يحكى أن المفضل بن عمرو، وهو أحد أصحاب الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، وجّه لابن أبي العوجاء، الشخص الذي لم يعترف بالإسلام ولا بوجود خالق للكون، وصفاً قاسياً له حين كان يحاوره، حيث قال له «يا عدو الله». فانتقد ابن أبي العوجاء أسلوب المفضل بن عمرو في حواره معه وذكّره بأسلوب الإمام الصادق (ع) الذي كان يتحاور به مع أعدائه ومخالفيه، ومنهم ابن أبي العوجاء نفسه، فقال مخاطباً المفضل: «... وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل دليلك يُجادلنا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمِعت، فما أفحش في خطابنا ولا تعدّى في جوابنا، وإنه للحليم الرزين، العاقل الرصين، لا يعتريه خُرقٌ، ولا طيش، ولا نَزقٌ، ويسمع كلاَمنا، ويُصغي إلينا، ويتعرف حجتنا حتى نفرغ ما عندنا، وظننا أنا قد قطعناه، أدحض حجتَنا بكلامٍ يسير، وخطابٍ قصير، يُلزمُنا به الحجة ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه رداً، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه».
هذا هو الأساس الصحيح في المجادلة والحوار، أما اليوم فنجد أن الكثير من تراثنا الإسلامي الأصيل في كيفية التعامل مع المعارضين والمخالفين لنا في الرأي وكيفية إدارة الحوار معهم وبهم، قد اندثر أو غُمي عليه قسراً، والباقي منه قد اختلط بين الحابل والنابل، والغث بالسمين، حتى انقلبت المفاهيم وصار الحق باطلاً والباطل حقاً. وبالتالي لم يعد لكل إرشادات ودروس القرآن الكريم في تدريبنا على النهج القويم متبع هذا اليوم، فصار المتحاورون من أهل الحل والعقد لا يقفون طويلاً أمام قول الله عز وجل: «ادْعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادلهُم بالتي هي أَحْسَنُ إِنَّ ربَّكَ هُوَ أعلمُ بمن ضلَّ عن سبيلِهِ وهُوَ أَعلمُ بالمُهتدِين» (النحل/ 125)، بل يمرون عليها مروراً عابراً. وبعضهم ممن يُمسك بالأمر السياسي، أمسى وأصبح وهو لا يطيق لفظة حوار ومجادلة ولا يتحملها بأي شكل من الأشكال لأنها باتت تعطل لغة هو يتقنها بشكل أفضل، وهي لغة الحلول الأمنية العنيفة ومنهج مقابلة المطالب المحقة بالشدة والغلظة والانتقام، واستعمال ألفاظ الفُحش والسب والشتم، وإن كان هذا المنهج لا يتناسب مع خُلق المسلم الأصيل والقويم، والوطني الغيور على أهله ووطنه بكل طوائفه ومكوناته.
وهنا محاورون، مع تحفظنا على الوصف، كل يوم يخلطون الحابل بالنابل وتدعمهم بطانة صحافية وصل بها الحد أن تصف إنساناً عادياً جداً، فقط لأنه يتصدر مسئولية مهمة في موقع ما، بهذه العبارات: « له عمق في الرؤية، إبِصار ما كان، وما هو كائن، وما سيكون»، فماذا تركوا من صفاتٍ لله تعالي إذن! وكيف يمكن أن تتحاور مع مثل هذا الإنسان الخارق إن وجد على كوكب الأرض، وما هي طرق هذا الحوار؟
ناهيك عن أنه من أساليب المخالفين للحق ممن يعتمدون محاولة الغلبة على محاورهم بكل السُبل، هو «الاستفزاز» والإثارة للخصم، سواءً أكان رجل دين أم أعضاء جمعيات سياسية، حتى يوقعونه في مأزق فيستفزونه ويغيظونه بأشياء لا يتمكن السامع أن يتمالك نفسه فيأخذه الغضب والحنق، ولا يتمكن أن يمتلك أعصابه كما وقد وقع للمفضل بن عمرو عندما سمع كلام الزنديق ابن أبي العوجاء في إنكار الخالق فخاطبه بـ «يا عدو الله».
