العدد 3956 - السبت 06 يوليو 2013م الموافق 27 شعبان 1434هـ

اخوان مصر بين تركيا والجزائر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في حركةٍ التفافيةٍ سريعة، تمكن العسكر المصري من استغلال خلافات النخب السياسية الفاشلة، الاسلامية والعلمانية معاً، ليعود إلى السلطة بعد عامٍ واحدٍ من الانقطاع.

عندما أعطى الجيش مهلة 48 ساعة لتنفيذ «مطالب شعب مصر العظيم»، كان يعلم بأن الطرف المعني لن يستجيب، وبالتالي سيحاصره في الزاوية ويخرجه من المشهد السياسي، ليطوي صفحة حكم الاخوان. لكن هل انتهى فعلاً الاخوان؟

الرئيس السوري بشار الأسد، وهو أكثر شخص فرحاً بالإطاحة بنظيره محمد مرسي، أعلن «نهاية الاسلام السياسي»، وهي عبارةٌ قاصرةٌ تذكّرنا بإعلان جورج بوش الانتصار على «الارهاب» عندما غزا العراق. فما حدث بعد ذلك انتشار الإرهاب في أربع قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية).

لاشك أن الاخوان المسلمين تلقّوا ضربةً قاسيةً جداً بإسقاط حكمهم في مصر، لكنها كحركة ايدلوجية لن تنتهي، وستبقى تقاوم كتيار ديني سياسي. هذا ما يقوله التاريخ بعيداً عن العواطف والنظرات السياسية القاصرة.

هناك من يعتقد بأن الاخوان وُضعوا في الحكم لتعريتهم وكشفهم، وهو منحى من التفكير المؤامراتي، لكن التحليل الموضوعي أنهم كانوا القوة الأكثر تنظيماً وتجذّراً في الواقع المصري، واستفادوا من الفراغ السياسي وضعف التيارات الأخرى للوصول إلى السلطة بعد سقوط نظام مبارك.

لاشك أن الاخوان ارتكبوا أخطاء فادحة سحبت بسرعة من رصيدهم الشعبي وبزمنٍ قياسي، وخسروا في عامٍ ما بنوه في أكثر من نصف قرن. هذه حقيقةٌ مؤكّدةٌ، لكن اختفاءهم من الساحة ليس وارداً على الإطلاق، ويمكن أن يبقوا رقماً مؤثّراً بسبب عاملين: تصرفهم بحكمة، وتصرف أعدائهم بغباء.

لقد خرج الاخوان من تجربة مريرة، فإذا تصرّفوا بعنف وناطحوا الجدار، فربما ينتهون إلى مصير جبهة الانقاذ في الجزائر. وهو ما يتمنّاه لهم الكثيرون: أنظمة عربية وأجنبية وتيارات منافسة. وإذا انقادوا لردّ الفعل الغرائزي العنيف، سيسقطون في المصيدة القاتلة. وهو أمرٌ سيضعفهم كثيراً في المدى القريب، ولكن سيخدمهم في المدى المتوسط. فسياسات العسكر الانتقامية وملاحقة قياداتهم والزج بكوادرهم في السجون وتقديمهم للمحاكمات القراقوشية التافهة، سيحوّلهم إلى ضحايا وشهداء.

الخيار الآخر هو الاستفادة من التجربة التركية، وهم قريبون منها من الناحية الفكرية والمواقف السياسية البراغماتية. فقد سبق أن أسقط الجيش التركي حكومة أربكان الاسلامية المنتخبة، فأعاد خلفاؤه تنظيم أنفسهم وعادوا إلى الحكم وبقوة أكبر.

لقد خرج الاخوان من حكم مصر بطريقةٍ مهينةٍ جداً، لم تكن تخطر لهم على بال، وسيظل تأثيرها النفسي والمعنوي شديداً، عليهم وعلى امتداداتهم في الوطن العربي. وسيترك لديهم شعوراً عميقاً بالمظلومية، والتعرّض لـ «مؤامرة كونية» – إذا استخدمنا لغة الأسد- شاركت فيها دولٌ عربيةٌ وأجنبية، وتخلّى عنهم حتى السلفيون الذين اعتبروهم حليفاً استراتيجياً يمكن الرهان عليه عندما تشتد الأمور، فإذا بممثلهم يخون العهد، ويشارك «الانقلابيين» في جلسة «النكث بالبيعة» وإسقاط الرئيس «الشرعي» المنتخب.

