العدد 65 - السبت 09 نوفمبر 2002م الموافق 04 رمضان 1423هـ

هل أخذ الفرنسيون ينتبهون إلى مخاطر «البورنو» التلفزيوني؟

منذ حوالي عشرين سنة وهذه «الزعرنة» تمارس ليلة كل يوم سبت في فرنسا: أفلام خلاعية (بورنو) تبث من دون رقيب أو حسيب إلى أجهزة التلفزيون في المنازل في جميع أنحاء البلاد. وطول تلك المدة قليلون احتجوا على «La Porno du Samedi Soir» - كما يسمه الفرنسيون بمرح حتى الصيف الحالي. ثم أطلق مسئولون معنيون من الحكومة نقاشاً ثقافياً بدعوتهم القنوات التلفزيونية إلى الغاء العروض الخلاعية، ثم طلبوا من البرلمان اعطاءهم الصلاحية لفرض التقيد اذا رفض مديرو التلفزيونات الغاء برامج البورنو. بدأ عرض الافلام الخلاعية على قنوات التلفزيونية الفرنسية في العام 1984 عندما أخذت القناة الرائدة «Canal +» تبث أفلاما مصنفة «X» ليلة أول يوم سبت في الشهر بغية بناء شهرة لنفسها كبديل جريء وتسابقي للقنوات التلفزيونية القديمة المحافظة. ومنذ ذلك الوقت تحولت «Canal +»، وهي أول قناة تلفزيونية فرنسية تلتقط بدفع رسوم أو اشتراك، إلى الابنة المدللة لمؤسسة الثقافية. لانها تقدم دعماً مالياً تحتاج إليه الصناعة السينمائية الفرنسية التي تحتاج إليها لمكافحة سيطرة هوليود. إلا أن المسئولين عن التنظيم والقوننة يقولون إن الخلاعة التلفزيونية قد تخطت الحدود وأصبحت فالتة، ويشيرون إلى أن تزايد كمية مثل هذه العروض بات يتهدد الصحة الأخلاقية والذهنية لعنصر الشباب. ولا يعني ذلك أن فرنسا، المعروفة منذ زمن ببعد الانفتاح والصراحة في الأمور الجنسية والأخلاق الليبرالية أصبحت متزمتة بصورة فجائية. بل إن الجدل يعكس شدة المخاوف الفرنسية من أن يتحول الشباب إلى فريسة الادمان على المخدرات والعنف والجنس والاجرام. كان الاجرام - وتزايد اجرام الشباب بشكل خاص - الموضوع الرئيسي في الحملة الانتخابية الرئيسية والبرلمانية التي جرت في الربيع الماضي. ومن الحوادث التي احتلت صدارة الصحف آنذاك حالات الاغتصاب الجماعي بين مراهقين. وقليلون عزوا الأسباب لمثل هذا العنف إلى البث الخلاعي. غير أن بعض الخبراء يقولون إن البورنو يدفع الشباب نحو التجاوزات، وبصورة أخطر يذل ويحقر المرأة ويشجع على الممارسات الجنسية غير السليمة. ومن الأعمال الأولى لحكومة الوسط - اليمين التي انتصرت في الانتخابات البرلمانية في شهر يونيو/ حزيران الماضي تكليف الفيلسوفة السياسية بلاندين كيغل إجراء دراسة عن العنف على التلفزيون، بما في ذلك العنف الجنسي. وتقول «الهيئة العليا للبصريات والسمعيات»، المراقبة للتلفزيون، إن خمس قنوات تلفزيونية للبث المباشر والكيبل والاقمار الصناعية تبث ما مجموعه 103 برامج إباحية مصنفة «X» كل شهر. وإذا ضممنا إلى ذلك ما يقدمه التلفزيون المدفوع يرتفع العدد إلى 943 عرضاً. ويقول مديرون ونقاد تلفزيونيون آخرون إن الخطر المقترح المقتصر على التلفزيون وحده لن يحول بين الشباب وبين مشاهدة البورنو على الأنترنيت وأشرطة الفيديو، وأن لا منع يستطيع أن يحد من فضول البالغين واهتمامهم بالجنس، وهم يقولون إن منع البورنو على التلفزيون سيشكل انتهاكاً لحقوق البالغين الذين يريدون مشاهدته. وتقول «Canal +» التي لديها 4,9 ملايين مشترك، إنها لا تنوي تغيير برامجها وإنها لا تبث برامجها الخلاعية سوى بين منتصف الليل والساعة الخامسة فجراً، وإنه على كل حال، بوسع الآباء أن يمنعوا اطفالهم من المشاهدة باغلاق جهاز الالتقاط الخاص اللازم لتلقي برامج القناة. وجاء في دراسة اجريت بتكليف من اللجنة التنظيمية أن 11 في المئة من الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين أربع سنوات و 12 سنة في الأسر المشتركة بـ «canal +» يشاهدون دقيقة واحدة من الأفلام الخلاعية على الأقل في السنة. ويقترح بعض المعارضين أن الحل يكمن في معاقبة البالغين الذين يسمحون للاطفال بأن يشاهدوا عروضاً إباحية. ولكن بالنسبة لصانع أفلام البورنو الفرنسي المعروف جون روت المشكلة ليست في النوع بل في سوء نوعية الكثير من أفلام البورنو الحالية. وقد كتب ورت نداء ضد المنع المقترح قال فيه: «لم يكن يفكر بجعل البورنو كبش محرقة لادران البورنو إذ قدم افلاماً مسلية ومتقنة الصنع. إن موضوع هذه الأفلام هو الحب الجسدي، وهو موضوع اسفر عن صنع روائع فن الرسم والنحت والأدب»

خرج ولم يعد [ في محاولته إقناعنا بطرحه الهروبي والدعوة للإقامة في الريف بدلاً من المدينة في فيلمه «خرج ولم يعد ـ 1984»، يقدم لنا المخرج محمد خان المدينـة بصورة بشعة ومخيفة، والريف بصورة جميلة ومشرقة ورومانسية. حيث يضع بطله في بيئة شعبية فقيرة، ويتابع بكاميراته ـ وبلقطات كبيرة ومجسمة ـ التصدعات والشقوق في البيت الذي يسكنه، والماء الملوث الذي يصل إليه. هذا إضافة إلى اللقطات ذات الإيقاع السريع في مشهد خروجه صباحاً من البيت وعبوره الأزقة حتى وصوله إلى مكان عمله. في هذا المشهد، والذي يبدو أشبه بشريط تسجيلي ينبض بالحياة الواقعية اليومية، يستخدمه محمد خان للتعبـير عن البؤس والفقر والتلوث الذي يعيشه عطية في المدينة. نشاهده يحاول تجنب الرائحة الكريهة المنبعثة من القمامة المتكومة على جانبي الأزقة والطرقات، ويحاول كذلك تفادي الاختناق من جراء الغبار ودخان السيارات الذي يكاد يملأ رئتيه. هذا إضافة إلى المحيط الاجتماعي والوظيفي الصعب، والشخصيـات المنفردة والاستفزازية التي يتعامل معها يوميا (زميله في العمل، أم رئيسه، وحتـى خطيبتـه نفسها)... كل هذا، لابد أن يعطي انطباعا للمتفرج، بأن هذا الشاب يعيش حياة صعبة ويعاني من احباطات كثيرة غير قادر على تجاوزها. ثم بعد ذلك، ينقلنا، محمد خان مع عطية إلى الريف، إلى الطبيعة الجميلة والسارة، ليضعنا في مقارنة بيئية غير متكافئة. فعطية، بعد أن تعود أن يتنفس الهواء النقي ويتنقل وسط الحقول ليمارس هوايته القديمة، ويستعيد كذلك توازنه النفسي والعاطفي. وعندما يلتقي بخيرية يرفض العودة إلى المدينة ومواجهة كل أزماتها، في مقابل التضحية بكل هذا السحر والنقاء في الريف.

العدد 65 - السبت 09 نوفمبر 2002م الموافق 04 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً