يعلّمك الإعلام العربي الرسمي آخر صرعات الكذب والفبركة والنفاق والانسجام بعيداً من الواقع. الواقع - كما هو - عدو الإعلام العربي الرسمي؛ لذا يعمد إلى خلق وتوهّم واقعه الخاص الذي يفرضه لفرط تكراره على الناس. يسوّقه لهم كما تسوق منتجات الألبان وزيوت المحركات في الصيف وأيضاً إرشادات «ربط الحزام»!
***
كل هذه التشوّهات واستلاب وعي بعض البشر وغسل الأدمغة وحشوها بالترّهات والكذب والزيف، هو صنيعة إعلام متخلف وفاشل. كل ذلك الفعل والأثر لا يكشف ولا ينبئ عن عبقرية؛ بل ينبئ عن الدرك الأسفل من الممارسة والاطلاع بأدوار أقل ما يمكن أن يقال عنها، إنها متورطة في الخسّة والتفتيت والتدمير والانشطار.
***
الإنسان العادي في ظل إعلام مُجهِّل ومُستغفِل يحسب نفسه موكولاً بمهام خارقة. ذلك هو ما رمى إليه المفكّر العربي الأميركي الراحل إدوارد سعيد بقوله: «تلعب وسائل الإعلام الأميركية دوراً فائقاً في جعل الأميركي العادي يحسب أن الأمر متروك له ليصحح أخطاء العالم». ذلك هناك. هنا، وأعني في هيمنة دول وأنظمة على الآلة الإعلامية وكل مفصل من مفاصل الحياة، البشر كلهم عاديون وسواء في مواجهة تلك الآلة والذين من ورائها - هكذا تظن - فقط الذين أُريد لهم أن يكونوا شحم وزيت تلك الآلة، يمنحون قدْراً من اللاعادية باعتبارهم واجهة تلك الآلة؛ وكي لا تكون الآلة نفسها عادية!
***
معظم الإعلام الساذج الغبي الموجّه المُلقّم المُلقّن المشحون المُسيّر يريد أن يقول لمن يستقبله: نحن نحيا ونفكّر وننجب ونتنفس بالنيابة عنك. عليك أن تحرص على متابعة نشرة الأخبار التي لا تعنيك؛ ولكنها تعينك على علَفك. مثل ذلك الإظلام - الإعلام - ومن توكل مسئوليته لهم، يُنتج كليشيهات بشر. بشر محددين. بشر لا علاقة لهم بالبشر. رؤوسهم أوعية محشوّة وملقّمة بما يريد ويرى مثل ذلك الإعلام ومكنته الساذجة الغبية. ومكنة ساذجة وغبية لن تنتج بطبيعة الحال والواقع عباقرة ومصلحين ومحتجين بحق، ورافضين أسلوب تسيير الحياة بمنطق التَرِكة ومنطق الخزائن المُورّثة.
***
ما يؤكد ويعمّق غباء مثل ذلك الإعلام الذي يتوهّم قدرته على استغفال العالم في العام 2013، أنه عاجز عن فهم أنه لم يوجد أساساً لرفاهية أفراد وتفاصيلهم من جهة، واللعب بالمعلومة والحقيقة من جهة أخرى، في عالم وزمن باتت فيه الفضيحة مثل صباح الخير وسهولة نطقها لمن تحب ومن لا تحب! بمعنى أن المعلومة والوصول إلى الحقيقة لا تتأتى بحرفنة الكذب والدجل والنفاق والتطبيل. الحقيقة لا تنجّس قيمتها في بيئات متخلفة ومستعبدة كتلك. الحقيقة التي كانت مفصّلة بمواصفات لدى مختبرات ومعامل الأمن الذي يوجّه الإعلام في البيئات المستعبدة والمتخلفة، انتهى زمنه وبات سخرية العالم في الداخل قبل الخارج؛ بعد أن توافرت للطفل الذي اقتنى هاتفه النقال لتفوق أبداه؛ أو علقة ساخنة مورستْ عليه دون وجه حق؛ قدرة على رصد الذين يتوهمون أنهم يرصدونه، والتفنن في سرد الممارسات الخارجة على القانون، ويتستّر عليها الإعلام الساذج والغبي والعبد والموجّه، ليقدمها إلى العالم حيةً لحظةً بلحظة، بالصوت والصورة، من دون تعليق يحتاجه أو لا تقوى عليه مداركه؛ فكيف بالذين خبروا تلك البذاءات والتواطؤ والغباء من إعلامٍ يمارس دوره اليوم ليثبت إفلاسه ويعمّق هباءه وهراءه؟
***
خبير الاقتصاد الكندي من أصل أميركي، جون كينيث غالبرايث، صاحب أكثر الكتب مبيعاً فترة خمسينيات القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الـ 21، صاحب الـ 40 كتاباً وأكثر من ألف مقال، يلخص هذه الملهاة وكأنه يلخص الملهاة «اللاوطنية» المزمنة في العالم العربي؛ وإن بطريقة أخرى يمكن تلقّفها واستقبالها بحسب واقع الحال من دون رتوش أو مساحيق. يتحدّث في الآتي عن الولايات المتحدة؛ ولكن فقط ركّزوا على أول مقولته: «إن الأداة التي تنتج العلْك هي نفسها التي تنتج الرأي العام في الولايات المتحدة الأميركية». الواضح عندنا أن آلة الإعلام هي من تنتج العلْك! وعروجاً على الإنسان البسيط في أميركا والآلة الإعلامية المندفعة التي تدفع أيضاً بذلك الإنسان لحسبان أنه مسئول عن تصحيح أخطاء العالم، يولّد الإعلام عندنا ثقة لدى الأغبياء الذين صنعهم أنهم قادرون على إعادة رسم خريطة وعي العالم!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3967 - الأربعاء 17 يوليو 2013م الموافق 08 رمضان 1434هـ
حتى تكفر الشعوب باعلام بلدها الرسمي
سوف تستمر المهزلة الى حين يكفر كل المجتمع بالاعلام الرسمي وما يحصل في بلدنا هو على طريق ذلك فقد عزف الكثير الكثير عن متابعة الاعلام الرسمي بل ويشعرون بتقزز من متابعته ولو لدقائق ان كانوا مضطرين في وقت لا خيار لهم.