدين بالفضل لكتب الدكتور حسين محمد البحارنة في الشأن الدستوري والقانوني وآخرين.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 3977 - السبت 27 يوليو 2013م الموافق 18 رمضان 1434هـ
قانون يسأل عن قواعد بلا شدود ولها حدود - مو في قواعد إذا لا بد من وجود حدود
كيف يكون قانون عقوبات أو للعقوبات قانو؟؟– اليس القانون فيه حكم – حدود وله قواعد ومبادئ ومن خالفها أي من لم يلتزم بها فهناك جزاء أو دفع جزية عن المخالفة التي أرتكبة. وهذا ليس بخفي عن من درس فقه القوانين وقوانبن الفقه أيضا. فليس القانون من يحدد المخالفه أو الخطاء . وهنا وجوب - وزنها ومقايسته ومقارنتها ومعادلتها لكي يقر الجزاء. ويش في ها النونمه شهود عدل وقاضاة يقضون حاجات الناس ومن يفصل أو يحكم بين الناس عليه أن يزن ويتزن ولا يتسر على المخالفين ويقول الحق ولو على نفسه ولا يخاف في قاضي مال تها.
مقال ممتاز
بارك الله فيك
التوصيف جميل
ليس لي إلا أن أشكر لك هذا التوصيف الجميل، وهذه الحرقة على بلدنا العزيز، فأنت ابن بار بهذا الوطن وتستحق كل تقدير وعرفان..
كفوا عليك
انت فعلا يا ابن بلادي رجل في زمن قلت فيه الرجال وانت رمز جميل للمواطنة
اين العدالة
الأخ يعقوب: هل تعلم ان إحدى القضايا - لا أدلة ، لا عنوان واضح ، لا بصمات، ، لا أداة للجريمة ، لا تحقيق عادل ، لا جثه محددة حيث تم ترحيل الجثة بدون شهادة وفاة ، تناقض بالاقوال بين الجهات الرسمية ،