أثارت سلسلة أحداث تشرنوبل جملةً من الأسئلة المتفاوتة في مرئياتها، والتي تشير في معظمها إلى واقع الكارثة كدرس للإنسانية، ينبغي الاستفادة منه لبناء استراتيجية مؤسسة لمعالجة استثمار الطاقة النووية من عدمه.
السلسلة تركت أيضاً أثرها البين على وعي القارئ بشأن حيثيات معضلة المفاعلات النووية، وساهمت في إثراء معارف المتابعين حول واقع مخاطرها على المجتمع البشري والتوصل إلى قناعة بضرورة الابتعاد عن مستنقع هذا الشبح المخيف والمدمر للبشرية. وذلك ما تبين في ردود الفعل التي وصلتنا من عدد من القراء من «حلبجة» في كردستان العراق، الإقليم الذي اكتوى بمحنة السلاح الكيماوي، ومن مدينة البصرة التي يعاني سكانها تبعات مخلفات الأسلحة المختلفة في عناصر مكوناتها من السموم المدمرة، والتي جرى استخدامها في الحرب على العراق العام 2003. ومن المخاوف التي عبّر عنها القراء بشأن المخاطر التي يمكن أن تسببه المفاعلات النووية، السؤال الذي طرحه أحد قراء «الوسط» في الحلقة العاشرة للسلسلة، حيث تساءل عن المخاطر التي يمكن أن يخلفها مفاعل بوشهر القريب من دول الخليج. وعلى فرض أن دول الخليج جميعها امتلكت هذه التقنية في المستقبل القريب، ألا يمكن اعتبار أن تدمير المنطقة برمتها فيما لو حدث أي خلل في هذه المفاعلات قريب جداً؟ وأيضاً من قبل من كان متواجداً في أوكرانيا وعاش أحداث الكارثة، وكذلك الحوارات التي دارت مع عدد من المثقفين والإعلاميين والقراء في الإمارات والبحرين، ومنهم وزير سابق، حيث تحدث بعضهم كيف أبكته الآثار الإنسانية للكارثة، فيما اقترح أحد القراء أن يجري تسجيل الأحداث بشكل روائي وإنتاجها على شكل دراما فنية. ورأى بعض المهتمين بالقضايا الانسانية والتاريخية ضرورة أن تنشر السلسلة في كتاب للتوثيق ولتكون مرجعاً تاريخياً ومعلوماتياً تستفيد منه الأجيال المقبلة.
السلسلة أفرزت مرئيات ومعالجات من نوع آخر، تبناها البعض المتقصد في تحوير تلك الوقائع واستثمارها للعلاقات العامة «والمناشيتات» الاستفزازية والإعلامية التي تندرج ضمن مفاهيم الأغراض الضيقة وملء الفراغ في برامج الحوارات الإعلامية العقيمة التي تغرق بها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، مستغلين في ذلك بعض الحقائق الغامضة والملتبسة في تحديد حقيقة أخطار المفاعلات النووية التي صارت تنتشر كما السرطان في البلدان النامية، والتي أضحت تشكل مصدر قلق للقيادات السياسية والمجتمعات المحلية نتيجة المخاوف من احتمال أن يؤدي عدد من العوامل والظروف المفاجئة مثل الكوارث الطبيعية والهزات الأرضية والحروب الأقليمية والنزاعات المسلحة، الاهلية والعرقية، إلى جانب الأخطاء الفردية والخلل الفني وقدم المفاعلات»... في أن يتسبب ذلك في تكرار الحوادث النووية التي من الطبيعي أن يكون لها أضرارها الإنسانية الشاملة والمدمرة كما هو عليه الحال فيما أفرزته كارثة تشرنوبل وغيرها.
تلك محاذير نرى أنها محقة وينبغي الأخذ بها ضمن استراتيجية الوقاية في مواجهة المخاطر النووية، بيد أن بعض الإعلاميين يعالج مسوغات ذلك القلق والمخاوف على هواه ووفق مقاصده الخاصة وضمن منهج الإثارة الإعلامية لا غير، والتي لا تخدم بطبيعة الحال جوهر مقاصد الهم والقلق المجتمعي، ولا تتفق مع محددات مخاوف القيادات السياسية للدول في شأن الأبعاد الخطيرة لوجود بعض المفاعلات النووية على أمنها، وهي بالتالي غير ممكن أن تفيد توجّه الدول وسياساتها لبناء استراتيجية مؤسسة لصد المخاطر المحتملة للمفاعلات النووية.
وفي سياق منهج تحوير المقاصد، يعمد البعض إلى أن يغرق المختصون بطوفان من الأسئلة التي ليس لها قيمة علمية في إيجاد الحلول وذلك بهدف جر المختص إلى مستنقع المناكفات السياسية التي لا تمت بصلة إلى منهجية العلاج الحقيقي للمشكلة، ولا تتوافق مع المنهج العلمي التخصصي في حل قضايا ذات طابع حساس من وجهة النظر الفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية أيضاً. ويتعمد البعض في سياق ذلك إلى جر المختص لمعالجة واقع حالة بعينها دون أخرى، ودون أن يلتفت إلى مخاطر وجود المفاعلات النووية كظاهرة عامة متحدة النتائج والمخاطر، على الرغم من درايتهم بأن معالجة مخاطر المفاعلات النووية لا ينبغي تجزئتها ولا يمكن التفريق بين حالة وأخرى. بيد أن ذلك صار ظاهرةً في برامج المناكفات الإعلامية، وغالباً ما يجري الأخذ بهذا المنهج ضمن حسابات خاصة وخاطئة في محصلة الأمر.
ان دروس كارثة تشرنوبل ومعالجة قضايا الانفلات المرثوني في التسابق لاقتناء المفاعلات النووية هي أكثر بعداً عن منطق ما يطرحه البعض، والواقع الذي أنتجه انفجار تشرنوبل في المواقف والسياسات والمعالجات الدولية، المتناقضة في معالجة آثار المشكلة، تجعلنا نتحرى الدقة في ما يجري إثارته من قبل البعض من تساؤلات والامتناع عن قول الرأي دون تبين مصداقية مقاصده، ونكون شديدي الحذر مما تطرحه الفئات الإعلامية المغرضة التي تتقصد الحصول على رؤية تعضد منهجيتها في الإثارة والترويج لمرئيات ومواقف غير نظيفة وغير نزيهة في مقاصدها الانسانية والاجتماعية.
خلاصة القول إن قصدنا من سرد أحداث تشرنوبل، التذكير بواقع ما حدث، وتحريك سواكن الوعي لتبين مخاطر المفاعلات النووية على المجتمع الانساني، وان الموقف من اقتناء هذه الأشباح الشريرة ينبغي أن لا يرتكز على محددات المصالح السياسية والاقتصادية والمحورية، بل على قراءة واقعية ترتكز على مبدأ الشفافية في معالجة هذه المعضلة الكونية، وأن ينحصر الموقف في الدعوة إلى إيجاد بدائل للطاقة أكثر فائدة وأمناً للمجتمع البشري، وذلك ينبغي أن يكون مربط الفرس الذي نسعى جميعاً للتوافق عليه.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 3961 - الخميس 11 يوليو 2013م الموافق 02 رمضان 1434هـ
عيني عليك باردة
وواصل الحلقات يادكتور!!! وغدا لناظره قريب بفرج الله