العدد 3962 - الجمعة 12 يوليو 2013م الموافق 03 رمضان 1434هـ

الأصداف مصدر للغذاء في دلمون

في البحرين، والخليج العربي بصورة عامة، توجد أنواع محددة من الأصداف والقواقع التي تؤكل، من أهمها ما تسميه العامة في البحرين «أصگوع» أي أصقوع (في لهجة العرب) أو «دَوَچ» أي دَوَك (في اللهجة البحرانية) وهو المشهور في المعاجم وكتب اللغة باسم «الدوك»، وهو أنواع متعددة من المحار ينتمي إلى عائلة Veneridae.

أما الأنواع الأخرى التي تؤكل فهي: الكوز (أنواع من القواقع ينتمي إلى عائلة Muricidae)، والحويت (أنواع من القواقع تنتمي إلى عائلة Turbinidae وTrochidae).

هذه الأنواع من الأصداف عثر عليها في مواقع أثرية في البحرين يعود تاريخها إلى الحقب الدلمونية وما قبلها، وكذلك مواقع تعود إلى الحقب الإسلامية، وفي الواقع يسبب هذا الانتشار عبر الحقب الزمنية المختلفة إشكالاً في تحليل سبب وجودها، هل هي للغذاء أم لاستعمالات أخرى. والإشكال القائم هو بين الفقه والموروث الثقافي، وهذا الإشكال سنتطرق إليه بالتفصيل في الفصل المقبل. وما يهمنا هنا البحوث التي درست انتشار القواقع وتوزيعها بحسب الحقب الزمنية التاريخية.

في الواقع، هناك ندرة في الدراسات المتخصصة في الأصداف والقواقع في البحرين، وتعتبر الدراسات التي قام بها Stephen Green في بداية التسعينات من القرن الماضي من أهم الدراسات التي أعدت عن الأصداف البحرية في البحرين، وقد نشر Green عدداً منها في كتابهBahrain Seashells، بالإضافة إلى عدد من الدراسات التي لا أرجح أنها نشرت، أو ربما نشرت في بعض النشرات البيئية غير المتخصصة المحدودة التوزيع والتي لا تلقى أية أهمية.

وقد حصلت على مسودة تلك الدراسات غير المنشورة والتي كُتب بعضها بخط اليد. ومن هذه الدراسات غير المنشورة تلك التي تناولت المسح السطحي للأصداف والقواقع (البحرية منها والتي تعيش في المياه العذبة، والتي تعيش على اليابس) التي أجراها Green في العام 1994م في ثلاثة مواقع أثرية في البحرين هي موقع الدراز وموقع رأس الجزائر وموقع المرخ.

وهناك ندرة في مثل هذه الدراسات المتخصصة التي أجريت على الأصداف والقواقع. وسنقوم هنا باستعراض أهم نتائج الدراسات التي أجريت على القواقع والأصداف في المواقع الأثرية في البحرين وكيف يمكن الاستفادة من هذه النتائج.

رأس الجزائر

في العام 1954م اكتشفت البعثة الدنماركية ركاماً من الأصداف تقدر أبعاده بقرابة 200 متر و100 متر، وذلك في منطقة رأس الجزائر بالقرب من قرية الزلاق، ونشر Nielson نتائج التنقيب فيه في العام 1959م باللغة الدنماركية، وقد اعتمدنا على عدد من الدراسات اللاحقة التي اقتبست من هذه الدراسة. يتكون الركام بصورة أساسية من نوع واحد من الأصداف هو «محار اللؤلؤ» Pinctada radiate، ويعود تاريخ الموقع، وربما الركام نفسه، إلى الحقبة 2000 – 1800 ق. م؛ حيث اكتشف فيه فخار موازٍ للفخار الذي اكتشف في المدينة الثانية في موقع قلعة البحرين (بوتس 2003, ج1: ص 333 - 334). وقد أدى هذا الكشف إلى جدل واسع استمر لسنوات طويلة. ويدور الجدل حول أهمية محار اللؤلؤ، هل هو مصدر للغذاء أم لجمع اللؤلؤ، وسنناقش هذه الجدلية بالتفصيل في فصل مستقل.في العام 1994م قام Green بعملية مسح ثانية لركام الأصداف، وتبين أن هناك أنواعاً أخرى من الأصداف والقواقع تكثر في الموقع بالإضافة إلى محار اللؤلؤ؛ حيث تشير النتائج التي توصل إليها Green إلى أن هناك نوعاً آخر من الأصداف يكثر في الموقع، إضافة إلى محار اللؤلؤ، وهو نوع من «الدوك» يسمى Amiantis umbonella، وكذلك يكثر في هذا الركام بقايا لنوع من القواقع وهو «الكوز» Hexaplex kuesterianus.