في مسرحيته «مأساة الحلاج»، يصوّر صلاح عبدالصبور ساعة إعدام الحلاج، حين جاء الخليفة بصفوفٍ من العامّة ليشهدوا هذه اللحظة التاريخية، يقول:

الأجهر صوتاً والأطول وضعوه في الصف الأول

ذو الصوت الخافض والمتواني... صفوه في الصف الثاني.

وحين جاء صاحبه الشبلي ورآه مصلوباً والجموع تصفّق في هياج، ما كان له إلا أن يذرف دمعة، ويرميه بوردةٍ كان يحملها.

الاسلام السياسي الحركي، بنسختيه السنية والشيعية، على أخطائه وسلبياته وحتى غروره، لن يختفي من الساحة، بسقوط هذه التجربة الاخوانية البائسة في حكم مصر... خصوصاً أن البدائل السياسية الأخرى لا تقل عنه تهوراً وسلبيةً وغروراً.

الحكاية المصرية لم تنتهِ بعد، والربيع العربي مازال في بداياته، وعلى الشعوب العربية أن تتحلى بالصبر حتى يثمر الربيع.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3956 - السبت 06 يوليو 2013م الموافق 27 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 8:54 ص

      اختك مثلك

      الأحزاب الإسلامية كلها متشابهة في المضمون و إن اختلفوا في الشكل. ينطلقون من مبدأ اجعلونا في الحكم و ستفوزون بالدنيا و الآخرة ... فأما الدنيا فهم أفشل من يديرها لعمري كيف لأصحاب اللحى و العمائم أن ينشؤوا المصانع و يعقدوا صفقات الأسلحة و يضعوا ميزانية الدول ... فهم يخرجون من الأرياف بتفكيرهم البسيط عن إدارة المساجد و الحلقات الدينية ليقفزوا لإداردة الدول و الأمة. و أما الآخرة ففي أحسن الأحوال لا نعلم كيف ستكون، فلدينا 60 ألف فرقة كل منها يدعي أنه هو الصحيح و غيره الخاطئ ... إذا فذلك في علم الغيب.

    • زائر 11 | 8:39 ص

      بل هي بداية نهاية الإسلام السياسي

      الشعب المصري بطبعه متدين (مسلم و مسيحي) ... أعرف شخص مصري محافظ جدا على الصلاة و قراءة القرآن و هو ضد الإخوان و يعي أنهم يستخدمون الدين للوصول للسلطة (حالهم كحال الذين عندنا بنسخهم الشيعية و السنية) .... فقط يجلسون و يعزفون على معزوفة الفساد المستشري (و كأن لديهم عصاة موسى التي ستنهي هذا الفساد و كأنهم معصومون عن الفساد!) .. يعدون الناس منذ عقود بالعسل و اللبن إذا وصلوا للحكم و ما إن وصلوا للحكم حتى صار الناس يتحسرون على البصل! أحزاب الإسلام السياسي ليست لديها رؤية و تعتمد الديموغاجية كمنهج.

    • زائر 10 | 8:27 ص

      الاخوان الاقصائي

      واضح ان الأخوان قد افتضحوا بعد تجربة بسيطة ، فهم ما صدقوا حكموا البلد راحوا يفكون كيف يسرقوا المناصب و الكراسي و يستأثروا بالخيرات و أرادوا أن يعوضوا عما فاتهم أيام عبد النصار و السادات و مبارك اللي طلع اشرف منهم
      تحياتي ابو سيد حسين

    • زائر 9 | 6:31 ص

      مثل مصري,,,,

      "وعلى الشعوب العربية أن تتحلى بالصبر حتى يثمر الربيع",,,,,,
      صدق إللي قال:-
      إللي يدوه في النار ,,,,مش زي اللي يدوه في الخبيص,,,,,

