خلال الأسابيع الماضية أتيحت لي الفرصة لحضور عدد من المؤتمرات والندوات البحثية في عواصم أوروبية، حيث تحفز أجواء الحريات العامة والحريات الأكاديمية على بحث كافة القضايا دون وجل أو خوف، ويشارك في هذه المؤتمرات والندوات أكاديميون مرموقون، خليجيون وعرب وغربيون، ببحوث صارمة وموضوعية، والظاهرة المتكررة في هذه المؤتمرات والندوات هو وجود شعراء السلاطين (حسب تعبير علي الوردي) بلقب أكاديمي وباحث دكتور أو بروفيسور، ومهمتهم تبرير الواقع الخليجي الرديء وتسويغ الأنظمة الاستبدادية المختلفة، وتسويق المشاريع الإصلاحية. ولقد صعقت وأنا أسمع أكاديمية خليجية تبرّر لمشاركةٍ غربيةٍ، «أضرار سياقة المرأة للسيارة مثلاً في بلادها. بل وصل الأمر إلى شراء أكاديميين غربيين وهم قلة، يشاركون في عمليات التزوير والتزويق والتسويق.
وبالمقابل هناك أكاديميون وباحثون خليجيون شرفاء يخاطرون بحياتهم أو رزقهم ليقولوا الحقيقة من على هذه المنابر، ويشاطرهم في ذلك قليلٌ من العرب وكثير من الغربيين. والملاحظة هنا أن العديد من الأكاديميين الخليجيين ممن تخرّجوا من الجامعات الأوروبية والأميركية يفضلون البقاء في الغرب وخصوصاً في الجامعات، ليس طمعاً في المال فهم سيحصلون على أضعافه في بلدانهم، ولكن نزوعاً لحرية البحث، والاعتراف المعنوي بهم، وممارسة حياتهم الأكاديمية واليومية دون وجل، وبشكل طبيعي.
ولقد ظهرت في الغرب أطروحات وقدمت أوراق بحثية وصدرت كتب تحلل أوضاع دول مجلس التعاون المتردية من حيث مصادرة الحريات العامة وملاحقة النشطاء السياسيين والحقوقيين، بل المثقفين بشكل عام، والتي تصاعدت واتسعت بشكل عام منذ اندلاع ثورات وانتفاضات الربيع العربي في يناير/كانون الثاني 2011. كما أن هؤلاء الباحثين يتوقعون اندلاع احتجاجات واسعة، على غرار ما جرى في البحرين والكويت وعمان وغيرها في العام 2011، والتي يمكن أن تتطور إلى أعمال عنف واسعة، واضعين نصب أعينهم ما يجرى في سورية كأسوأ سيناريو محتمل. بل أن أحد الباحثين الذي صدر له كتاب ما بعد ملوك الخليج، ذهب أبعد من ذلك بطرح سيناريو «قطع الدومينو» إذا لم تتدارك الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوضاع بالدفع بإصلاحات عميقة وشاملة لهذه الأنظمة.
أما الوجه الآخر للأزمة، فهو ما عالجه بعض الباحثين مثل صراعات الأجنحة في الأسر الخليجية مثل جاستون من «كرايسس جروب» وويرى من «معهد كارنيجي». فيما عالج آخرون الظواهر الخطرة في المجتمع الخليجي مثل الأستاذ بكمبردج توبي ماثيبسون الذي ألف كتاب «الخليج الطائفي»، إثر إقامة متقطعة في الخليج لأكثر من سنتين، معايشاً هذه الظاهرة الخطرة والتي يرى أنها أحد أسلحة الأنظمة الخليجية لتمزيق صفوف المعارضة في بلدانهم، بغضّ النظر عن آثارها المدمّرة على المجتمع والدولة. وهناك آخرون تناولوا مسألة شرعية الحكم في دول مجلس التعاون الخليجي وتآكلها والتحديات التي تواجهها في ظل الربيع العربي.