موقع المرخ

يقع هذا الموقع على الساحل الغربي وإلى الجنوب من رأس الجزائر، وهو يعتبر من أهم مواقع حضارة العبيد في البحرين التي يعود تاريخها إلى الألف الخامس قبل الميلاد، وقد تناولنا تفاصيل فخار هذه الحقبة بالتفصيل في سلسلة سابقة. وقد نقبت البعثة الفرنسية في هذا الموقع في مطلع السبعينات من القرن الماضي. وقد كشفت البعثة وجود ركام من عظام السمك، وبين العظام توجد أنواع من الأصداف والقواقع أهمها محار اللؤلؤ والدوك (Roaf 1974, 1976). وقد أكد هذه النتائج المسح الذي قام به Green لهذا الموقع في العام 1994م حيث وجد أن أنواع الأصداف السائدة في الموقع هي «محار اللؤلؤ» Pinctada radiate ونوع من «الدوك» يسمى Amiantis umbonella، وكذلك يكثر في هذا الركام بقايا لنوع من القواقع وهو «الكوز» Hexaplex kuesterianus.

موقع سار الأثري

يعود موقع سار الأثري إلى قرابة الحقبة 2000 – 1800 ق. م. وقد نقبت فيه البعثة البريطانية منذ مطلع التسعينات. وقد قام Glover بعمل مسح للأصداف التي توجد في الموقع، وبالخصوص موقع المعبد الدلموني في سار، وقد نشرت نتائج هذا المسح في العام 1995م وأعيد نشر البحث في العام 1997م ضمن كتاب «The Dilmun Temple at Saar». وأهم نتائج هذا البحث أن الأصداف السائدة في الموقع هي: «محار اللؤلؤ» Pinctada radiate وأنواع من «الدوك» هي Marcia flammea و Amiantis umbonella. أما القواقع السائدة في هذا الموقع فهي «الحويت» Turbo coronatus و»الكوز» Hexaplex kuesterianus.

المعبد الدلموني في الدراز

يعود هذا الموقع إلى الحقبة نفسها التي ينتمي إليها موقع سار، وقد قام Green بعمل مسح للأصداف في هذا الموقع في العام 1994م، وأهم نتائج هذا المسح أن الأصداف السائدة في الموقع هي: «محار اللؤلؤ» Pinctada radiate وأنواع من «الدوك» هي Marcia flammea وبأعداد أقل Amiantis umbonella. أما القواقع السائدة في هذا الموقع فهي «الحويت» Turbo coronatus وبأعداد أقل «الكوز» Hexaplex kuesterianus.

نتائج توزيع الأصداف

الملاحظة الأولى التي يمكن ملاحظتها بوضوح هي سيادة محار اللؤلؤ Pinctada radiate في جميع المواقع الأثرية التي تم مسحها، وسنتناول هذه الملاحظة بالتفصيل بصورة منفصلة في فصل لاحق. أما النتيجة الثانية التي يمكن استنتاجها من عمليات المسح السابقة، فإنه يبدو أن توزيع الأصداف البحرية على سواحل البحرين لا يختلف كثيراً عبر الحقب الزمنية؛ بدليل أن توزيع الأصداف في المواقع التي تم رصدها مرتبط بالمواقع الجغرافية وليس الحقب الزمنية. فكلا الموقعين الدراز وسار (على الساحل الشمالي والشمالي الغربي) يكثر بها نوع من القواقع هو «الحويت» Turb coronatus وبأعداد أقل «الكوز» Hexaplex kuesterianus، أما الأصداف التي تكثر بها، بعد محار اللؤلؤ، فهي أنواع من الدوك هي Marcia flammea وبأعداد أقل Amiantis umbonella. أما في موقعي رأس الجزائر والمرخ (على الساحل الغربي) فيكثر نوع واحد من «الدوك» Amiantis umbonella ونوع واحد من القواقع وهو «الكوز» Hexaplex kuesterianus ولا وجود للحويت Turbo coronatus. وهذا يتوافق مع التوزيع الحديث لهذه القواقع الذي نشره Green في كتابه حيث إن الحويت لا يوجد على السواحل الغربية للبحرين (Green 1994, pp. 28, 53, 158, 170). تبقى مسألة الأهمية الاقتصادية لهذه القواقع والأصداف، فهل كانت تستخدم كغذاء فقط؟ وإذا كانت كذلك في الحقب الدلمونية، فكيف نفسر وجودها بكميات كبيرة في المواقع الأثرية التي تعود إلى الحقب الإسلامية؟. هذا ما سنوضحه في الفصل المقبل.

العدد 3962 - الجمعة 12 يوليو 2013م الموافق 03 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً