كان الأجداد وبعضهم مازال يعيش بيننا اليوم، يعدون إفطار شهر رمضان على جهاز أو موقد يسمونه «جولة»، وبطاقة تشغل الموقد يسمونها «الكاز» وهو (الكيروسين) أحد مشتقات النفط. وهذا بعض ما تحكيه الوثيقة التي بين أيديكم، وعمرها نحو 100 سنة، وهي ضمن الوثائق البريطانية في مجموعة «سجلات البحرين»، وقد كُتبت في 14 مايو/ أيار من العام 1914م. وما تحكيه هو جزء من حكاية البحث الكبرى عن «الكاز» أي النفط في جزر البحرين منذ بواكير القرن العشرين.

نص الوثيقة يقول:

«رقم 15

بسم الله الرحمن الّرحيم

من عيسي بن علي آل خليفة الى جناب عالي الجاه عُمدة الاصحاب الافخم المحب سعادة الميجر اي بي تريررسي – أئي - إي باليوز في البحرين المفخم دام شريف وجوده.

بعد مزيد التحية وتقديم الاحترام اللائق بالمقام ثم انّ كتابكم المكرم نمبر 531 المؤرخ ف 18 جمادى الثاني سنة 1332 المطابق في 14 ماي سنة 1914 وصل فى خصوص المكان لتحصيل الكاز في البحرين. محبكم كما عرفت سعادتكم في كتابنا المؤرخ ف 17 جمادى الثاني سنة 1332 إنه اذا صار الوقت لتحصيل ذالك البد سنتشاور مع الباليوزيه كذالك محبكم يكرر لسعادتكم ان اذا صار اصل لتحصيل الكاز في بلادنا البحرين محبكم ما يبتدي بالمباشرة لتخريج ذالك بنفسه ولا يقبل عرائض من صوب احد في خصوص ذالك بدون شور الباليوز صاحب في البحرين واستحسان الحكومة المعظمة.

هذا ما لزم ولا زلتم سالمين

حرر ف 18 جمادى الثاني سنة 1332»

هنا نورد بعض التعليقات على هذه الوثيقة المهمة جداً أولها، يلاحظ من خلالها على رسائل فترة الحماية البريطانية في الخليج والبحرين عبارات التفخيم والتعظيم المعتادة التي توضع في ديباجة الرسائل التي يتم إرسالها من قبل الجهات الرسمية للمقيم أو المعتمد البريطاني في الخليج أو البحرين. كما يلاحظ استخدام الأرقام الفارسية في كتابة التواريخ في عموم الخليج حينها، وركاكة لغة تلك الرسائل بشكل عام في الخليج على رغم أن اللغة العربية هي الأصل في المنطقة ولكن المتعلمين الذين يجيدونها كتابة وقراءة قلة شديدة في تلك الفترة، بينما من يجيد الإنجليزية قراءة وكتابة كان أكثر بحكم ظروف الحماية الإنجليزية وقوانينها في المنطقة.

ثانيها، يجدر الإشارة إلى أن المصادفة التاريخية جعلت هناك في شهر مايو/ أيار من العام 1914 اثنين من المعتمدين البريطانيين في الوظيفة نفسها، وقد تقاسما الشهر في دخول أحدهما الوظيفة وخروج الآخر منها. فمن ذكرته رسالة الشيخ عيسي هو الميجور (آرثر بريسكوت تريفور) وقد كُتب (تريررسي) وتسلم الوظيفة كمعتمد سياسي بريطاني في البحرين، أو كما كان يسمي (الباليوز)، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1912 حتى قُبيل نهاية شهر مايو/ أيار من العام 1914. بينما تسلم خلفه في المنصب ذاته الكابتن المدعو (ترنس همفري «كيز») من الأسبوع الأخير من مايو العام 1914 حتى شهر مارس/ آذار العام 1916.

ثالثها، أن امتيازات حق التنقيب عن النفط في جزر البحرين وبحسب ما ذُكر وتم التعهد به في الوثيقة أعلاه لم تخرج عن إشراف وسيطرة السلطات البريطانية آنذاك وكما كانت هي ترغب وتشدد عليه حكام الخليج. ولكن لظروف قيام الحرب العالمية الأولي تعطل مشروع التنقيب عن النفط في البحرين والسواحل العربية عموماً. إلا أنه في ديسمبر/ كانون الأول من العام 1925، تم منح النيوزلندي ميجور (فرانك هولمز) ممثل شركات (Eastern and General Syndicate) البريطانية والتي لم تكن معروفة جداً آنذاك؛ أول امتياز لحقوق التنقيب عن النفط في البحرين بعد أن كان قد حصل الشخص نفسه وشركته على امتياز التنقيب عن النفط كذلك في الإحساء بالمنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية في شهر مايو من العام 1923.

وعموماً لم يتم اكتشاف «الكاز» في البحرين بسهولة بل كان هناك تشاؤم من احتمالات وجوده أساساً لدى شركة النفط الإنجليزية - الفارسية (The Anglo-Persian Oil Company) ولذا تم نقل حقوق التنقيب إلي فرع لشركة:

(The Gulf Oil Corporation of the United States) وذلك في العام 1927، والتي بدورها وبعد مفاوضات حول تلك الحقوق التي منحتها البحرين لأبي النفط (هولمز) أعادت منحها لشركة:

Standard Oil Company of California- (SOCAL)) في ديسمبر من العام 1928. ونتيجة لرحلة حقوق التنقيب الطويلة هذه، جاء أخيراً تأسيس شركة نفط البحرين المحدودة (the Bahrain Petroleum Company - BAPCO) في يناير/ كانون الثاني 1929، كما مَنح الشيخ حمد بن عيسي في 29 ديسمبر من العام 1929 لشركة «بابكو» امتيازاً آخر للبحث عن «الكاز» لمدة 55 عاماً على مساحة من البحرين بلغت (100 ألف فدان)، إلا أن الشركة طالبت بتوسيع تلك المساحة، فتم ذلك في عهد الشيخ سلمان بن حمد في يونيو/ حزيران العام 1940 بأضعاف المساحة المذكورة في الاتفاق السابق.