قدمت فرقة الشاخورة المسرحية عرضاً تحت عنوان «أنا الجاني» من تأليف الفنان عبدالحسين مرهون، وإخراج الفنان علي بدر، وهاني الماجد مخرجاً مساعداً. تدور فكرة المسرحية حول آفة المخدرات والاتجار بها وتعاطيها والتي تؤدي بالشباب إلى النهاية المأساوية القاتلة. قدم العرض على مسرح مركز شباب الشاخورة الرياضي والثقافي مساء يوم السبت الماضي الموافق 6 يوليو/ تموز 2013.
من ملهاة إلى مأساة
شارك في مسرحية «أنا الجاني» الفنان بدر الماجد في دور البطولة وقد مثل شخصية شاب يرث من أبيه شركة تجارية فيما مثل زياد سبت، وبدر يعقوب وحسن العصفور، وحسين بدر دور أصدقاء السوء الذين يحدقون به ويزينون له طريق تجارة المخدرات. بعد نقاشات مستفيضة ومحاولات إقناع طويلة، يظل بدر في تردد ومراوحة، وصراع نفسي يحسمه بموافقتهم على ما أرادوه، ويسير فيما خططوا له. ينجح ويبرع في استيراد السموم وتتكر الرحلات والنجاحات وتتضاعف الأرباح. يحدث ما لم يكن في الحسبان إذ يقع صديقه العزيز «فاضل القطان» ضحية التعاطي ما يمثل حدثاً فارقاً ومفصلياً في الحكاية يقلب حياة بدر ويغير اتجاه المسرحية من ملهاة إلى مأساة. يقرر بدر ترك المخدرات والتوقف عن التجارة فلا يكون أمام محمد القطان والذي يظهر هنا في دور «البوس» من ردة فعل أمام هذا القرار الخطير والتحول المفاجي والخوف من تبعاته سوى إجبار بدر على التعاطي وحقنه بالسموم التي كان يتاجر بها.
شخصات كريكاتورية وإيقاع سريع
اتسمت المسرحية بأداء سريع وإيقاع رتيب من حيث التماثل في حركة الممثلين في حالة كريكاتورية لتأدية الأدوار، سوى تلقائية مباشرة من عقيل الماجد في دور عامل التنظيف في المكتب وحكايته التي سردها كمعاناة أخرى في قبال الحكاية الأساسية للمسرحية، وهي حكاية عامل بسيط ورجل فقير يخاف على عمله ويحرص على ألا يتأخر أو يخصم من راتبه. سوى ذلك فإن أداء الممثلين كان في صورة واحدة من السرعة والحالة الكاريكاتورية في تأدية الأدوار.
كذلك اتسمت الحكاية في المسرحية بطابع واقعي مباشر فهي حكاية تحدث عادة وتسرد دائماً كلما كان هناك واقع تنتشر فيه مثل هذه الآفة. وتسرد هذه الحكاية لتتخذ وظيفة التوعية بمخاطر ومآلات المتاجرين والمتعاطين لهذه السموم.
تتسم الحكاية بالطابع النموذجي الأولي في تحولاتها على مستوى الحبك الدرامي للحدث وتتابعه، فثمة أربع مراحل أساسية في تحولات الحدث المسرحي فمرحلة «الهدوء» الذي تبدأ به أي حكاية عادة تمثلت في حدث وراثة بدر الشركة من أبيه. المرحلة الثانية وهو «حدث الإضطراب» ويبدأ باتجاه الشاب لتجارة المخدرات، ثم المرحلة الثالثة وهو «حدث التوتر» والذي يبدأ بموت صاحبه. المرحلة الرابعة وهو حدث «الاضطراب المعاكس» تبدأ بقرار ترك الاتجار في المخدارت، لتكون الخاتمة المفتوحة بإيقاعه ضحية ما صنع والتخلّص منه وهكذا يأكل الشر نفسه.
نحو مسرح أكثر حبكاً
رغم أن الحدث كان يسير في طابعه الأولي النموذجي من حيث الهدوء والتوتر والاضطراب إلا أن ذلك لا يعفي المخرج من أهمية البحث عن مسرح أكثر حبكاً من خلال محاولة توتير الحدث وتفجير طاقاته الإبداعية عبر اللعب بعملية التقديم والتأخير في تتابع أحداث المسرحية مثلاً أو تكوين بعض المفاجآت للمشاهد باكتشافه ما وراء بعض الشخصيات كما فعل مع العامل الذي قدم حكايته على جانب من المسرحية. كان بإمكانه صناعة علاقات أكثر حبكاً عبر ربط الشخصيات ببعضها البعض في حكايات جانبية أو تعميق أدوارهم بما سيكتشفه المتلقي من واء تلك الحكايات الصغيرة أو تلك الروابط التي تعقد الحبكة وتجعلها تنفتح للتأويل ما أمكن.
