إذا استطاعوا، لن يتركوا لكم يقيناً أو أملاً بأن الشمس تشرق من جهة، وتغرب من جهة أخرى. ذلك أقصى الغرور الذي يمكن أن يبلغوه. وإذا استطاعوا، سيحاول إعلامهم إقناع الذين ينتظرون مؤونة الفصول، بأن الظلم في هذا الزمان غاية العقل ومنتهى رجاحته، وأن العدل مفسْدة وإخلال بالنظام الذي اعتاد عليه البشر وأدمنوه، وإذا استطاعوا سيحاولون إقناع حتى الذين هم في غيبوبة بقدرتهم على نقض النظرية النسبية لأينشتاين، والدخول في تحدٍّ مع بول بوت في سباقي 100 و200 متر لتحطيم أرقامه القياسية «المزعومة»!
***
الهروب من المشكلات والملفات المعقدة لا يختلف عن هروب أحدهم من مشكلاته بتعاطي المخدرات. تعاطي السياسة العربية اليوم مع مشكلات الأوطان والمواطنين هو في الصميم من ذلك. معظم المتحدثين الرسميين باسم تلك السياسات هم «مسطولون» إن بمحتوى أو لغة الخطاب الذي يتوجّهون به إلى الناس. يتعاملون مع الناس أيضاً باعتبارهم «مساطيل»!
المشكلة أن من وضعت الخطابات لهم يزدادون صحوةً يوماً بعد يوم. المشكلة أن الذين يثرثرون أمام الكاميرات ووسائل الإعلام كأنهم في غيبوبة؛ بل هم كذلك!
***
ما الذي تغيّر؟ النماذج حاضرة!
جاء في كتاب «الإمامة والسياسة» لابن قتيبة في جزئه الثاني ص 42: «قال خالد بن عبدالله القسري (قائد أموي، كان والياً على العراق زمن هشام بن عبدالملك، ذمّه كثير من المؤرخين، لولوغه في الدم، أشهر ذلك الولوغ ذبحه للجعد بن درهم أسفل المنبر بعد خطبة عيد الأضحى)، وقد كان ظهره إلى الكعبة قد استند إليها: والله لو علمت أن عبدالملك لا يرضى عني إلا بنقضي هذا البيت حجراً حجراً لنقضْته في مرضاته»!
اعتراف عنصري وبغصّة... اليوم ولو كنت هاشمياً فأنت صفوي!
يُروى أن عبدالملك بن مروان دخل المسجد الحرام، فرأى حلق الذكر والعلم، فأُعجب بها كل الإعجاب وجعل يتأمّل ويبتسم، ثم أشار إلى أخرى فقال: لمن هذه؟ فقيل: لميمون بن مهران (عالم الجزيرة ومفتيها، أعتقته امرأة من بني نصر بن معاوية بالكوفة)، وأشار إلى أخرى وقال لمن هذه؟ فقيل: لمجاهد (مجاهد بن جبر مولى السائب بن أبي السائب، إمام وفقيه وكثير الحديث)، وأشار إلى أخرى وقال لمن هذه؟ فقيل: لمكحول (مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل بن سند بن شروان بن يزدك بن يغوث بن كسرى، عالم فقيه حافظ، عالم أهل الشام)، وكلهم من أبناء الفرس. فتعجّب من ذلك، فلما رجع إلى منزله جمع أحياء دمشق وقال: يا معشر قريش: كنّا فيما قد علمتم، فمنّ الله علينا بمحمد وبهذا الدّين القويم، فحقّرتموه حتى غلبكم أبناء الفرس، فلم يرد عليه أحد، إلا عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقال: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم». ثم قال عبدالملك: «أرأيت كهذا الحيّ من الفرْس؟ ملكوا من أول الدنيا الدهر فما احتاجوا إلينا، وملكناهم فلم نستغنِ عنهم ساعة».
ما الذي تغيّر؟ كلاكيت «ثاني مرة»!
أرسل ابن المقفّع (أبومحمد عبدالله روزبة بن دادويه، مفكّر فارسي اعتنق الإسلام وعاصر كلاً من الخلافتين الأموية والعباسية)، للخليفة العباسي أبي جعفر المنصور كتاباً صغير الحجم عظيم القيمة أسماه «رسالة الصحابة»، نصح فيه الخليفة بحُسْن اختيار معاونيه وحسن سياسة الرعية؛ فعوقب لأنه تجرّأ على النصح والإرشاد، بتقطيع أطرافه قطعة قطعة «وأحمى له تنّوراً، وجعل يقطّعه إرباً إرباً ويلقيه في ذلك التنّور حتى حرقه كله، وهو ينظر إلى أطرافه كيف تقطّع ثم تُحرق».
ما الذي تغيّر؟ كلاكيت «ثالث مرة»!
قال إبراهيم الموصلي (واحد من أشهر المغنّين في العصر العباسي، ولد بالكوفة سنة 742م): «والله لو عاش لنا الهادي (ترتيبه الرابع في الخلافة العباسية، موسى بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العبّاس بن عبدالمطلب بن هاشم) لبنينا حيطان دُورنا بالذهب». ذلك أن الهادي بن المهدي أعطاه مرّة 50 ألف دينار لأنه غنّاه ثلاثة أبيات أطْربتْه!
ما الذي تغيّر منذ آلاف ومئات وعشرات السنين، في خلوّ الضمير وتغييبه؟ كأن التاريخ في نهاية المطاف يستنسخ الذين يؤزّمون الحاضر. كأن التاريخ لا يعدو كونه: Cut & Paste!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3971 - الأحد 21 يوليو 2013م الموافق 12 رمضان 1434هـ
لو ما الاعداء لكنا على قلب واحد
اتمنى ان ترجع التاريخ والمسلمين على قلب واحد ويقسمون ما بينهم الثروات والخيرات من غير عنصريه والعرب والفرس يتشابهون في الحميه والغيره والبطولات وحبهم لمحمد وآل محمد
أشباه رجال أو أشباه النساء رجال مستنسخات وتقليد على بعض
هذا ليس بسر وليس من الخفيات أن الضمير يرتبط بالذمة والذمه بالصدق والأمانة والعفة وعدم الخيانه.. فالله لا يحب الخائنين كما لا يحب المعتدين كما لا يحب المبذرين ولا يحب كل مختال فخور وحتى الجهر بالسوء من القول.. لا يحبه كذلك. خيانة الانسان لنفسه – خيانة عضمى ما بعدها خيانه للأمانة التي في عنقه. فقد أمنه الله على نفسه وأصبح أو صار مو راعيها عند ما تخلى عنها.. ويش الواحد بعد يمكن يسترسل في تقديم بقية الحالات إلا أن هذه أهمها. فمتى ما لم يكن الانسان قادراً على رعاية نفسه فكيف سيرعى ويحافظ على غيره؟
ولله
ولله إني قرئته ثلاث مرات أتأمل في المعاني وأتخيل الواقع اتألم أندهش؟!!!! ما اشبه اليوم بل بارحه !!!
في خلو الضمير.
سلام عليكم أحسنت أجت الوصف والتشبيه أيها الجمري المناضل فالتاريخ يعبد نفسه وشكرا لك على هذا المقال الهادف ( درازي أصيل )
راااااااااااااااااااااااااائع
مقال رائع غني بالمعلومات ... و السهام
وفقك الله