العدد 3953 - الأربعاء 03 يوليو 2013م الموافق 24 شعبان 1434هـ

القلم والألم ومِقوَد الجهل والضغينة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سألَ الزميل عبد الستار حتيتة، ضيفه الإعلامي المصري، والمذيع بقناة العربية محمود الورواري عن أول موضوع صحافي كَتَبَه. ردَّ الورواري بالقول: بأن أول قصة صحافية كتبها كانت عن «بنات الليل». ويُضيف «اضطررت للإقامة في فنادق تقيم فيها بنات الليل من الراقصات وممثلات الكومبارس وغيرهن، حيث التقيتُ بهذه النوعية من البنات».

ثم يُشير، إلى أنه ذَهَبَ إليهن في أماكنهن ولديه انطباع سيّئ عنهن، جَعَله يكرههن بسبب طبيعة عملهن. لكن وحين التقى بهن، واستمعَ لحكاياتهن «كانت لكل واحدة منهن قصة إنسانية» فاكتشف أن «هذه الشريحة من البشر مظلومة جداً» وتعلم في هذا التوقيت، ومن خلال تلك التجربة، أنه لا يجب أن يكون قاضياً ولا رجل شرطة.

وخَتَمَ الورواري (وهو بالمناسبة أديب له أربعة عشر كتاباً، وعَمِلَ في الإعلام عشرين عاماً) حديثه بالقول: لقد «تعلمت وقتها أنه لابد، قبل أن أطلق الحكم على أي قضية، أن أعرف ما يسبق إطلاق هذا الحكم من دراسة وعلم بالتفاصيل والملابسات». انتهى.

ذكرتُ هذه الحادثة، كونها ذات وشيجة قوية بأمريْن اثنيْن (على الأقل بالنسبة لي). الأول: ما يُمكن تسميته بعلاقة القلم بالألم الإنساني. والثانية: هي علاقة العداوة البشرية بالجهل، من باب أن «الناس أعداء ما جَهِلوا». ثم علاقة الأولى بالثانية، بحيث تصبح الثانية، بمثابة الشيطان المُسيِّر للأولى، ليتحوَّل القلم، إلى صِنوٍ للضغينة.

قبل كل شيء، ليس ما قاله الورواري تشريعاً أو تبريراً لفعل لاأخلاقي وسَطَ مجتمع محافظ، بقَدَرَ ما هو استقراء، وبحث جاد في موضوع ما، أفضى إلى نتائج لا تتفق بالضرورة، مع الصورة المُختَزَلَة عن ذلك الموضوع إذا ما تم قراءة مقدَمَتَيْه الصغرى والكبرى بشكل مُجرَّد. كَوَن المقدَمَتَيْن، تحملان الكثير من التفاصيل المُركَّبة والمعقدة.

أولا: البعض، قد ينظر إلى الصحافة، على أنها مُجرَّد خبر. وطالما هي خبر، فإن السَّبْق فيها هو الإنجاز والنصر المُؤزَّر. وهو باعتقادي تصوُّر خاطئ، كونه أليَق بالصحافة الصفراء. فهناك من الآلام البشرية، ما يُذيب الصخر لِهَولِه، وهي تنتظر مَنْ يأتيها، كي يجعلها أكثر مشاهَدةً وأكثر حضوراً في الرأي العام، طمعاً في النصرة لها ضد الحَيْف.

فهذه الآلام البشرية المنسيَّة (حتى في أدنى السلوكيات الهابطة) عادة ما تكون محشورة أو ضائعة، وَسَطَ تفاصيل هي بذات الهرم، الذي تبرز في قمته، دون أن يكون لها قيمة تذكر، مع استيلائها على كامل الضوء والاهتمام. في حين، تُرحَّل الأشياء المهمة إلى القاع، حيث لا يراها ولا يتلفت إليها أحد، على الرغم من أنها زاوية الفعل الحقيقية.

أتذكر هنا، أنني كَتَبتُ مقالاً عن زوجة الأب، تحدثتُ فيه عن ويلات الأيتام، بعد وفاة أمهم، ومجيء زوجة جديدة لأبيهم، حيث لا تعاملهم معاملة إنسانية. فتبدأ معاناتهم معها في كل شيء، دون مراعاة منها لأي ذكرى أو حساسية، قد تتولَّد عندهم حين يُصادفون كل ما يُذكرهم بأمهم الراحلة. وهي في الحقيقة، إحدى أكثر الآلام الاجتماعية التي تعاني منها الأسَر.

ورغم أن هذا الموضوع، قد يكون مُبرَماً في أغلب حالاته، إلاَّ أنني تلقيتُ اتصالاً من إحدى الأخوات، بعد نشره، تلومني فيه، بعدم إنصافها! وقد شَرَحَت لي فيه باستفاضة، ما تعنيه، وما تُعانيه «كزوجة أب لأيتام» من أبناء زوجها الخارج من الترمُّل تواً، رغم ما تبذله (حسب قولها) من جهد كبير، لترضيتهم، وتبديد الخوف منهم، وإسباغ الحنان عليهم. وهي قضية عكسية، لكنها واقعية، وليست من نَسْج الخيال، طبقاً لما ذكرته الأخت.