أن أهم ما يصنع الحدث ويذكيه في مثل هذه المسرحية هو النزوع نحو الإثراء السريع وهو ما يمسي بالعامل المحرض في صنع الحدث المسرحي. ووسط ذلك عامل «الذات الفاعلة» وهي شخصية بدر نفسه التي استهواها حب المال، وأمامها يحضر «العامل المساعد للحدث» وهم أصدقاء السوء وفي مقابلهم «العامل المعرقل للحدث» وهو الخوف من المآل السيء. هذا ما صنع الصراع في المسرحية، ثم عنصر موضوع المسرحية نفسه وهو الاتجار بالمخدرات ثم عنصر المستفيد المتمثل في شخصية «البوس محمد القطان» التاجر الكبير ولعل هذا التحليل السريع لعوامل الحدث في المسرحية هو ما يجعلها سائغة للمشاهد الذي ينتظر المزيد من التعميق بما يعطيه مجالاً أوسع للقراءة والتأويل كلما تفحص أكثر في نظراته.
تلقائية وتواصل
رغم سرعة إيقاع العرض وكاريكاتوريته والحالة التبسيطية والمباشرة في المسرحية إلا أن هذه العناصر ساهمت في التواصل مع العرض حتى آخره. وربما يعود ذلك إلى أن مثل هذه الحكاية هي ما يرويه الناس عادة ويحفظونه في مثل هذا المقام حين الحديث عن آفة المخدرات وتبعاتها ومآلاتها وخصوصاً أنها قد قضت على الكثير من الشباب من مروجين أو متعاطين أو متاجرين أو من هم في ركبهم. لذلك فإن مثل هذه المسرحية تقدم أمثولة حية في إنكار هذه الظاهرة عبر استجلاء النهاية المأساوية والمصير الذي يؤول إليه مستهلكوها، وتقديم هذه الأمثولة الحية هي ما يستدعي هذا المستوى من التواصل كون المسرحية معبئة برسالة تخدم مجتمع المتلقين وتقدم لهم خدمة في صيغة مسرحية تكشف عن المصير المحتوم وراء هذه الآفة وفي نهاية هذا الطريق.
طابخ السم آكله
ثمة مقولات أخرى كثيرة تقدمها المسرحية وتتماهى خلف مثل هذه الحكاية القارة في الوجدان الشعبي لعل ليس أولها ولا آخرها هي أن الشر يقضي على نفسه، أو من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، أو طابخ السم آكله، أو تماماً كما هو المثل الشائع على نفسها جنت براقش. هكذا تتوالا المقولات التي تمثل مخزونا في الذاكرة الشعبية حينما تحضر مثل هذه الحكايات وهو ما يؤكد على الإمكانات التي كان يستطيع طاقم المسرحية أن يعبئ بها العمل طبعاً من غير الوقوع في أتون العظة المباشرة والصيغة المستهلكة.
إن تظافر هذه المقولات واستدعائها حين التحليل والقراءة السريعة ربما يكشف أن العرض ظل مخلصاً لعنوانه الذي قدمه والذي وضعه عتبة أولى للمسرحية وهو «أنا الجاني» متعالقاً مع مقولة «على نفسها جنت براقش» وغيرها من المقولات السابقة التي ستتتالى حين النظر إلى المآل الذي آل إليه بدر في المسرحيه وساقه إليه مصيره المحتوم الذي وضعه المؤلف متناصاً مع الكثير من الحكايات التي يحفظها الناس في مثل هذه الحالة.
العدد 3962 - الجمعة 12 يوليو 2013م الموافق 03 رمضان 1434هـ
جابر حسن
مقال رائع تشكر عليه يا استاذ، صحيح إني لم أوفق لمشاهدة العرض الا انك بمقالك هذا والتحليل الدقيق جعلني اعيش احداث العرض المسرحي برؤية شيقة متعه عساك على القوة وبالتوفيق دائماً ، ولا تحرمنا أستاذي من تحايلاتك ونقدك العجيب... الف شكر لك وللوسط لنشرها هذا النقد الهادف
رأي متمرس
تحليل قيم و ذو تفاصيل أساسية..من أستاذ متمرس.أرجو من القائمين على هذا العمل الفني، و كذلك الفنانيين الشباب أن يستفيدوا منها. موفق ابا أحمد
محمود الماجد
شكرا لقلمك الجميل .. كفيت ووفيت مسرحية جميله وهادفه امتعتنا .. بالتوفيق لكم يا شباب والى الامام انشالله في الاعمال القادمه
علي بدر
سلمت أناملك وساسعى لتحقيق بعض نوقص ذكرتها في تحليلك أشكر جهودك وأشكر حضورك وكل من ساهم في أنجاح مسرة قريتنا الفنية لك مني خالص التحية والإحترام
عقيل الماجد
شكراً لقلمك الجميل والمبدع .. رائع مع كتبته يداك عزيزي حبيب حيدر .. لك كل الشكر والتقدير