بعيداً عن التفاصيل المؤقتة، الحقيقي منها والمتخيّل، التي رافقت انتقال سلطة الحكم في مصر من يد إلى يد أخرى يوم الرابع من هذا الشهر، فإن القضية الأساسية التي ستحتاج إلى كثير من التحليل والمراجعة هي قضية نمط الاستيلاء على السلطة في أرض العرب.
إنها قضية سياسية، لها جذور تاريخية حاكمة ومنظّرون من المفكرين والفقهاء وأشكال متعدّدة من الممارسة. وهي ككثير من القضايا السياسية في حياة العرب لم تحسم بعد. وكيف تحسم إذا كان الإرث التاريخي العربي الإسلامي لا يسعفها، والفقه الإسلامي مختلف حول التعامل معها، والحداثة العربية لازالت تواجه مخاضاً عسيراً.
من هنا فإن الحديث عما جرى في مصر يجب أن لا ينزلق إلى التبسيط المخل أو التّيهان في المؤقّت، خصوصاً أن انعكاسه على مستقبل الواقع العربي، فكراً وممارسة ونتائج، سيكون كبيراً. فما هي الملامح الكبرى لأحداث مصر الأخيرة؟
أولاً... ما قلناه عند تفجُر ثورات وحراكات الربيع العربي من كسر الإنسان العربي لحاجز الخوف التاريخي من سلطان وبطش السلطة الحاكمة عادت أحداث مصر الأخيرة فأكّدته، بل وضاعفت تأكيده. لقد أثبت الإنسان العربي بأنه لن يقبل بعد اليوم حياة الاستكانة والتهميش والإستغفال والاستخفاف به من أية جهة كانت، داخلية أو خارجية. ومن هذا المنطلق قرَّر أن يكون في ثورة دائمة، ليس لها نهاية في الأفق المنظور، وذلك حتى تتحقق جميع أحلامه وآماله ومطالبه المشروعة.
من هنا فإن الذين يخافون أن تقطف أو تستولي هذه الجهة أو تلك على ثمار ثورته وأن تستفيد من جهد عرقه ودموعه لمصالحها الانتهازية يخطئون الظن والحساب، فالتغيُّر في الإنسان العربي عميق.
ثانياً: لا شكّ أن ظاهرة الثورة في الثورة التي مارستها جموع شعب مصر الغفيرة قد أضافت إلى الأنماط الخمسة الشهيرة للاستيلاء على السلطة، وهي الوراثة والانتخاب والتعيين والانقلاب العسكري والشخصية الكاريزمية القائدة، أضافت نمطاً سادساً يتمثّل في تعبير تمرّدي شعبي رافض من قبل غالبية كبيرة من المواطنين، متراصّة ولكن غير متماثلة سياسياً. في الأنماط الخمسة السابقة يتمّ الاستيلاء عادةً من قبل جماعة سياسية أو عسكرية نافذة سواء من داخل مؤسسة الحكم أو من خارجها، وهي تسعى لانتزاع السلطة من يد جماعة نافذة سياسية أو عسكرية أخرى تماثلها في داخل الحكم، لكن أحداث مصر كسرت تلك القاعدة.
من المؤكد أن هذا النمط الجديد مبهر وواعد، ولكنه لا يخلو من المشاكل وإمكانية السقوط في أيادي اللاديمقراطيين وقوى الثورات المضادة. ولذا فمن الضروري التفكير، من قبل المفكرين والعاملين في حقل السياسة، في أفضل السّبل للاستيلاء على السلطة وذلك من خلال التناغم والتعاضد بين هذا النمط الجديد والنمط الانتخابي الديمقراطي القديم، وذلك من أجل أن يقدّم العرب للعالم نوعاً جديداً من الممارسة الديمقراطية التي تقلّ فيها الثغرات الكثيرة الموجودة في الديمقراطية الكلاسيكية الغربية. ولا نحتاج للتذكير بأن النظام الديمقراطي الكلاسيكي أثبت بأنه في حاجةٍ للتعديل والتحسين المستمرَّين.