ولذا فمن أهم صفات المحاور، الذي يريد إنجاح أي حوار، أن يستعمل الأخلاق الحسنة مع مخالفيه، ويفسح المجال لمن يخالفه في الفكر والعقيدة، وأن يطرح كل إشكال أو انتقاد أو اعتراض عنده مهما كان ذلك الإشكال، ويستمع إلى رأي الطرف الآخر بكل دقة حتى يعرض ما لديه ولا يكتفي بما ينسب إلى الخصم، ويتعرف على أدلة الرأي الآخر المعاكس له بكل موضوعية، ولا يغضب ولا يتأثر، ولا يستعمل كلمات الفُحش حتى ولو اشتد النزاع والخصام. ولا يجب أن تنقص المحاور الحجة والدليل، وأن يلتزم بالحدود فلا يتعدى على غيره وإن كان ظالماً له، ويؤمن بالحوار الصريح والحر وليس المقيد بـ «ريموت» معين أو مكالمة مجهولة، وأن يتصف بالحِلم، وعدم العجلة، والرزانة، والوقار، وأن يكون عاقلاً رصيناً لا يعتريه خُرقٌ أو أي حمق، ولا يعتريه طيش وخفة عقل، ولا يعتريه نَزَقٌ وخفة في كل أمر، وعجلة في جهل وحمق.
فهل تعرفتم، يا من أثقل الحوار ظهورهم وهو لم يبدأ بعد، من تجمع الموالاة، على الفرق بين الحابل والنابل في الحوار الصحيح؟ وهل تعرفتم على صفات المحاور الناجح ومن يكون؟ لن نفصح عنه اللحظة حتى لا نُتهم بالطائفية والانحياز لطرفٍ دون آخر، أو الترويج لفئة دون أخرى، لكن فكّروا أحبتي في هذه الصفات وراجعوا أنفسكم في مساءٍ هادئ على شاطئ البحر بشرط أن يكون القمرُ منيراً في سماء البحرين، فلربما تسلكون طريق الرشاد من أجل صون البلاد وإنقاذ حياة العباد وإثبات أن الرجال، سواءً كانوا برلمانيين أم مستقلين، هم قول وفعل. أليس كذلك؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3958 - الإثنين 08 يوليو 2013م الموافق 30 شعبان 1434هـ
ما هو الموضوع في الحوار....سوى إضاعة الوقت وجعل الفرقة بين من يطالب أن يتشطر وينتهي ويندثر
بالرغم من أن الكلمة الحسنة واجب،لكن من أتى إلى الحوار من الطرف الآخر هدفه إطالة الوقت والتأزيم. المطالب واضحة،إذن ما هو مغزى الحوار......نصيحتي لكم أن تنسحبوا قبل أن تصبحوا مذمومين،وتخسروا .
يقال الحكمه ضالة المؤمن .. وين ضبعها ما يندره؟
ليس من الاسلام قتل ومقاتل وإغتيال أوإغتياب وإعتداء، فكما حرم الله القتل حرم الفتنه والاعتداء اللفظي وحتى الشك والضن والتجسس لم يحللها. لكن اليوم بلا وازع ديني أو رخصة من أحد الجهات المهنيه المعنيه. هنا ما فيه جهة مهنيه ذات إختصاص الا من عند الله يأخذون التراخيص. لكن وين عاد تكلم من؟ ناس عندها وكاله من عند الله بدون ترخيص منه. ويقولون رجال دين وفقهاء و.. و.. يقولون على الله ما لا يعلمون ويدعون ويعتدون.. ويفتون .. ويش خلو للحكماء يعني المجانين مو يقولون خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين؟
أحسنتم ..
هذا ما نحتاجه من كلمات الوعي والسماحة في الشهر الفضيل .. فإلى المزيد وفقكم الله
جدال وحوار ومناقشه وهوشه ومهاوش على رأي يمكن صاب ويمكن خاب
قد لا يكون من الناس من لم يعرف حق آل البيت (ع) ولا قدرهم ومنهم الصادق لكن من هذه الحواريه بين واحد من مناوئيهم والآخرمن اصحابهم يمكن القول أن شهد لهم البعيد قبل القريب أنهم على خلق و قد كانوا على بينه من أمرهم وحكماء وكرماء غالب على طبعهم الهدوء والحلم والقدره على ضبط النفس والحلم عند الغضب ليس الا لدى العضماء من الرجال. أليس كذلك؟ يعني خلقا وخلقا . اليوم شوف لك واحد يحترم رأيه ويقول بأن الرأي ليس ميزان ولا يقاس بالرأي كما قال الامام الصادق عليه السلام وهذا القول شبه وقريب لقول أفلاطون. متى ما