الأمهات لسن مجرد حضن واقٍ من الألم والضيق والضجر؛ هن صوت المحبة والتسامح الداخلي مع النفس، حين يكون صوت الامتنان بداخلنا أعلى من صوت أنانيتنا المفرطة وجحودنا المريع.
هن وسيلة للتقرب إلى الله حين نبرّ بهن ونرعاهن ونقبل أقدامهن حباً واحتراماً وعرفاناً، وكيف لا وهن رسولاتنا إلى الجنة، وقد قال فيهن الله ورسوله ما لم يقولاه في غيرهن؟
في الحياة التي تتسم بالاستقامة وعدم الخروج عن الفطرة التي خلقنا الله بها، لا نملك إلا أن نتمسك بإنسانيتنا فيما يخص الآخر، إنسانيتنا التي شرّع لها هابيل وخانها قابيل، إنسانيتنا التي كان من المفترض أن تكبر كلما كبرنا لتصل إلى ثقة الله بنا، وهو الذي أرادنا أن نكون خليفةً له في الأرض. ولكن حين يخرج أحدنا عن هذا الإطار السويّ، الإطار الذي طالما احترمنا كل من يسكنون بداخله، إطار المحبة والتسامح والاعتراف بالجمائل والتمسك بتعاليم الإنسانية والدين، حين نخرج من هذا الإطار يختل اتزان الكون باختلال البياض بداخلنا، وكيف لا يفعل ونحن الذين من المفترض أن نكون عند حسن ظن الله بنا؟
أعرف أحدهم، يحب الله حباً جماً، ويحب والدته حباً كبيراً، والدته التي أنجبته وربّته ورعته وهي التي ترمّلت منذ بداية شبابها وفي حضنها أبناء أكبرهم للتو أنهى حياته المدرسية، فصبرت على كل الحاجة والتعب إلى أن تخرج جميعهم من مدارسهم وجامعاتهم وكانت لا تملك من المال إلا القليل الذي يدره عليها تعبها الوافر من أعمالها في الخياطة وبيع الكتب، إذ كانت تضطر للمشي ساعاتٍ كي توصل كتاباً لإحدى الزبونات، أو توصل عباءةً للتو انتهت من خياطتها لزبونة لا تستطيع العودة لها!
هذا الابن أعلاه، بارٌ جداً بوالدته هذه، لا يزورها إلا بالمحبة والامتنان، ولا يلقاها إلا بالابتسامة والورد، وكيف لا وهي التي عانت طوال شبابها من أجل توفير ما يحتاجه هو وأخوته، حتى سرق منها التعب كل الندى والعنفوان، ولم تتذمر يوماً أو تري أحداً من أبنائها دمعة حسرة أو تعب اعتادت على إخفائها بنجاح كلما داهمتها على حين ألم.
بارٌ بها لدرجة أنه يقبل الأرض تحت قدميها، ولا يسمح لأحد أن يرفع صوته عليها مهما كان عزيزاً عليه، ويعتذر منها في كل يوم يلقاها به خوفاً من غضبها عليه، يعتذر عمّا فعل وما لم يفعل، وكيف لا يخشى هذا الغضب ورضاها من رضا الله تعالى؟
مثل هذا الابن مثال للبر والتدين والأخلاق، عرف حق والدته التي لا تتكرر في كل ما فعلته وما عانته في حياتها، ومثل هذه الأم شمعة في ظلام الأنانية أفنت حياتها من أجل أبنائها وقامت بواجبها وأكثر، فصار لزاماً على أبنائها تكريمها والمحافظة على سعادتها وهي التي بلغت من الكبر عتياً.
حفظ الله أمهاتنا ورحم من مات منهن وجعلنا من البارين بهن، العارفين حقوقهن، المحظوظين برضاهن.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3955 - الجمعة 05 يوليو 2013م الموافق 26 شعبان 1434هـ
عيد دائم للأم
لفتة انسانية جميلة تذكرنا بامهاتنا. لا نحتاج إلى يوم واحد في السنة ليذكرنا بأمهاتنا. الأم يجب أن تكون حاضرة دائماً في قلوبنا وليس فقط في عيد الأم. .
انت نموذج مثلها
قبلة ملائكية فوق جبينك يا أجمل أم نسختها الأقدار كي تكون نموذجا مشابها لهذه الأم التي كتبت عنها ، حفظها وحفظك الله ، وجهل ابنائك وأبنائها من البارين بكما ،