العدد 3976 - الجمعة 26 يوليو 2013م الموافق 17 رمضان 1434هـ

«الكوز» وتحضير «الأظفار» البحرينية الشهيرة

بدأنا في الفصول السابقة البحث في الأختام الصدفية، وقد اتضح أن صناعة هذه الأختام مرتبط بالصناعات الصدفية في دلمون بصورة عامة؛ وعليه بدأنا في تفاصيل الصناعات الصدفية في حقبة دلمون. هناك ندرة في الدراسات المتخصصة حول الأصداف في البحرين بصورة عامة، سواء تلك التي تتناول الأصداف في الحقب الدلمونية أو التي تتناولها في الحقب الحديثة، وإن غالبية المعلومات حول أهمية الأصداف في البحرين، في الماضي أو الحاضر، متناثرة بين الكتب والدراسات الأخرى غير المتخصصة. ربما يكون سبب ذلك هو عدم الوعي بأهمية هذا النوع من الدراسات، على رغم أهميتها لارتباطها بصناعات مهمة ربما كانت رائجة في البحرين منذ حقبة دلمون، وأيضاً ارتباطها بطقوس دفن معينة، وكذلك، فإن الأصداف تستعمل كنوع من الدلائل على عملية التجارة حيث تكون هناك عملية استيراد لأنواع معينة من الأصداف من مناطق جغرافية معينة.

لقد قضيت سنوات طويلة في جمع المعلومات التي تتعلق بالأصداف في البحرين، ولاسيما، المعلومات الشفهية غير الموثقة وخصوصاً المتعلقة بالأسماء العامية، ومطابقة ذلك بالأسماء العلمية والعربية، ويبدو أن هناك تراثاً ثقافياً ضخماً حول الأصداف لم يوثق بعد، أو وثق ولكن ليس بالصورة العلمية الصحيحة. وهناك سلسلة مقالات طويلة حول «الأصداف والتراث البحري المفقود» سنتناولها بالتفصيل لاحقاً. ولكن ما يهمنا في الوقت الراهن هو الصناعات الصدفية في حقبة دلمون وامتدادها للحقب الإسلامية المبكرة. وقد تناولنا في الفصل السابق تحضير الصبغة الأرجوانية من حيوان «الكوز»، وسنتناول في هذا الفصل تحضير «الأظفار» من هذا الحيوان نفسه أي «الكوز».

الكوز والظفر

الظفر وجمعها أظفار وهو غطاء شبيه بالقرص الدائري تستعمله الحيوانات الرخوية التي تعيش في القواقع وذلك لغلق فتحة القوقعة، ويعرف الظفر في الكتب العلمية باسم operculum. واشتهر ظفر حيوان الكوز وأنواع أخرى من عائلة الكوز muricidae نفسها والتي توجد في الهند وسواحل الخليج العربي، وربما استخدمت أنواع من القواقع من غير هذه العائلة. وقد عرفت أظفار الكوز باسم «أظفار الطيب»، وهذا الغطاء يتم حرقه والتبخر بدخانه كنوع من الأدوية. هذه الأظفار مازالت معروفة على سواحل الخليج العربي، حتى أن القوقعة التي يؤخذ منها الظفر مازالت تعرف باسم لون ظفرها فهناك «كوز بو ظفر أسود» وكوز بو ظفر أحمر». ويرجح أن أظفار حيوان الكوز قد تم استعمالها منذ الألف الثاني قبل الميلاد؛ فالكوز كان حينها يستخدم لاستخلاص الصبغة الأرجوانية من غدته الظهرية وفي الوقت نفسه يستخدم ظفره، هذا وقد تم العثور على كميات من ظفر حيوان الكوز وذلك في حطام سفينة فينيقية عثر عليها في البحر المتوسط بالقرب من تركيا (Mienis 2000).