ثالثاً: سنمارس التفكير الطفولي الكارثي لو اعتقدنا بأن الانتكاسة السياسية التي أصابت الإسلام السياسي في مصر سيعني انتهاء تواجد الإسلام السياسي في أرض العرب. فالإسلام السياسي ليس ظاهرةً سياسيةً سطحيةً مؤقًتة، وإنّما هو ظاهرة عميقة الجذور مرتبطة أشدّ الارتباط بثقافة المجتمع العربي، وهي ثقافة في قلبها وعقلها وروحها قيم وعقيدة وتاريخ الإسلام.
الإسلام السياسي سيبقى معنا كجزء مهم وفاعل وجاذب في المشهد السياسي العربي، لكن من المؤكد أن حاملي لوائه سيحتاجون لإجراء مراجعة عميقة للكثير من جوانب ممارسات تياراته المختلفة، سواءً في نوع الخطاب السياسي أو في الأهداف السياسية والاجتماعية أو في العلاقة مع الآخرين، أو في التعامل مع حريّات الأفراد ومع دور المرأة المجتمعي.
وفوق كل ذلك سيحتاجون إلى حسم موقفهم من موضوعين بالغي الأهمية والتعقيد: موضوع الانقسام الطائفي المذهبي الذي بات يهدّد وجود الإسلام نفسه في الواقع وفي القلوب، وموضوع الإسلام العنفي العبثي المزوِّر لمفاهيم الجهاد في ساحة الصراعات السياسية الدنيوية البحتة.
إضافةً للمراجعات التي يجب أن تقوم بها جماعات الإسلام السياسي، وعلى الأخص جماعة الإخوان المسلمين، فإن المطلوب من القوى السياسية الأخرى، وعلى الأخص القومية العربية منها، أن تستمر في الحوار والتواصل مع القوى الإسلامية السياسية، الذي بدأته منذ ثلاثة عقود، والذي يجب أن يؤدّي إلى تعايش خلاق، وإغناء للممارسة الديمقراطية في وطن العرب.
النظر إلى ما جرى في مصر يحتاج إلى أن يعلو فوق مشاعر التشفي المريضة، ويذهب إلى الثوابت في سيرورة ثورات الربيع العربي الممتدة في الأفق العربي البعيد.
مطلوبٌ تجنب الانشغال بالهوامش والمؤقت، كأرباح وخسائر أميركا والكيان الصهيوني وهذه الدولة الإسلامية والعربية أو تلك، أو انشقاق هذه المجموعة أو تلك إلخ... الانشغال بذلك سيضيع علينا فرصة تاريخية للاستفادة من ألق وعبقرية أحداث كبرى تجري في كل الأرض العربية.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3961 - الخميس 11 يوليو 2013م الموافق 02 رمضان 1434هـ
إن قلته اللي يمشي بدربنا شي شوف .. أو قلتها طريقنا أنت تدري..
لم تكن تكهنات التي كتب عنها الكتاب في البحرين حول تضييع هويه البحرين ونسف نضاله. فكان ذلك واضحا بل جلي لما أصبحت الحركات التي تفتخر بطول نضالها وصبرها على الظلم والاطهاد والتنكيل والتعذيب الذي عاناه الشعب البحريني بمختلف توجهاته الفكريه، إلا أن مصيره واحد ولا ينقسم. لكن إستطاعت المخططات ما بعد تحرك 14 فبراير أن تنال من الشعب البحريني وتشطره وتفتته بالفتنه وبغيرها حتى فقد البعض البوصله ونسي حتى أنه سيعود الى الله يوم ما قد نسي البعض أن الشيطان عدو للناس وبعد ملك الموت لم يتقاعد أو لم يعلن ..
كم انت جميل يا دكتور
نعم اييد زائر رقم 1 ، نحن كذلك طلاب مدرسة المنامة التجارية منذ عرفناك وانت واحة من الفكر والثقافة والابداع ، اسف ثم اسف ان يبتعد هذا المفكر العظيم عن وزارة التربية والتعليم ، نتمنى ان يكون الرجل المناسب في المكان المناسب ، فانت يا دكتور علي مكانك وزارة التربية .
قاهر الطائفية تحياتنا لك
منذ ان عرفناك وزيرا للتربية ونحن ندرس آنداك في مدرسة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الثانوية وانت واحة من الفكر والابداع والفلسفة المنطقية والبعد الفكري ،،، اننا متأسفون لبعدك عن الاضواء الذين هو بحاجة لضوءك ... تحياتنا لك يا استاد (( طلاب راس رمان سابقا عنهم ولد الحايكي .