    • زائر 8 | 2:54 ص

      هو ذا وذاك

      هو انكشاف لحقيقة الاخوان هذا امر مؤكد والآن يبقى التأكيد على ذلك بسبب ردة فعلهم

    • زائر 7 | 2:52 ص

      الأخوان لم يستوعبو الدرس جيداً

      الى الان لا تدل تصرفات الأخوان في مصر أو خارجها بأي حكمة سواء عندما استلموا السطة وهمشوا القوى الشبابية والليبرالية وحتى الاسلامية الأخرى أو بعد سقوط مرسي حيث ازدادو تعنتاً وغباء.واعتقد انهم سيستمرو في حالة عدم التوازن لأنهم لم يستوعبوا الدرس بأن الجماهير قد تخلت عنهم اعتقدوا انهم ملكو ناصية الحدث وسيطرو على البلاد والعباد وبدأو بقضم المجتمع إلا انهم تفاجئو بغير دلك.

    • زائر 6 | 1:30 ص

      متى يا فرج الله

      سيدنا الفاضل ( أن لو استقاموا علىزالطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) هنا المشكلة اخوان مسلمين اخوات علمانيين شيوعيين وسمي ما شئت كلهم في الهم سواء وان يصلح حال هذه الامة الا بالرجوع الا المنبع الأصيل وهدا لن يكون ولن يسمح له أن يكون فالكل مستفيد من الوضع الحالي باستثناء الشعوب ولن ترضى عن اليهود ولا النصارى

    • زائر 5 | 12:48 ص

      ياريت يبتعدون اشوي عن العصبية

      في صدر الاسلام هناك تجربة حقيقة وواضحة، التاريخ يشهد في كتب العامة والخاصة بأن الخلافة كانت من حق الإمام علي عليه السلام بوصيةٍ من رسول لله (ص)، وعندما قرر الصحابة بأن تسند إلى الخليفة الأول أبي بكر، لم نرى من الإمام علي (ع) إلا الصبر والإحتساب، نتمنى من الإخوان في مصر اتباع نهج علي ابن ابي طالب (ع) للحفاظ على الإسلام والمسلمين كما فعل أمير المؤمنين علي (ع)

    • زائر 3 | 11:39 م

      أعباء الرئاسة المصرية

      اكيد اللي بيجي عقب مرسي يمكن ما ايكون احسن من مرسي بس راح يستفيد من أخطاء مرسي .. وعموما تولي رئاسة مصر اشبهها عندنا بتولي وزارة الصحة في البحرين (يعني الوزير اللي يبون يبلشونه عطوه هالوزارة) لأن أعبائها كثيرة .. وشكراً

    • زائر 4 | 11:39 م

      أعباء الرئاسة المصرية

      اكيد اللي بيجي عقب مرسي يمكن ما ايكون احسن من مرسي بس راح يستفيد من أخطاء مرسي .. وعموما تولي رئاسة مصر اشبهها عندنا بتولي وزارة الصحة في البحرين (يعني الوزير اللي يبون يبلشونه عطوه هالوزارة) لأن أعبائها كثيرة .. وشكراً

    • زائر 2 | 11:31 م

      السلفية

      الاخوان في مصر اسقطتهم حماقات السلفيين الذين حاولوا ان يحولوا مصر الى ولاية طالبانية فأخاف القوى الاخرى وكذلك أخونة الدولة

    • زائر 1 | 11:01 م

      سنابسيون

      ياسيد الناس فاهمه الربيع العربي خطأ فالشعوب تظن انها بإزالة الحاكم الظالم او الفاسد ستصبح الناس اثرياء ليس هذا فقط بل يظنون ان بين يوم وليلة يستطيع الحاكم الجديد ان يغير حال شعبه وكأن عنده عصاة سحرية !! لا ياجماعه لا تظنون ان ذلك سهل وتعال يا سيد فهم الجماعه بفكرتك سترى ان الكل فكره متحجر لا يقتنع ابدا

اقرأ ايضاً