العدد 3969 - الجمعة 19 يوليو 2013م الموافق 10 رمضان 1434هـ

رحلة «منتظرون» للبحث عن المخلّص في أوبريت مسرحي «سفر»

على صالة بريستيج

عذاري - حبيب حيدر

«لن تذوق طعم الشوق ما دام قلبك مشدوداً بالدنيا» هكذا خاطب الفنان جعفر الحلواجي زميله فيصل النشابة في الأوبريت المسرحي «سفر» في عرض استمر على مدى ثلاثة أيام من 14 إلى 17 يوليو/ تموز الجاري على منصة صالة بريستيج قرب منتزه عذاري قدمته فرقة «منتظرون» الإنشادية من إخراج محمد خضر، وتقديم مجموعة من الفنانين والمنشدين، وبرعاية جمعية سيد الشهداء.

يقدم الأوبريت حكاية مجموعة من البحارة بينما يت داولون أطراف الحديث عن الزمن الجميل تهب عليهم عاصفة، وتحطم سفينتهم، وترمي بهم على أرض جزيرة مهجورة، فينجو من بينهم الفنان جعفر الحلوجي والذي يبحث في هذه الجزيرة عن الأمل في النجاة والخلاص. بعد فترة يعثر على قرية يجد فيها بعضاً من أصدقائه وقد تبدّلت أحوالهم في ثلاثة شخوص أساسية بين تاجر، وباحث، وعابد، والذين يبحثون مثله عن الأمل في الخلاص والنجاة والمنقذ، ولكن كل على طريقته الخاصة. هنا تدور حوارات بينهم وبينه حول البحث عن المنقذ والخلاص، فيمر كل منهم بتجربته الخاصة إلى أن يظهر بصيص من النور فيظلون منشدين إليه متبينين صواب الطريق الذي أرشدهم إليه صاحبهم الرابع وتنتهي المسرحية وهم يحدقون في كوة النور القادمة من أمامهم.

من البحر إلى الجزيرة

عبر حوارين طويلين نسبياً، الأول يجري وسط البحر، والثاني على جزيرة متخيلة حاول المخرج تقديم عرضه متجاوزاً المسافة بين الواقع والمتخيل، ففي حين يأخذنا البحر إلى حوارات الواقع تأخذنا الجزيرة إلى حوارات المتخيل، حيث يتداول البحارة وهم على متن السفينة كلاماً عن الزمن الماضي الجميل ومواويله وذكرياته العذبة التي ذهبت همومها ولم يبقَ منها سوى الذكرى العبقة، وشيء من الطرائف والنوادر على لسان يوسف القصاب، وحسين غروف وحسن القطري في دور البحارة، بينما يكون الحوار الثاني على أرض الجزيرة حواراً ذهنياً مع شخصيات ذات قالب واحد بين تاجر وعابد وباحث.

وفي تؤدة ومهارة وحنكة قدم دور التاجر الفنان فيصل النشابة وقد بدت عليه آثار النعمة والوجاهة، بينما مثل دور العابد المنشغل بالدعاء والتلاوة والذكر في انتظار المخلص الفنان سيدحسين البوري، أما دور الباحث المشغول بالكتب والقراءة والاطلاع فقد قدّمه الفنان محمد ميرزا، بينما حمل الفنان جعفر الحلواجي في دور البطولة على عاتقه أن يوصل بين الحوارات المختلفة بدأب وجلد، وسحنة متصلبة، مع إتقان ظل محافظاً عليه إلى آخر العرض سواء في صمته وسط البحر أو وهو يواجه الصعاب والحوارات المختلفة على الجزيرة.

من الواقعي إلى الذهني

المتأمل في المستويين من الحكاية بدءًا من المستوى الواقعي في البحر إلى المستوى الذهني على الجزيرة، يجد أن الحلواجي ظل صامتاً جامداً على متن السفينة وظللنا مشدودين متسائلين عن سر صمته، إذ لم يأخذ دوره من الحركة والكلام سوى في الجزء الثاني أثناء تلك الحوارات الذهنية والمناقشات العاصفة، وكأنه كان يعيش خارج الحكاية الأولى في البداية، وفي وسط الحكاية الثانية، ولكن بشيء من التأمل وكونه الواصل بين الحكايتين نجد أنه منذ تلك الجلسة الصامتة ربما كان ممهداً للحدث القادم وهي العاصفة التي ستنقله إلى الأجواء القادمة من نقاشات ومداخلات وصراع مع أصحابه، وربما لعله منذ البداية كان يعيش هذه العاصفة الفكرية على المستوى الذهني الداخلي، وما سكوته سوى الصمت الذي يسبق العاصفة، أو ربما أن العاصفة لم تكن سوى حكاية تجري في ذهنه وعبر هذا العرض انتقلت تلك العاصفة الفكرية الداخلية إلى أرض الواقع.

ولعل هذه الإيحاءات التي يمكن أن تتوالى في البحث عن وصلة بين الحكايتين هي ما كان يستطيع المخرج أن يجليها ليصنع الرابط وليكثف التشابك بين المستويين في الحكايتين إذ ظل يحتفظ المشهد الأول في البحر بطابعه الواقعي المباشر بينما حافظ المشهد الثاني على مستواه الذهني وهو ما كان يحتاج إلى شيء من التحبيك والوصل.

