العدد 3953 - الأربعاء 03 يوليو 2013م الموافق 24 شعبان 1434هـ

مصر ودرس آخر في كشف الكباريهات الإعلامية

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

التغيّرات والتحوّلات على الأرض تصيب السياسيين وأجهزة الاستخبارات العربية بحال من الصَرع. ثمة أمانيّ بالتوصل إلى أجهزة رصْد للنوايا؛ كي لا تُثبت التغيّرات والتحوّلات أنّ كل هذه المليارات التي تنفق لحماية عشرات على حساب ملايين تذهب أدراج الرياح، وأن مهندسي السياسات في مُجملها؛ وخصوصاً الأمنية منها، لا يفقهون في معنى أن إرادة مهما تأجّلت ووجِلتْ، تكشف في لحظة انفجار وبعد سنوات من القمع والنهب، ألاّ قوّة في الدنيا يمكن أن تحُول دون الوصول إلى أهدافها وتحقيق مراميها. وحين يعصف بالناس خيار أن يحيوا كما يجب وإن دفعوا ثمن ذلك موتاً يستحق؛ أو أن يحيوا أمواتاً بالوتيرة والواقع والظروف التي يعيشونها؛ والتي هي أقل قدْراً من البهائم وحتى الأشياء!

مصر تصنع اليوم تاريخاً أكثر دقة وحساسية وأهمية من الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011؛ وخصوصاً في ظل الاستقطاب الطائفي الذي تدفع ضرائبه ومحصّلاته المنطقة العربية؛ بعبور «جهاديي» التكفير الحدود لتكريس واقع من الانقسام والتفتيت والذبح والتفخيخ على الهوية، وطيف من «الإخوان المسلمين» في مصر ليس بريئاً مما يحدث هناك. مقاطع الفيديو التي تم تعميمها وتناولها في البرامج الحوارية تكفي سنداً. تناوله مواطنون مصريون معتدلون وليسوا طائفيين؛ أو صفويين! من مؤتمر حضره الرئيس تم فيه التحشيد وتكفير فئة من المسلمين، اكتفى منه بالصمت، وما سبقه من خطاب تحشيدي في ستاد حضره عشرات الآلاف؛ ولم يكن يتحدث حينها عن القوانين المُحدّثة لكرة القدم؛ بل عن تكريس وتعميق للكراهية وما يحملانه من تحريض غير مباشر أيضاً، وما أعقب كل ذلك من حرق وقتل وسحل. الذاكرة في الأرض تحتفظ بأرشيفها!

هذا الاختطاف لثورة وإنجاز ملايين المصريين الذين صمدوا ورابطوا في ميدان التحرير بكل سلميتهم وتحضّرهم، وبعد انتظار عام كي يتمخّض «مشروع النهضة» ولو عن فأر؛ ليتمخّض عن عدمٍ واقتراب الدولة من الإفلاس، وهروب المستثمرين، وشللٍ انتاب كل قطاعات الاقتصاد المصري، واقتراب الاحتياطي من العملات الأجنبية من الانحسار، وارتفاع معدل البطالة، واستحواذ الحزب الحاكم على التعيينات في معظم مرافق الدولة ومحافظاتها؛ ما يكشف عن صفْر في الخبرة في التعاطي مع ملفات معقّدة وغير معقدة أيضاً، يدفع الملايين هذه المرة وبشكل مضاعف لاسترداد ما تم اختطافه، وتصحيح ما تم تسميته «مشروع النهضة» الذي تحول إلى «وكْسَة»، ورفع شعارات لن تغني ولن تسمن من جوع وكرامة في الوقت نفسه.

مصر لا تصنع تاريخها فحسب في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ العالمين العربي والإسلامي؛ بل يمكن لها أن تقدم رسالة إلى بعض دول العالم التي استنزفت ثروات وإرادة وخيارات الأمة طوال عقود؛ وخصوصاً الجارة لمصر الكريهة والعنصرية (إسرائيل)، أن زمن تغييب الشعوب ورسم إرادتها الافتراضية وتزويرها ولّى، وعلى دول في المحيط وما بعده تحسّس المزاج والأسلوب المعتمد في التعامل مع شعوبها باعتبارها لازمة من لوازم إقامة الدولة وعلمها ونشيدها الوطني ومعتقلاتها وبوليسها السري!

