بما أن «المساءلة التربوية» مهمة ومطلوبة، فيا ترى ما مفهومها؟ وكيف نشأت؟ وما أبرز سماتها؟ وما أبرز المشاكل التي تواجهها؟ وما أهميتها بالنسبة لمشروع تحسين أداء المدارس البحرينية؟
ثمة تعريفات للمساءلة التربوية، وأبرزها أنها تمثل مصدراً للمعلومات المطلوبة لمعرفة مستوى أداء العاملين في المؤسسات التربوية والتعليمية والتحكم في الممارسات التعليمية وتصحيح مساراتها، وقياس مدى كفاءة العاملين ونزاهتهم وتقبلهم للنقد الموضوعي والتغيير والإصلاح في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة.
في «المساءلة التربوية» هناك الرئيس الذي يقوم بمساءلة مرؤوسيه على أدائهم، والإجابة عن الأسئلة والاستفسارات المتعلقة بنتاجات التعلّم، وهي تعدُّ من المفاهيم الحديثة التي ظهرت في الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي، كنتيجة طبيعية للإقبال المتزايد على التعليم والاستثمار فيه من جهة، والقلق الذي عاشه المواطنون الأميركيون بشأن قدرة التعليم على التناغم مع حاجات المجتمع ومتطلباته من جهة أخرى.
إن الغاية من «المساءلة التربوية» تحسين الأداء، وهو الأمر الذي نرغب في مناقشته ضمن ما بات يعرف بمشروع تحسين أداء المدارس. ونتفق جميعاً بأن العامل أو الموظف كائناً من كان، هو مسئول عن أدائه في العمل، ومن هنا فنحن نعتقد بأن «المساءلة التربوية» هي الركن الأساس الذي يقوم عليه مشروع تحسين أداء المدارس.
ليس من المعقول، كلما دار الحديث عن ضرورة تحسين أداء المدارس أن نسترجع الماضي وكيف أن التعليم كان أفضل من الآن بكثير، حيث كان الوضع مريحاً وكان الموجّه أو الاختصاصي التربوي يزور المعلم مرةً واحدةً في الفصل الدراسي أو العام الدراسي بأكمله، ولا رقيب ولا حسيب آنذاك بحجة الثقة المتبادلة، وبأن على (المقيّم الخارجي) أن يتفق مسبقاً على توقيت الزيارة الصفية لكي يأخذ المعلم بدوره احتياطه، أو الإشادة بالمخرجات التعليمية قديماً وكيف كانت أفضل بكثير من الآن مع التقدم الملحوظ على الصعيد التكنولوجي، دون مقارنتها بتحديات العولمة والتطور الكمي في أعداد المتعلمين اليوم ونسبة الملتحقين بالمدارس والكثافة الطلابية العالية في الصفوف الدراسية التي تصل أحياناً إلى الأربعين طالباً وطالبة؛ وضغط نصاب الحصص للمعلمين الذي يصل إلى عشرين حصة في الأسبوع؛ وقناعة المعلمين أنفسهم بعدم جدوى وفاعلية أسلوب التلقين في التدريس (علماً بأن التلقين كان هو العمود الفقري والسائد في التعليم قديماً، حيث كان المعلم هو الملقي والمتعلم مجرد متلقٍ سلبي يطأطئ رأسه بين الفينة والأخرى أمام المعلّم، بأنه قد فهم واستوعب الدرس دون قيامه بأي نشاط أو مبادرة في العملية التعليمية التعلمية)، وضرورة اعتماد استراتيجيات وطرائق تدريس حديثة وفعالة كما في التجارب الرائدة بالدول المتقدمة في التعليم، والتي نحرص كل الحرص على إرسال وابتعاث أبنائنا وبناتنا الطلبة إليها اعتقاداً منا بأنها الأفضل لهم، والبحث كذلك عن آلية علمية وموضوعية في عملية التقييم تضمن حقوق المعلمين وكافة العاملين بالمؤسسة التعليمية كنظام إدارة الأداء (PMS) وطرح مفهوم جديد وثقافة جديدة على أسس دقيقة لوضع حد للخروقات والتجاوزات في نظام الترقيات والمكافآت ومنح الحوافز التي كانت تقوم ـ وللأسف الشديد ـ على أساس المحسوبيات والواسطات والشلليات وغير ذلك.
بتصورنا، فإن الخلل لا يكمن في «المساءلة التربوية» ذاتها بقدر ما تواجهنا جملة من التحديات والمشاكل عند التطبيق، وأهم تلك المشكلات تحديد الأولويات لأنواع المسئولية، فالمعلمون على وجه الخصوص واقعون تحت الضغط النفسي لكثرة وتزاحم متطلبات مشروع التحسين وغياب المهم والأهم فيها.
طبعاً، «المساءلة التربوية» تكون عديمة المعنى مع غياب «الوصف الوظيفي للمعلم» الذي يُراد له أن يكون «سوبر»، فعلام يُساءل المعلم إذن؟
بالتأكيد، لا أقصد المهام الأساسية للمعلم كالتحضير الجيد للدرس والمشاركة في لجان الامتحانات والتصحيح والمراقبات وغير ذلك، وإنما في الإعلان عن حالة الطوارئ في ملاحقة المعلمين بشكل يومي ومنفّر في كل صغيرة وكبيرة كتسليم دفاتر التحضير يومياً أو الزيارات الصفية المفاجئة والعشوائية التي تقوم بها فرق التحسين في التنظير التربوي دون أن يكون البعض منهم أصلاً مؤهّلاً للقيام بذلك، والدليل أننا لم نشاهدهم بعدُ وهم يقدّمون للمعلمين درساً نموذجياً لكي يتعلموا من خبراتهم التربوية!
كل ما في الأمر بأن على المعلم أن يفعل كذا وكذا من المسائل المجترة التي أضحت محل استخفاف الطلبة قبل المعلمين أنفسهم؛ لأن الطريقة التي يدخل بها بعض هؤلاء أو رؤساء المدارس إلى الصفوف لا توحي بالتحسين سوى التصيّد والتفتيش ليس إلا، خصوصاً أن البعض منهم يدخل من غير استئذان بحجة أن لديهم صلاحيات واسعة، وهذه رسالةٌ سلبيةٌ جداً يتلقاها الطالب/الطالبة الذي يتعلم في المدرسة آداب الاستئذان، أو ما يعانيه المعلمون في الفسحة الواحدة أو الفسحتين، وهما وقت راحة المعلمين والطلبة رغم قصرهما، أو على التواجد اليومي في الطابور الصباحي دون توزيع المهام على المعلمين بالتساوي، أو تكليف المعلمين القيام ببعض الأعمال الإدارية التي لا علاقة لهم بها كتوزيع جداول الامتحانات أو النتائج على الطلبة وما شابه ذلك من المهام والأعمال الخارجة عن نطاق مهامهم.
في المحصلة النهائية، تبقى «المساءلة التربوية» ضرورية لإصلاح التعليم، ولكن لن تقوم لها قائمة طالما لم تحدد المسئوليات ولا المعايير الصحيحة في اختيار الكفاءات التي من المفترض أن تسأل ولا تُساءل!
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3970 - السبت 20 يوليو 2013م الموافق 11 رمضان 1434هـ
مهام سوبر مان
صدقني لو يعطون سوبر مان هذه المهام عجز عن ادائها
المدارس والتدريس ماساة حقيقية , معاناة مرة ، احباط مستمر اما التحسن فهم مفتشون ومدققون وباحثون عن الثغرات المرتاح فيها من تطوعوا أخيرا في هذه الوزارة اكل ومرعى وقلة صنعة