يعرف البعض الحيادية في الإعلام بأنها وقوف الإعلام على مسافة واحدة من الجميع، بحيث يترك للمتلقي حرية اكتشاف الحقيقة، ويعرفها آخرون بأنها انحياز الوسيلة الإعلامية للحقيقة.
إن سؤال الحيادية الإعلامية طرح كثيراً وتناولته أقلام متعددة خصوصاً بعد الثورات العربية، كما جرى الحديث عنه قبل ذلك بعد احتلال أميركا لأفغانستان والعراق، وقد اتفق الجميع -حسب معرفتي- بأن الحيادية أمر مستحيل، إذ أن الإعلام كله يخضع لسياسات بعينها، كما أنه يخضع لمالكيه سواءً أكانوا دولاً أم أفراداً، وهو بالتالي يعبّر عن وجهات نظرهم. وإذا كانت الحيادية مستحيلة فإن السؤال هنا ليس عن وجودها بل عن نسبة ذلك الوجود في هذا الإعلام أو ذاك.
وسؤال الحيادية ليس محصوراً في الإعلام العربي ولكنه يشمل أيضاً الإعلام الغربي والأميركي الذي كثر الحديث عن تجاوزاته ابتداءً من غزو أفغانستان والعراق وحتى الآن. بل إن بعض الباحثين يتحدث عن ممارسة الأميركان ضغوطاً هائلةً على الإعلام العربي لكي يزيّف الحقائق تماشياً مع مصالح الأميركان في المنطقة، وأحياناً يقوم الأميركان بتزييف إعلامهم إرضاءً لبعض الأنظمة العربية أو غيرها، خصوصاً إذا تلاقت المصالح لكي لا يطلع الأميركان على الحقائق التي يرغب ساستهم في إخفائها، أو إظهارها بالصورة التي تحقق مصالحهم. ولعلنا نتذكر كيف أن هذا الإعلام سوّق فكرة وجود أسلحة دمار شامل في العراق لكي يقنع الشعب الأميركي والشعوب الأخرى بمشروعية غزو العراق حفاظاً على أرواح الشعوب المجاورة وتخليص العالم من دكتاتورية لا مثيل لها!
وقد تجاوز الأميركان مرحلة تزييف الحقائق إلى مرحلة أشد خطورة لم يسبقهم إليها أحد، وهي مرحلة قتل الصحافيين لكي تبقى الحقائق في طيّ الكتمان. وكلنا يعرف كيف أنهم قتلوا مراسل «الجزيرة» طارق أيوب بصاروخ أطلق عليه من طائرة العام 2003، كما أنهم قصفوا فندق فلسطين في بغداد الذي كان يقيم فيه أكثر من مئة مراسل حيث مات بعضهم وجرح العشرات. ولعلنا لا ننسى كيف أنهم قصفوا قناة «الجزيرة» في أفغانستان والعراق، وكل ذلك وسواه يؤكد أن الحديث عن حيادية الإعلام عند أكبر الديمقراطيات حديث زائف لا قيمة له.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للديمقراطيات العريقة فكيف هو بالنسبة لبلادنا العربية التي لاتزال تحبو حيث يتحرك إعلامها خطوةً إلى الأمام ثم يتراجع بعدها خطوات إلى الخلف! إن حالة الإعلام المصري هذه الأيام دليل على تردّي الإعلام وانحيازه إلى طرف دون آخر، بل وشيطنته للطرف الآخر بهدف إسقاطه، مستخدماً كل أنواع الأكاذيب. فقد سوّغ هذا الإعلام للانقلاب العسكري وأعطاه الشرعية الكاملة، بينما أظهر المطالبين بعودة رئيسهم المعزول والتي تمتلئ بهم الميادين المصرية وكأنهم مجموعةٌ من الخارجين على القانون، أو كأنهم إرهابيون في أحيان أخرى.
ولفهم هذا الموقف المتلون علينا أن نعرف أن القنوات الخاصة في مصر مملوكةٌ لرجال أعمال لهم مصالحهم الخاصة التي يحرصون على تحقيقها، وهم يعرفون مدى تأثير الإعلام في تسهيل حصولهم على تلك المصالح. ومن أجل ذلك فهم يدفعون للإعلاميين المؤهلين للقيام بأدوار قذرة مقابل الحصول على المال، وقد نجحوا في ذلك إلى حدٍّ كبير. وهناك أيضاً قنوات حكومية وهي الأخرى تتناغم مصالحها مع مصالح قنوات رجال الأعمال في هذه المرحلة، فهما بالتالي تجتمعان على تزييف كثير من الحقائق لكي تتحقق أهدافهما.
إن كثيراً من الفشل لازم عمليات التزييف لأن الظروف تغيّرت، ومصادر المعلومات تعدّدت وأصبح الجمهور قادراً على كشف الحقائق. ومما ساعد على ذلك كثيراً أن عقلية بعض الإعلاميين ومن يقودهم ويوجّههم تشبه إلى حد كبير عقلية الإعلاميين في عهد جمال عبد الناصر. ولم يدرك هؤلاء أن الزمن غير الزمن، وأن تضليل الإعلام لم يعد كما كان عليه الحال في تلك الأيام، ففضيحة مذبحة الحرس الجمهوري التي حاول الإعلام إلصاقها بأنصار مرسي لم تصمد أمام الحقيقة التي كشفها مراسل «الغارديان» باتريك كينغلي بأدلة دامغة، هذا فضلاً عن شهادة الشهود الذين يتحدّثون عن مشاهداتهم مباشرة. ومثلها فضيحة رمي الأطفال من فوق إحدى عمائر الإسكندرية التي أراد الإعلام منها لصق تهم الإرهاب بأنصار الرئيس المعزول مرسي، لكنهم فشلوا فيها أيضاً رغم محاولاتهم البائسة، وهذه بعض أمثلة... وإلا فهي كثيرة لا يستوعبها مقال واحد!
ومن صور عدم الحيادية إقصاء المخالفين لتوجهات ملاك القنوات وموّجهي سياستها والتركيز على الموالين لهم، وسبب ذلك محاولة إقناع المشاهدين بصحة ما ينشرونه لكي يصلوا بهم إلى ما يريدون منهم من مواقف خاصة تصب في صالحهم، وقد كان هذا واضحاً في كل القنوات المصرية وبطريقة فجّة في بعض الأحيان!
الشئ الذي أريد تأكيده أن هذا النوع من الإعلام البائس ليس وقفاً على مصر وحدها، فتواجده واضح في معظم بلادنا العربية، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر الدولة ومن يقف في صفها، أما الآخرون فهم إلى الإقصاء أقرب، هذا إذا لم يوضعوا في أماكن أخرى!
الإعلام البائس قد يحقّق بعض أهدافه أحياناً، لكنه يخفق في أحيان كثيرة. قد ينجح في شيطنة مخالفيه لكي يعطي الذريعة للسلطة لضرب خصومها وتصفيتهم أو سجنهم بحجة المحافظة على السلم الأهلي وأمن المجتمع وسلامة أفراده! ولكن الشعوب -كما قلت- لم تعد تنطلي عليهم تلك التمثيليات المتكررة، فالوعي تغيّر كثيراً، وتقدمت الشعوب على إعلامها البائس وأصبحت تدرك ما يراد منها.
من مصلحة الإعلام وملاكه أن يغيّروا سياستهم، وأن يواكبوا عقليات شعوبهم، وأن يدركوا أن الحقائق وحدها هي القادرة على إقناع الناس وكسب مودتهم وتعاطفهم.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 3973 - الثلثاء 23 يوليو 2013م الموافق 14 رمضان 1434هـ
كلامك فيه من الصحة
ومثلها فضيحة رمي الأطفال من فوق إحدى عمائر الإسكندرية التي أراد الإعلام منها لصق تهم الإرهاب بأنصار الرئيس المعزول مرسي، لكنهم فشلوا فيها أيضاً رغم محاولاتهم البائسة،
كلام بعضه غير صحيح فما يسمون بالاخوان من المؤكد بأنهم يقومون بمثل هذه الأعمال فالذي يقطع الرؤوس ويغتصب ويستبيح ويقتل الناس على الهوية ليس بغرابة أن يقوم بأي عمل غير انساني لأنه أساسا فاقد للانسانية
لكن تستطيع أن تقول بان الاخوان أداة تحركها أمريكا كيف تشاء في جميع دول العالم
اريد ان انقل تلك الفقرة لبعض صحفنا ( الحمراء والزرقاء والبيضاء) بعد اذنك
الإعلام البائس قد يحقّق بعض أهدافه أحياناً، لكنه يخفق في أحيان كثيرة. قد ينجح في شيطنة مخالفيه لكي يعطي الذريعة للسلطة لضرب خصومها وتصفيتهم أو سجنهم بحجة المحافظة على السلم الأهلي وأمن المجتمع وسلامة أفراده! ولكن الشعوب -كما قلت- لم تعد تنطلي عليهم تلك التمثيليات المتكررة، فالوعي تغيّر كثيراً، وتقدمت الشعوب على إعلامها البائس وأصبحت تدرك ما يراد منها.
سنابسيون
اي والله صدقت ولهذا السبب لا اقرأ الاعلام العربي ولا اثق فيه وانما اتابع البي بي سي او السي ان ان واذا رغبت في القراءه فأنني اتابع عبدالباري عطوان في القدس اما اعلامنا المحلي فأن حياديته ميتة من زمان وغسلوها ودفنوها وبعد صلوا عليها فلا نعرف حيادية ابدا