تأثيث المكان مسرحياً

تعبأت مخيلة العرض على مستوى المكان بثلاثة مشاهد أساسية ظلت ثابتة في مكانها طوال المسرحية حيث تأثث أقصى المنصة بالسفينة لتقديم قصة البحارة وثرثرتهم أثناء الرحلة قبل العاصفة وقد كانت السفينة تضيق بهم حيث كان يكفي أن تكون مجرد مكان وخلفية من غير الحاجة لأن يحصر الممثلون أنفسهم طوال العرض والحوار في هذه المساحة الضيقة، فكما اتسع ما حول السفينة لأن يصبح اليابسة في ذهن المتلقي كان كذلك ما حولها من مساحة بإمكانه أن يكون هو متن السفينة من غير أن يحصر الممثلون أنفسهم خلف جسد السفينة ولا يفارقونه.

أما وسط المنصة فقد تأثث بمشهد القرية بين دكان التاجر ومسجد العابد ومكتبة الباحث، وسط الجزيرة المتخيلة التي حط عليها البحارة الثلاثة وظلوا يتحاورون حتى آخر المسرحية إيذاناً باكتشاف بصيص النور بعد حسم الأمر وتخلصهم من أعباء هذه الأمكنة الثلاثة وانكشاف الغمة عن كل منهم وعزمهم على الرحيل مع الحلواجي للبحث عن المخلص.

بينما الجهة الثانية من المنصة فقد تأثثت في شكل مكان متخيل للمتاهة والتي امتلأت بأغصان الأشجار الميتة المتشابكة وقضبان من حديد وقيود وأقنعة ودخان يتطاير بين فترة وأخرى أشبه بمتاهة الدنيا التى لابد من عبورها للوصل للنجاة والبحث عن الأمل والمنقذ والخلاص.

مشاهد من ضوء

في هذا الأوبريت الممسرح «سفر» تتظافر مجموعة من الجهود الإبداعية مرة على مستوى الإنشاد الذي قدمته أصوات وألحان فرقة «منتظرون» وموسيقاها العذبة بتنويعاتها وإيقاعاتها المختلفة، ومرة على مستوى اللوحات الفنية التي ازدانت ببراءة الأطفال في حركتهم مع المجاميع وكذلك مشاهد الضوء التي توشّحت بالأبيض والأسود عبر الأيدي المتشابكة وحركة الأجساد المتراصة التي تم تصميمها وهندستها بشكل جيد لولا طولها وتكرارها، إلا أنها استطاعت أن تصنع فواصل رمزية موحية للحظات الصراع والترقب والانتظار، وانتصار الأمل.

رغم الملاحظات العابرة السريعة إلا أن الحاضر في هذا الأوبريت المسرحي سفر لا يكمنه إلا أن يشيد فعلاً بمستوى الدأب والتعب والجهود الفنية المبذولة التي حرصت على صنع الإبهار سواء عبر الإضاءة المشهدية أو الأداء في التمثيل أو الموسيقى والأصوات والألحان، وكل هذا التشابك الفني أسهم في إنجاز وتقديم هذا العمل المبدع.

بالإضافة إلى حرص القائمين على هذا الأوبريت على استضافة أسماء مهمة وأصوات مبدعة في مجال الإنشاد من مثل الأكرف أو العشيري أو الموسوي بما يضمن لجهدهم الظهور والنجاح بدا واضحاً للمشاهد سعي الجميع للتفاني والعطاء والحرص على التنظيم وإتقان العمل وإنجازه في أحسن صورة.

العدد 3969 - الجمعة 19 يوليو 2013م الموافق 10 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:36 م

      ليته لم ينتهي

      تعلمت الكثير و الكثير في هذا العمل و تمنيت ان لا ينتهي

    • زائر 12 زائر 7 | 4:07 م

      سفر وما ادراك ما سفر

      هذا العمل له ميزة خاصة و لقد عملت فيه و احسست بجو فريد احسست الامام بيننا .

    • زائر 6 | 12:02 م

      انتهى الحفل و ليته لم ينتهي

      حفلٌ كان اشبه ببحث تم تقديمه لنيل شهادة الدكتوراه، كان اخلاصاً من الشباب فقد استشعروا معنى الانتظار، حتى اصبحوا مع كل خطوه تلهج شفتاهم ب كلمة (يا مهدي).. ما زلنا بالانتظار.. كان حفلاً ليس ممسرحاً بل كان حفلاً حقيقياً.. انتهى و كأنه لم يبدأ.. انتهى و ليتهُ لم ينتهي..

    • زائر 10 زائر 6 | 6:54 م

      ليته

      ليته لم ينتهي..

    • زائر 5 | 8:10 ص

      عمل راقي جدا

      من خلال مشاهداتي للأعمال الفنية في البحرين لم أرى عملا فنيا ملتزما واحترافيا كسفر .. أشد على القائمين عليه وأتمنى لهم المزيد من التوفيق

    • زائر 4 | 6:51 ص

      رسالة

      نتمنى أن تكون هذه الأعمال مستمرة

    • زائر 3 | 6:38 ص

      عمل راقي

      عمل راقي جداً
      نشد على أيديهم لتقديم المزيد

    • زائر 2 | 6:37 ص

      عمل رائع

      عمل رائع ... رحم الله والديهم ... و نتمنى تكرار هذه الأعمال و دعمها

    • زائر 1 | 6:33 ص

      ابدااااااااع بمعنى الكلمة

      صراحة عمل جميل و متعوب عليه من قبل جمعية سيد الشهداء عليه السلام الخيرية الثقافية و مُنتظرون للإنشاد الإسلامي... الأوبريت الإنشادي و الأوبريت الممسرح اوصلا الفكرة للجمهور ليتحسسوا من وجود الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه.... يا صاحب الزمان

    • زائر 11 زائر 1 | 4:27 ص

      منتظرون تتقدم

      فرقة منتظرون تتقدم في هذا العمل و تتميز و نشد على سواعدها و ندعو المجتمع حضور فعاليتها و دعمها

اقرأ ايضاً