والإعلام العربي في مجمل خريطته بات إعلاماً عقائدياً؛ حتى بالنسبة إلى أولئك الذين لا يعنيهم الدين شيئاً، وحضوره على شاشاتها لا ينفصل من قريب أو بعيد عن الخطة الاستثمارية للمؤسسة باستقطاب أكبر عدد من المشاهدين للظفر بأكبر قدر من كعكة الدعاية والإعلان في سوق شرسة لا تجرؤ على التحدث عن أخلاقيات في المهنة والممارسة. إحدى القنوات الفضائية الخليجية وما قبل سقوط الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك؛ ظلت ولأيام قبل سقوطه، من دون حياء طبعاً، على مبعدة مما يحدث في ميدان التحرير وغيره من الميادين، وليتها اكتفت بذلك، كانت تقتنص ما يناسب التوجيه الذي تتلقاه باعتبارها تابعة في سياستها العامة لبلد نفطي نافذ، فتخرج على مشاهديها بما يستفزهم؛ ولأن ذاكرة مصر وأبنائها لا تنسى ولا يمكن الالتفاف عليها، ظل الأداء الأسود والمتواطئ لتلك القناة حاضراً.

تغيّرت التحالفات أو اصطدمت واختلفت، فكان الأداء هذه المرة في طريق الانسجام مع الحال الغالبة للخيار المصري الاستثنائي واللافت، وعلى استحياء أيضاً.

في المقابل، ظل طيفٌ وقطاعٌ كبيرٌ من متابعي القنوات الإخبارية ينظر إلى إحدى القنوات التي تم تدشينها قبل نهاية القرن الماضي، بعين الريبة؛ ولم يكن العالم العربي يعيش تحولاته وربيعه الذي نشهد، والذي هو في تصاعد وإن اشتدت آلة القمع والقتل هنا وهناك. القناة نفسها ساهمت بشكل غير مباشر في تغطية جغرافية امتد إليها الربيع العربي وبانتقائية مكشوفة. لن نعدّد الأدوار والملابسات والتمويل. مادمنا في مصر، القناة نفسها ألقت بكل ثقلها، واستنزفت مخصصات عام لمراسليها في ظروف طبيعية، في شهرين؛ دفعاً واستماتة في سقوط حسني مبارك وبأي ثمن. كشف ذلك عن خلافات عميقة في دول المنطقة قامت بتصفيته الآلة الإعلامية بالنيابة عن الآلة الدبلوماسية التي كثيراً ما تمارس الكذب نفسه؛ ولكن نادراً ما يكون على الهواء مباشرة كما هو الحال مع الآلة الإعلامية. القناة نفسها بكل شبكتها المتعددة؛ كأن ما يحدث في مصر هذه الأيام لا يعنيها في شيء! تُقَلِّبُ القنوات التابعة إلى شبكتها؛ وخصوصاً «مباشر» وتفاجأ في ذروة المليونيات غير المسبوقة في ميادين مصر، تتابع برتابة حيناً زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تنزانيا، وحيناً آخر، وفي شهوة بالغة تغطية «الجهاديين» متعددي الجنسيات وهم يرسمون خريطة الخراب والدمار والنحر باسم الله في بلد ليس بعيداً من مصر!

مصر تُعرّي ما يشبه الكباريهات الإعلامية التي تنظر بعين لحق شعب في تقرير مصيره؛ وعين أخرى لا أثر يدل على نور فيها.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3953 - الأربعاء 03 يوليو 2013م الموافق 24 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:06 ص

      اتفاق الاعراب مع الاغراب

      اتفقوا هؤلاء لكي يتقاسموا اشلاء الضحايا من الطائفه المستضعفه بكل وقاحه وهاهم يغلقون القنوات الاكثر قربا من الشعوب ومشاكلهم وقضاياهم وكفى لاهل البصيره التمييز بين الحق والباطل

اقرأ ايضاً