وقد نقل ابن البيطار في كتابه «مفردات الأدوية والأغذية» وصفاً لأظفار الطيب نقلاً عن ديسقوريدوس (40 – 90م):

«ديسقوريدوس في الثانية: هو غطاء صنف من ذوات الصدف، وهو شبيه بصدف «الفرفير» يوجد بالهند في البلاد القائمة المياه المنبتة للناردين، ورائحته عطرية لأن هذا الحيوان يرتعي الناردين ويجمع إذا جفت المياه في الصيف، وقد يؤتى بشيء منه يوجد على ساحل القلزم، ولونه إلى البياض ما هو دسم، وأما الذي يؤتى به مما يوجد على ناحية بابل فإن لونه أسود وهو أصغر منه وكلاهما طيب الرائحة إذا بخر بهما كان في رائحتهما شيء يسير من رائحة جندبادستر، وهذان أيضاً إذا بخر بهما النساء اللاتي عرض لهن اختناق من وجع الأرحام نفعهن، وينفع الذين يصرعون، وإذا شربا لينا البطن، وهذا الحيوان إن أحرق كما هو فعل مثل ما يفعله قرقوراً والقروقس».

والفرفير الذي ذكره ديسقوريدوس في الأصل هو purpura عربه ابن البيطار إلى الفرفير، ومازال الاسم purpura متعارفاً عليه حتى يومنا هذا كاسم جنس لأحد القواقع من عائلة الكوز نفسها أي عائلة muricidae.

وتسمي العرب الحيوان الذي يؤخذ منه الظفر باسم «الدَّوْلَعَةُ»، جاء في معجم تاج العروس: «الدَّوْلَعَةُ: صَدَفَةٌ مُتَحَوِّيَةٌ، إِذا أَصابَهَا ضَبْحُ النّارِ خَرَجَ مِنْهَا كهَيْئِة الظُّفُرِ، فيُسْتَلُّ قَدْرَ إِصْبَعٍ، هذا الأَظْفَارُ الَّذِي في القُسْطِ، وأَنْشَدَ لِلشَّمَرْدَلِ: دَوْلَعَةٌ تَسْتَلُّها بِظُفْرِها».

أما الدميري في كتابه «حياة الحيوان الكبرى» فقد أسماها «عطار».

أظفار البحرين وشهرتها

لقد اشتهرت البحرين قديماً كمصدر لنوع من «الأظفار» الذي يستخدم كدواء يتبخر به، والمرجح أن مصدر هذه الأظفار هو «الكوز» Hexaplex kuesterianus، وقد خص يحيى بن ماسويه (777م – 857م) أظافر البحرين بالذكر لأنها الأشهر والأكثر جودة، ونص ما جاء في كتاب ابن ماسويه «جواهر الطيب المفردة بأسمائها وصفاتها ومعادنها»: «الأظفار أجناس فمنها الماشماهية يؤتى بها من البحرين وهي أجودها تدخل في الدُخَن... وهي قشور دابة في البحر بمنزلة الأصداف ملتزقة بلحم فتنصل في مواضعها وهي إلى الحمرة... تكون بساحل جدة وناحية البحرين وهي تعالج بعد سلق بشيء تغمس فيه فتطيب» (ص 42 بحسب ترقيم مخطوطة مكتبة جامعة لايبزيك www.refaiya.uni-leipzig.de).

وقد ذكرنا في الفصل السابق العثور على كميات كبيرة من بقايا قواقع «الكوز» في موقع سوق الخميس في البلاد القديم والتي تعود للفترة ما بين القرنين الثامن والثالث عشر الميلادي، أي في الحقبة نفسها التي اشتهرت فيها البحرين بتصدير أنواع من «الأظفار».

هل كانت هذه الأظفار تصنع منذ الحقب الدلمونية؟. بالطبع لا يمكننا الإجابة، ولا يمكننا الجزم بمدى شهرة البحرين بتحضير «الأظفار»؛ لأننا مازلنا نحتاج للمزيد من الدراسات الأثرية المتخصصة لدراسة بقايا الأصداف، كماً ونوعاً، وتحديد الصناعات الصدفية التي كانت موجودة في الحقب الدلمونية، والحقب اللاحقة.

العدد 3976 - الجمعة 26 يوليو 2013م الموافق 17 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً