في شهر رمضان من العام 1357هـ (1938م) برزت حركة وطنية مطالبة بالإصلاح الإداري والسياسي في ظلّ سلطة الحماية البريطانية، تبنتها مجموعتان في البحرين كل منهما تدعم الأخرى، وكان لرجل بارز من المنامة دورٌ في المجموعتين باعتباره من كبار التجار والوجهاء الحكمة في البلاد.
المجموعة الأولى، وكان هو من ضمنها، تكونت من محمد على التاجر، وعبدعلى العليوات، وأحمد بن خميس، وسيد سعيد سيد خلف، وسيد أحمد العلوي، ومحسن التاجر، والشيخ باقر بن أحمد آل عصفور، والشيخ عبدالله بن محمد صالح، وعلى بن مرهون، وأحمد بن سلوم، وعبدالرسول بن رجب.
المجموعة الثانية، مكوّنة من التجار: يوسف فخرو، ويوسف بن كانو، وخليل المؤيد، وعبدالرحمن الزياني.
وتمخّضت حركة المجموعتين عن ظهور أول وثيقة إصلاحية مشتركة بينهما وجامعة لمطالب التجار والعمال، والتي برز فيها بحق دور رجل المنامة من خلال رؤيته البعيدة لما يجري بثاقب بصيرته، ومن باب حرصه على تكاتف الصف الوطني بشقيه في البحرين، ونبذ التفرقة الطائفية الدخيلة بين أطياف الشعب البحريني.
ولذا ففي 19 رمضان من العام 1357هـ (12 نوفمبر/تشرين الثاني 1938) ساهم الرجل مع أربع شخصيات أخرى، اثنان من إخوانه السنة واثنان من إخوانه الشيعة، في رصّ صفوف الحركة الشعبية وتوحيد مطالبها، فقاموا بتوقيع وإصدار أول وثيقة مشتركة تمثل الطائفتين الكريمتين. وقد وقّع على تلك الوثيقة الإصلاحية البحرينية الأولي؛ خمسة أسماء كانت تنظر للأفضل فيما ينفع البلاد والعباد، وهم: يوسف فخرو، وسيد سعيد بن السيد خلف، ومحسن التاجر، وعيسى بن صالح هندي، ورجل المنامة.
رجل المنامة هذا هو من أسرة بحرينية تُعد من أشهر الأسر العربية العريقة في البحرين، وفي شبه الجزيرة العربية وكذلك في بعض دول منطقة الخليج والعراق. سكنت جزر البحرين منذ أوائل القرن الثامن عشر للميلاد، وتنتمي من حيث الجدّ إلى عالم الدين الشيخ على بن ملا محمد المشهور بالعريضي المنامي البحراني، كما يشير إلى ذلك محمد علي التاجر في المجلد الثالث من كتابه «منتظم الدرين»، حين يصف جد العائلة العريضية بـ «العالم الفقيه الفاضل الذكيّ البهيّ، الشيخ على بن محمد العريضي المنامي البحراني».
وترسّخت جذور أسرة العريض في البحرين، كما يقول عبدالكريم العريض، فتصاهرت مع أعرق الأسر وأشهرها في البلاد مثل: آل عصفور، آل ماجد، السيد عبدالجبار في البلاد القديم وفي توبلي، آل صفر، آل رضي، الزيرة، القاروني، العلوي، الماحوزي، الجشي، المقابي، بن رجب، الموسوي، أبو ديب، المحروس، آل ماجد، القطري، العليوات، البصري، بن منصور، المخرق، بن ضيف، وغيرهم.
من تلك السلسة العربية الأصيلة جاء رجل المنامة منصور بن محمد حسين بن سالم بن محمد بن الشيخ علي بن ملا محمد العريض حيث وُلد في البحرين عام 1896.
وقد كان منصور العريض في العقد الثاني من القرن العشرين من أهم رموز زمن اللؤلؤ وملاك الأراضي، إلا أنه اختلف عنهم بأن تفتقت عقليته الاقتصادية عن استثمار جديد في الأرض والعقارات والمشاريع الزراعية. فقد قام بشراء قطعة أرض كبيرة مترامية الأطراف عام 1924 تمتد من قلعة الشرطة إلى «المغيثة»، وهي المنطقة المغمورة بمياه البحر والتي كانت تسمى (بحر أبو غزال). وعلى تلك الأرض الشاسعة بدأ مشروعه الزراعي، وهو بحق أول مشروع زراعي متكامل اعتماداً على الإنتاج المحلي في البحرين، ومن خلاله وفّر رجل المنامة فرص عمل كثيرة لأهل البحرين. كما ساهم في حلّ مشكلة الإسكان قبل أن تفكر فيها الدولة، ومشروع «السقيّة»، الذي ابتكره بالأقساط المريحة، شاهدٌ على ذلك.
لم يكن منصور العريض رجلاً اقتصادياً قديراً من الطراز الأول مع مطلع القرن العشرين في البحرين فحسب؛ بل إنه كان على إطلاع ومتابعة دقيقة وواعية لكل مفاصل الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد. ولذا كان أهل الحكم والسياسة والقوى الوطنية يلجأون إليه في كثير من الاستشارات التي تخدم مواقفهم أو تحل معضلة معينة أو إشكالاً سياسياً معقداً، خصوصاً في ظل حكومة المستشار البريطاني (تشارلز بلجريف).
من هنا لابد من فهم دور منصور العريض كأحد أهم الذين طالبوا بالإصلاح الإداري والقضائي في البحرين، واضعاً نصب عينيه ضرورة من ضروريات التحضر وهي مواكبة حركة التطور العالمية في إدارة الدول والحكومات. ولذا، كما يقول جعفر المخرق، ابن أخت منصور العريض، بأن المكانة السياسية لخاله منصور كانت عاليةً جداً عند أهل الحكم في البحرين في تلك الفترة، وخصوصاً لدى بلجريف والشيخ حمد بن عيسى ثم الشيخ سلمان بن حمد. حتى أن الشيخ سلمان - والعهدة على الراوي - كان يستمع له جيداً، وكان يثق باثنين من السياسيين والاقتصاديين في البحرين، وهما منصور العريض وأحمد يوسف فخرو، لأنهما «نظاف» في الأخلاق السياسية، فهما لم يكونا يتدليان إلى الحكام ويطلبان لنفسيهما شيئاً أبداً، بل جُلّ مطالبهما لكل الناس من أهل البحرين. وكانا يتكلمان كلمة الحق وليس لديهما مصالح خاصة بهما ليدافعا عنها ويتملقا الحكام من أجلها. فهما كانا كبار القامة قولاً وفعلا مقارنةً مع زماننا هذا الذي تقزّم فيه البعض لما تحت الصفر!
وقد تجلت حنكة رجل المنامة في فترة الخمسينيات في الساحة البحرينية، حيث عمل من أجل الوطن والناس بلا فرق بين فرد وآخر إلا بما هو يستحقه من حقوق وما عليه من واجبات. لم يُدخل أنفه في التجاذب السياسي ولا المصالح الفئوية الضيقة لفئةٍ من المواطنين على حساب الآخرين، ولا شغله زرع الألغام في دهاليز الصراع السياسي في البلاد. بل كان يعمل من منطلق بصيرته، فكان موضع ثقة الجميع واستشارة الجميع من الحكام والسلطات الإنجليزية ورموز الحركة الوطنية.
عاش رجل المنامة، منصور العريض، مكافحاً وإنساناً أريحياً حظي بحب الناس بسبب مساعدته لهم وفق رؤيته الحضارية، ولذا بقي اسمه عنواناً للصدق وعشق الأرض والوطن الواحد. وطن الجميع دون هضم حقوق الآخر، ودون الأحقاد وزرع الفتن هنا وهناك لمصلحة آنية زائلة.
هكذا عاش رجلٌ حقيقيٌ من أيام الزمن الجميل اسمه... منصور العريض.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3972 - الإثنين 22 يوليو 2013م الموافق 13 رمضان 1434هـ
الله يرحمك يا جدي منصور العريض ويرحم والدي الغالي الحبيب محمد خليل منصور العريض كان جدي ووالدي نعم الرجال .لم أرى ولن أرى مثل والدي محمد خليل منصور العريض في حنانه وعطائه وحبه للناس كافة دون تميز وقلبه المفتوح للجميع .وصبره الذي يفوق الحدود وحنانه اللامحدود وذكائه المتميز .
هو البحريني
هذا بحق من يمثل البحريني السني والشيعي معا
الله يرحمك يا جدي
جدي المرحوم محمد علي التاجر صاحب اشهر وأقدم مكتبة في البحرين
شكرا
هذلين الرجال الي يشرفونا يعملون في التجاره بجد وااخلاص ويعرفون ان المشاكل تأثر علي تجارتهم وعلي ارزاق الناس بالتالي يقومون علي المحافضه علي استتاب الامور حتي ينعمون وينعمون وشكرا علي هذا المقال الرائع
هكدا كان
كنا صغارا نلعب في البراحه المقابله لمنزله وامام ماتم بن رجب . كان رحمه الله رجلا حنونا وحين نراه يخرج من مجلسه بصحبة كبار تجار اللؤلؤ نتوقف عن اللعب والصراخ احتراما لأولائك الرجال الشرفاء . لاتزال مغالم بيته باقية الي الان كشاهد علي مكانة ومقام هدا الرجل الكبير . شكرا علي هدا المقال الدي ارجعنا لداك الزمن الجميل ورجاله المخلصين .