أما الوجه الآخر للأزمة، فهو استمرار اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على النفط كمصدر رئيسي طاغٍ لعوائد الدولة، والقاطرة التي تقود الاقتصاد ومدى الاعتماد المَرَضي على مداخيل النفط والغاز. لكن المعضلة التي ستواجهها الدول الخليجية هو تزايد الاعتماد العالمي على مصادر أخرى غير الهيدروكربونية للطاقة، مثل الشمس والرياح والأمواج، إلخ. وكذلك تزايد استخراج النفط والغاز مما يعرف بمكامن أحفورية صخرية (Shales) كما في الولايات المتحدة وكندا واللتان أبرمتا فعلاً عقوداً لتزويد كوريا الجنوبية بالغاز.
وفي الوقت عينه، هناك تزايد استهلاك الدول الخليجية ذاتها لمنتجات النفط والغاز على حساب ما هو متاح للتصدير، بحيث يتوقع بعض الباحثين توقف أو تراجع التصدير خلال بضعة عقود. وإذا أخذنا في الاعتبار أن دول مجلس التعاون الخليجي وبدرجات متفاوتة لم تنجح في بناء قاعدة صناعية متنوعة ومتينة كما هو مطلوب، وفشلها في تنويع الاقتصاد الذي لا يزال يعتمد على النفط والغاز، وفشلها في تنويع مصادر دخل الدولة والتي تعتمد بما يزيد عن 90 % من العوائد النفطية والغازية، فإن خطراً داهماً ومظلماً يواجه دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن المفارقات أن الزيادة السكانية الهائلة الناتجة عن استيراد العمالة الأجنبية، حيث يتضاعف السكان كل عقد، وحيث يقدر سكان المجلس (مواطنين ووافدين) إلى 40 مليوناً تقريباً في 2012، وحيث المواطنون أقلية باستثناء السعودية، فإن عبء هؤلاء عندما يتراجع إنتاج النفط أو تراجع أسعاره سيتسبب في كارثة حقيقية. فلا يمكن القول بكل بساطة أننا سنرجع فائض العمالة إلى بلدانها، أو نقول للمواطنين هاجروا إلى بلدان أخرى.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3964 - الأحد 14 يوليو 2013م الموافق 05 رمضان 1434هـ
مثقفوا البلاط
أرثي لحال هؤلاء خصوصا حين أراهم بالخارج يزدريهم الجميع وحتى هم يزدرون أنفسهم
مقدرات الشعوب بترليونات يتلاعب بها اشخاص غير مؤهلين
لا راقبة شعبية ولا غير شعبية ولا خوف من الله ولا وازع من ضمير هكذا يتم التلاعب بمقدرات بلغت ترليونات وكل من يتكلم عن حساب ورقابة لن يرى
النور سجون وتعذيب حتى الموت
في كل المؤسسات يوجد مدققون ومحاسبون ولكن بالنسبة لهذه الدول الحبل على الغارب
مسؤلية الامم لا يجب ان تترك لشخص او شخصين او اكثر يقرّرون مصلحة الامة ويترك لهم الحبل على الغارب
بلدان يعش يعش فيها الفساد وينخر في أجسامها
لن يفيق شعب الخليج الا وقد حدثت له الكوارث الكبيرة بسبب تصرفات هؤلاء المسؤلين وبعد ذلك طارت الطيور بارزاقها
مقال أكثر من روعة
يغطي المقال جملة من التحديات النوعية التي تواجه دول مجلس التعاون. شكرا للكاتب. لكن كان من المطلوب اقتراح مجموعة من الحلول. آمل أن يتحقق ذلك في مقال آخر.
همهم بطونهم والنظرة الضيقة للإستفادة الحالية.. لذا جاءت الحركات للتغيير..
الخليج وسط العاصفة (مصادرة الحريات العامة وملاحقة النشطاء السياسيين والحقوقيين، صراعات الأجنحة في الأسر الخليجية، الفشل في تنويع مصادر دخل الدولة والاعتماد 90 % من العوائد النفطية والغازية، الزيادة السكانية الهائلة)..
مقال متشعب
يغطى المقال أمور مهمة. أسأل نفسى هل من الذين بيدهم الأمر يقرؤنه؟