اللّغط الذي يدور حول موضوع الديمقراطية في طول وعرض بلاد العرب يحتٍّم طرح السؤال التالي: هل أن التركيبة النفسية – الذهنية – الثقافية لمجتمعات أمة العرب مجبولة على ممارسة اللّغط المنهك الممزّق العبثي المتّجه دائماً نحو التضخُّم والتعفُّن في آن واحد... مجبولة على ممارسة مثل هذا اللًغط حول كل قضية مجتمعية كبرى تواجهها تلك المجتمعات؟
دعنا نأخذ مثالين: أحدهما في التاريخ البعيد والآخر في الحاضر الذي نعيش. في التاريخ ذلك اللغط الذي دار حول موضوع الخلافة بعد موت النبي (ص) مباشرةً. فالنبي العبقري أقام وقاد وحكم دولة، وبعد وفاته كان لابدّ من انتقال تلك القيادة إلى من سيخلفه في حكم تلك الدولة.
لقد كان واضحاً أن المعيار الذي يجب أن يحكم عملية انتقال السلطة هو المبدأ الإسلامي القرآني الذي يتلخَّص في كلمة الشورى «وشاورهم في الأمر»، والشورى بإطلاقها القرآني لا يمكن إلاً أن تكون حق الأمة كلها، أو من كلفته الأمة ليمثّلها، في ممارسة الشورى وفي الترشيح لاستلام الخلافة. والأمر على إطلاقه هو يشمل كل شؤون الجماعة المشتركة بالنسبة لكل نواحي وأنشطة حياتها بما فيها نشاط الحكم.
لكن ما إن دفن الرسول حتى بدأ اللغط. أول اللّغط هو حول الجهة التي يجب أن ينتمي إليها الخليفة الجديد: هل الأفضلية لمن ينتمي للمهاجرين أم للأنصار أم للبيت الهاشمي؟ وتفرَّع ذلك النقاش إلى التفاضل القبلي وليس الديني فقط. فإذا كان العرب لا يدينون إلا لقريش، فإن الأفضلية لمن ينتمي لها.
ثمَ أقحم الموضوع الشائك المتعلق بوجود أو عدم وجود وصيّة نبويّة بشأن الخلافة. وكان ذلك تهيئةً ومدخلاً لأهوال الفتنة الكبرى في الإسلام الوليد، تلك الفتنة التي وصلت إلى ذروتها في معركة الجمل البائسة، لينتقل انقسام الأمًة من لغط سجالي سياسي، يضبطه الورع والخوف على الدين الوليد، إلى محاولة حسم ذلك الٌلغط بالسّيف وبموت الألوف.
وأخيراَ جاءت معركة صفّين الشهيرة ليسدل الستار على أصل الموضوع، وهو تطبيق مبدأ الشورى القرآني الملزم للأمة، وليدخل المسلمون في ليل الملك العضوض.
وإبّان كل ذلك وبعده تفجّرت السجالات الفقهية والكلامية حول موضوع الشورى: نوعه وأصحابه ومدى إلزاميته؛ وحول أنواع معارضة الحكم وإزالة الحاكم: عبر الثورة أم عبر أهل الحلّ والعقد أم عبر ديوان المظالم، وحول درء الفتنة.. إلخ.
ومن أجل تقوية هذا الرأي أو ذاك، كان لابد من الانقسامات الدينية المذهبية التي أدخلت في صراعات السياسة، والتي استعملت بانتهازية من قبل تحالف علني أو ضمني بين الكثيرين من سلاطين الاستبداد والكثيرين من فقهاء السلطان.
وهكذا استطاعت عبقرية العرب إبقاء ذلك اللّغط حياًً، بين مدّ وجزر، إلى يومنا هذا. بهذا أضاع العرب والمسلمون فرصةً تاريخيةً، عبر أكثر من أربعة عشر قرناً، من إمكانية تطوير مبدأ إسلامي عام ليقترب شيئاً فشيئاَ من نظام حكم يعتمد الأمة كمصدر للسلطات ومؤسسات حكم متوازنة، أي ليقترب من نظام حكم شبه ديمقراطي.
في زمننا الحديث وإلى يومنا الذي نعيش، يتعامل العرب مع موضوع الخلافة الديمقراطية بنفس منهجية لغط الخلافة الشورية. لازالت هناك محاولات لاختصار الأمًة في هذه الجماعة أو ذلك الحزب، أو تلك الجماعة العسكرية أو أهل ذلك المذهب أو تلك العائلة التاريخية. لازال هناك حنينٌ إلى اختصار الأمة في أهل الحل والعقد وازدراء لجموع «الغوغاء» الشعبية، وبالتالي فالديمقراطية لا تصلح لمجتمعات العرب.
وعبر قرن لم يتوقَّف اللغط حول مفهوم الديمقراطية، والمحدّدات الدينية التي يجب أن تحكمها، ومدى تماثلها مع مفاهيم الشورى التاريخية، ومعوقات الانتقال إليها، والمراحل الانتقالية التي يجب أن تسبق الأخذ بها، وحول تمثّلها في ديمقراطية سياسية أم اقتصادية أم في الاثنين. وفي المدة الأخيرة في مدى تمثّلها في خروج الملايين في الساحات والشوارع تحت مسمّى الديمقراطية الثورية.
وبالطبع هناك إشكاليات الديمقراطية والثقافة العربية الشعبية، والديمقراطية والخصوصية العربية، والديمقراطية والعلاقات البطريركية في العائلة العربية، والديمقراطية والرقابة عليها من قبل علماء الدين، والديمقراطية وضبطها من قبل المجالس الاستشارية المعيّنة، والديمقراطية وقضايا وحقوق المرأة، والديمقراطية والقبلية والعشائرية والعائلية، والديمقراطية وتدخّل العساكر لحمايتها، والديمقراطية والشرعية الانتخابية. إنها إشكاليات، بعضها حقيقي وبعضها متخيّل، ولكنها تطرح وتناقش ويجرى اللّغط من حولها في المؤتمرات ووسائل الإعلام وعلى صفحات الكتب والجرائد وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الجماهيري.
وها أن الربيع العربي الذي جاء كموجة ديمقراطية كبرى نجح البعض في إدخاله في ألف لغط ولغط، لتضيع الأهداف الأصلية وليحلّ محلّها لغط سياسي ومذهبي يمكن أن يقود إلى التشويه والحرف والإغواء، تماماً كما حدث للشورى في تاريخ ضياع الفرص.
قد يقول قائل بأن هذه النقاشات والاختلافات ضرورية لبلورة مسار ثابت. ما نأمله أن لا يحتاج ذلك لأربعة عشر قرناً آخر من الزمن الذي تفنّنا في إضاعته. من هنا أهمية الانتقال السريع للنضال من أجل الديمقراطية والانخراط في ممارستها بدلاً من ممارسة اللغط الذي لا ينتهي.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3968 - الخميس 18 يوليو 2013م الموافق 09 رمضان 1434هـ
اللغط الكثير لا يفيد، والناس تموت
الوقت أولا الواحد يعيش بسلام وحقوق الناس تجي، الكلام والفلسفة والهواش بالمنتديات واليوتيوب لا يفيد شيئا والناس تموت
اذا
الذين تبنوا مبدأ الشوري عندما انتقل النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم الي جوار ربه لماذا يرفضونه عليهم ؟ أم فصلوا لهم دين حسب طلبهم
هل كانت الشورى فعلا شورى حقيقية
الشورى تتطلب اما وجود رأي لكامل الأمة او على الأقل من ينوب عن هذه الأمة فأين تم ذلك وهل كل من ساهم في الشورى هو ممثل لكل المسلمين ومن اعطاهم هذا الحقّ
الشورى جاءت في امر معين وليس في امر الأمة ولكن لندع هذا الامر جانبا
اليست الديمقراطية طريق نحو الشورى والتشاور لماذا ترفضها الانظمة
لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي
لا احنا من الشورى في شيء ولا من الديمقراطية في شيء ايضا. نحن شعوب من يتولّى علينا يهلك الحرث والنسل ولا يسلّم الحكم الا بعد دماء واحتراب.
لم نجعل الاسلام معيارا ولا القيم الانسانية معيارا آخر
كل ما لدينا هو قذوة من أسوأ تواريخ الامم
ستراوي والهوى يحلى لي
40 نائب ذو توجه واحد يستلمون الهدايا والرواتب العالية و كلهم رموت كنترول ...امحق مجلس وامحق ديمقراطية ومقال رائع دكتور علي فخرو ونتظر منك الكثير وابقئ قلمك الشريف
مبدأ الشورى من القرآن لكن من يطبقه
اذا كان مبدأ الشورى من القرأن وملزم فما مفهومه الصحيح اولا وما موارده ومن يقدر على تطبيقه ثانيا. ثم لا تقس امر الدين والدنيا بخطورته كخلافة على حكم دنيوي في قطر صغير.
اعتقد فقط بالرجوع للمعصومين من ال محمد ستفهم ذلك.
نصف إلاه أو خير من إستأجرت القوي الأمين أو الأكفاء
ليس من الأسرار العظيمه لكنه ذا قيمه فالشورى ليست أصل أو أساس في الاسلام كما الاغلبيه وألأقليه في الديمقراطيه. فقد أكمل الدين ولم ينقصه الا مشورة قريش. لكن إن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم.. فقد أخذ بالشورى والمبايعه والخلافه بعد وفاة النبي (ص). وطريقة التشاور والمصالح أخذ بها في الديمقراطيه الأمريكية وليست الاسلامية أو اليونانيه. ففي حالة التصويت والانتخاب دون الأخذ بالقوي الأمين أو الأكفاء تحصل النتيجه كما الشورى. فلم تضيع الشورى بل أخذ بها للتغليب أما التصويت والانتخاب بدون مقياس العقل