انعقد في اسطنبول، عاصمة الحراك الشعبي التركي، خلال 21 – 24 يونيو الماضي، وبتنظيم من منظمة «فريدوم هاوس» (بيت الحرية)، و«لا سلام بلا عدالة» (No Peace without Justice) منتدى العدالة الانتقالية.
المنتدى دُعي إليه خبراء ونشطاء حقوقيون من عدد من البلدان والمنظمات التي تعاطت أو تتعاطى مع العدالة الانتقالية. وفي حين عرض الخبراء آليات وتبعات العدالة الانتقالية، فقد عرض نشطاء حقوقيون تجارب من أفغانستان وبورما وقرغيزستان وزيمبابوي وكينيا والسودان وساحل العاج والمكسيك، وجنوب إفريقيا وايرلندا الشمالية، كما عرض نشطاء من البحرين وسورية متوجبات المستقل. والهدف من استعراض التجارب السابقة، هو الاستفادة منها لإنفاذ العدالة الانتقالية في البلدان التي تشهد نزاعات أو اضطرابات أو حروباً، ويتوجب عليها أن تنجز العدالة الانتقالية.
الأرضية للنقاش
قدمت ، خبيرة «فريدوم هاوس» ليزا ديفيز ورقة بعنوان «النضال ضد التسلط هو النضال لئلا تمحى الذاكرة»، حيث استعرضت التطورات فيما يخص العدالة الانتقالية سواءً تجارب العدالة الانتقالية وعمومياتها وخصوصياتها في عدد من البلدان بظروفها وآلياتها السياسية والقانونية، ومترتباتها وآثارها، ونجاحاتها وإخفاقاتها، وما يجمع وما يختلف فيما بينها.
كما عرضت لتطورات القانون الدولي في هذا الخصوص، وأهمها انبثاق المحاكم الدولية الخاصة لرواندا ويوغسلافيا السابقة وليبيريا، ثم المحكمة الجنائية الدولية. والغرض من ذلك هو فهم أفضل لأنجع السبل لإنفاذ العدالة الانتقالية وآلياتها وإطارها الدستوري والقانوني، بما ينصف الضحايا، ويلأم الجراح، ويخلق أرضيةً للانتقال من وضعية سابقة اتسمت بالعنف والظلم والانتقام والانقسام، إلى وضعيةٍ تتّسم بالتسامح والسلام والاندماج.
كما عرضت السيدة ليزا جهود «فريدوم هاوس» في هذا الصدد، حيث أقامت العديد من الورش في عدد من بلدان العالم التي شهدت نزاعات وانخرطت في عملية العدالة الانتقالية أو يتوجب عليها الانخراط في ذلك. ونذكر هنا أنه قبل مرحلة إبعاد المنظمات الدولية عن التواجد في البحرين وتحريم التعامل معها من قبل منظمات المجتمع المدني، فقد كان لـ «فريدوم هاوس» -إلى جانب منظمات دولية حقوقية أخرى- نشاطات وفعاليات عديدة.
دور المجتمع المدني
بدأت الجلسة المخصصة لاستعراض دور منظمات المجتمع المدني ومنظمات رعاية الضحايا، من أجل خلق وعي جماهيري بضرورة العدالة الانتقالية، والضغط على النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة مثل الحكومة والبرلمان والقضاء، وباستخدام جميع الوسائل خصوصاً وسائط الإعلام التقليدية والإلكترونية والعمل الجماهيري، لإنفاذ عملية العدالة الانتقالية. كذلك عرض لمشاركة منظمات المجتمع المدني وأهالي الضحايا فعلياً في عملية العدالة الانتقالية، إلى جانب مؤسسات الدولة من لجان تحقيق ومحاكم وغيرها.
وقد عرض كلٌّ من الحاضرين تجاربه في هذا الشأن والتي تراوحت فعاليتها وحدودها. ومن الملاحظ أنه في البلدان حيث يكون المجتمع المدني قوياً كما هو الحال في جنوب إفريقيا والمكسيك وكينيا، وحيث يكون هناك حماسٌ من الحكومة أو النظام لإنفاذ العدالة الانتقالية كما هو الحال في جنوب إفريقيا والمكسيك وايرلندا الشمالية، فقد تحقّقت نجاحات، أما في البلدان حيث الحكومات غير راغبة في إنفاذ العدالة الانتقالية، حتى لو كان فيها منظمات مجتمع مدني نشطة مثل باقي الدول كالبحرين وقرغيزستان وزيمبابوي، أو منغمسة في حرب كسورية والسودان وأفغانستان، فإن العدالة الانتقالية مؤجّلة أو محدودة جداً.
ومع ذلك فإن هناك نضالات بطولية وجهداً مثابراً رغم كل العنت الرسمي، حيث تحققت بعض النتائج التي يمكن البناء عليها، كما في البحرين وأفغانستان. وفي هذا الصدد تعتبر تجربة جنوب إفريقيا هي الأفضل، حيث تظافرت الإرادة السياسية للنظام الجديد بقيادة تاريخية لنيلسون مانديلا، ومشاركة سياسية ومجتمعية، في إنفاذ العدالة الانتقالية دون انتقام، ولأم الجراح، لتسهم في إنهاء قبضة نظام الفصل العنصري وتدشين نظام المواطنة المتساوية وتعاون مكونات المجتمع الجنوب إفريقي من سود وبيض وملونين. (يتبع).
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3977 - السبت 27 يوليو 2013م الموافق 18 رمضان 1434هـ