ما أود الإشارة إليه، أن الأشياء، يجب أن نفترض فيها أكثر من نتيجة. فالحقيقة، نادراً ما تظهر إذا لم يتم البحث عنها، كما قال الشاعر الأميركي أوليفر وندل هولمز. لذا، فإن القلم له علاقة وثيقة باستشعار ما يُخفَى (أو خَفِيَ) من آلام. وحين تنكسر الأقلام عن تحسُّس ذلك، تصبح أداة لزيادة الألم الأصلي، وبالتالي خصماً للتدمير والافتئات.

ثانياً: يشهد تاريخ البشر والجماعات، أن عديداً منهم (فُرادى وزَرافات)، قد تنمَّر على غيره، وتهارَشَ مع نظير له، ومالأ ضِداً على ضد، وتبارز في العداوة على مَنْ لا يستحق، والسبب في ذلك الجهل، والريبة الجاهلية، دون أن يكون له حظٌ في معرفة تفاصيل ما تنمَّر عليه، وتهارَشَ معه، ومالأ ضده وعاداه. وهو في حقيقة الأمر، غاية الجهل ومنتهاه.

لقد قال جورج شابمان من قبل: بأن الجهل أصل الإعجاب. وقال سنيكا الأصغر قبله: أن من التهور أن تُدين ما تجهله. ثم عطفتها إليوت بقولٍ نقدي ثمين: بداية المعرفة، سواء كانت مع أشخاص أو أشياء، هو أن نحصل على ملخص محدد لجهلنا. فالجهل بالأشياء لا يمنحك إلاَّ الاستعداء، والمواقف المُسبقة، وساعة الغضب، التي هي أضر الساعات وأخطرها، لأنها عمياء، ولأنها بلا عقارب ولا أقارب، كما وصفها رضا ديب عواضة.

إن القيمة الأساسية للقلم، هو أن تتوصل إلى أشياء جديدة، وإلى نتائج أخرى. وعندما تتوصل إلى تلك الأشياء الجديدة، والنتائج الأخرى، فليس من الضروري أن تكون جَبّاً لسابقتها، بل في أحيان كثيرة، قد تكون مُقوِّمةً لها، أو مضيفةً عليها. فالعلم والمعرفة، تراكميان. وكم من العلوم التي هُجِّنت، فأنتجت فتوحاً من المعرفة والفكر الغزير.

مع شديد الأسف، قد تطلع علينا في غير مرة، أقلام لا تتحسَّس أبداً آلام البشر. ثم يزيدون عليه، حين تكون الضغينة إحدى أهم روافدهم ودفوعهم. وهو ما يُحيل المعرفة، إلى أشبه ما تكون بالأسيرة، في قبضة نفسٍ بشرية مريضة، تُسَخِّر كل شيء لنشر دائها على الأصحاء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3953 - الأربعاء 03 يوليو 2013م الموافق 24 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:51 م

      مقال جرئ

      مقال جرئ في زمن الفتن في زمن الفرز الطائفي مقال جرئ وصادم للعقول التي حجرها التمذهب .... اشد علي يدك لهذا المقال الرائع والذي ارجوا ان يتبعه مقالات اخرى بنفس الموضوع والعمق والجرأة ...

    • زائر 4 | 12:14 م

      دعوة لتخلص من معانات الضغينة والام ، والانطلاق نحو القيمة الأساسية للقلم

      لسنا معنيين بما تختزنه من غل وضغينة وهي اهم روافدك ودوافعك حتى انك اصبحت اسيرا في الكتابة عن ضغينتك لايران ، انك ايها الاخ العزيز بصراحة في هذا المقال قمت بتحليل دقيق لنفسك ولكنك نسيت ان تضع الحلول لها ، اتمنى عليك ان تريح نفسك وتتوقف عن كتابة مزيد من الضغينة عن ايران ولو لبعض الوقت حتى تتمكن من الخروج من السجن الذي وضعت نفسك فيه بعدها تستطيع ان تنورنا بمقالتك ولكن بعيد عن الضغينة التى عهدناها منك لننا سئمنا منها وهي دعوة صادقة لتريح نفسك وتريحنا من هذه الضغينة وروافداها ودوافعها وآلامها .

    • زائر 2 | 6:09 ص

      الجهل والضغينة كنت اجهل وبحثتو ونظرتو الى الحقيقه شئء اخر

      اخي الكاتب انت تجهل حق الشعب الايراني انت عنك ضغينة على اية الله حسين علي منتظري قل لنفسك هداك الله انا احترمك يا اخي الكاتب وهذا نصيح لله انظر الى الحق تعرف اهله ابحث عن الحقيقه والحق اترك التيار المحافظ انظر الى الحق اترك ميولك الشخصيه والحزبيه اترك اهوائك النفسيه وميولك انظر اين هو الحق ودافع عن الحق اترك عنك الشخصيات المتزمتة ابحث وراجع نفسك وحساباتك واجعلها على الميزان اسأل نفسك هل انت راضي هل ان الله راضي عن ادائك القلمي هل تحليلك واقعي ام حزبي خيالي راجع نفسك والله اقدم لك نصيح لله

    • زائر 3 زائر 2 | 7:34 ص

      صح كلامك

      الكاتب العزيز متعصب ومتحيز لنفسه كنتو ارى تحليلاته عن الوضع الايراني كلها قلط

    • زائر 5 زائر 2 | 12:58 م

      عجبتني

      عجبتني كلمة قلط

    • زائر 1 | 5:17 ص

      مقولة:::::::::::::::::

      قال سنيكا الأصغر قبله: أن من التهور أن تُدين ما تجهله

اقرأ ايضاً