العدد 3953 - الأربعاء 03 يوليو 2013م الموافق 24 شعبان 1434هـ

المفكر علي فخرو: الوضع «المؤلم المفجع الحقير» يضعنا أمام «محنة كبرى»

الاحتماء بالمذهب والقبيلة والعرق ينشأ في المجتمعات التي تغيب فيها المواطنة المتساوية

المفكر البحريني علي محمد فخرو متحدثاً في مجلس يعقوب سيادي
المفكر البحريني علي محمد فخرو متحدثاً في مجلس يعقوب سيادي

وصف المفكر البحريني علي محمد فخرو، الانقسام الطائفي الذي تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية بأنه يمثل «وضعاً مؤلماً مفزعاً مفجعاً حقيراً» نعيشه اليوم ويضعنا أمام «محنة كبرى»، لكنه كرر التأكيد على أن مظاهر الاحتماء بالمذهب والقبيلة والعرق تنشأ في المجتمعات التي تغيب فيها الديمقراطية والعدالة والمواطنة المتساوية.

وشدد فخرو في محاضرة تحدث فيها تحت عنوان :»ما وراء الانقسام الطائفي»، بمجلس يعقوب سيادي مساء أمس الأول الثلثاء (2 يوليو/ تموز 2013)، وأدارها فؤاد سيادي، على أن العيش في التاريخ بفهم خاطيء وبصورة مسيئة نراها في المساجد والمآتم والقنوات الفضائية؛ حيث المذهبية والطائفية تستخدم يومياً من أجل أهداف سياسية ومالية ودنيوية، مما يجعل الحل للمشكل الطائفي صعباً، ونبني بذلك إنساناً عربياً مسلماً لديه قابلية ممتازة للطائفية، يلزم حتى نواجهها أن نتخلص من جوانب مرتبطة بالطائفية كالتاريخ والثقافة والكلمات والأوصاف.

الولاء للقبيلة والمذهب يعلو على الولاء للوطن

وفي شرحه لمسببات الانقسام الطائفي من الباب السياسي، أشار فخرو إلى أن المواطن يحتمي بقبيلته وبمذهبه وبعرقه إذا كان يعيش في مجتمع «غير ديمقراطي»، ذلك أن الولاءات الطائفية التي تعلو على الولاء للوطن لا تأتي إلا في مجتمع تغيب فيه المواطنة المتساوية، وتغيب فيه المساواة بين المواطنين والفرص المتكافئة، فيضطر المواطن للاحتماء بالطائفية بدرجة لا تقل عن الاحتماء بالحزب والقبيلة، كما هو حاصل في بعض البلدان العربية.

وأوضح أن الأحزاب الإسلامية السياسية، التي فشلت في العامين الماضيين كان السبب فيها هو أن القائد الروحي هو نفسه القائد السياسي، والقضيتان مختلفتان تماماً، فالمجال الديني يختلف عن المجال السياسي، ورجل الدين إذا كان قائداً، يعتقد أنه على حق وما يقوله حق، ويعطيك ألف سبب وسبب، وهو لا يعتقد أن الآخرين يمكن أن يكونوا على حق، مستشهداً بتجربة الإخوان المسلمين في مصر؛ فرئيس الدولة يقول كلاماً كسياسي في الصباح، ثم يأتي في المساء ويغير كلامه لأن القيادتين الدينية والسياسية في شخص واحد وهو المرشد.

أحاديث سخيفة وحقيرة!

وفيما يتعلق بالإعلام، تمنى أن تكون هناك محطة إعلامية واحدة تركز على نظرة شاملة كاملة بحثية متعمقة في كل الموضوع الإسلامي، وليس من وجهة نظر هذا المذهب ولا ذاك العالِم، وإنما تبرز كل هذه الجوانب بحرية تامة وبموضوعية وبهدوء حتى يعرف الناس ما الذي يجري. والحال أن الإعلام اليوم إما أن يسب أو يبتذل في النقاط التي أتى بها معتمداً على قال (فلان عن فلان عن فلان)، مستدركاً بالإشارة إلى جزئية (الأحاديث)، حيث وضعت أحاديث لا حصر لها، منها ما هو غير منطقي، ومنها السخيف، ومنها الحقير، ولا يزال الناس يأخذون ويعملون بها، متسائلاً :»في مثل هذه الحالة، وهذا التعليم وهذا الإعلام، هل ننتظر أن يخرج الناس من الانقسام الطائفي؟».

وشدد على أن «ظاهرة الانقسام الطائفي لا تهدد المجتمعات من الناحية الاجتماعية والسياسية، ولكن في اعتقادي أن هذا الموضوع يهدد الإسلام نفسه، والذين يعتقدون أن الدين الإسلامي يمكن أن يكون في منأى فهو مخطيء! ولذلك، جربوا التركيز على بعض القراءات، وكذلك تكلموا مع بعض الشباب الذين ملوا من هذا الدين، الذين يخرج من محنة إلى محنة إلى محنة، ولا يقف عند محنة معينة، وهو شبيه بما جرى في أوروبا عندما أصبح الناس ينفضون من حول الدين المسيحي - ليس من الناحية السياسية - ولكن من الناحية الروحية، وبقيت الكنائس خالية لسنين طويلة وإلى اليوم في بعض البلدان. لذلك، فإن الجانب الروحي والديني ينتهي عندما لا يعرف رجال الدين والمؤسسات الدينية كيف تتعامل مع مجتمعاتها، إلى أن وصلت القضية إلى النحر كما نرى في سورية والعراق واليمن، أو حتى ما نراه في مصر التي لم نكن نتصور أن يحدث فيها انقسام طائفي».

اللعبة الصهيونية والتقسيم

ولفت إلى أن الصهيونية تلعب دوراً في إثارة الطائفية، والذي خطط منذ سنين لأن يتم تقسيم المنطقة على أساس قبائلي، فإن لم يفلحوا يتجهون إلى التقسيم الديني، وإن لم يفلحوا يتجهون إلى تقسيم آخر، فالمهم في نهاية الأمر هو التقسيم، وزاد على قوله: «أنظر إلى القضية بمنظار يكاد يختلف عن المنظار الذي يُنظر إليه يومياً.. أنا أعتقد أن هناك إشكاليات مفصلية بالنسبة لموضوع الطائفية في كل البلدان العربية، وأريد أن أقول إذا لم تُعاد قراءة التاريخ قراءةً جيدة بحيث نكون صريحين تماماً ولا نغنغن في تاريخ الانقسام في الدين الإسلامي، ونتعامل معه كتاريخ ولا نخاف من أن يمس هذا الشخص أو ذاك ممن أخطأوا.. حتى يعرف الناس ما خفي عنهم.. لابد من قراءة المسبب التاريخي والثقافي والتربوي واللغوي، فعلى المدى الطويل هناك حل، ذلك أن كل العالم عنده تاريخ يدرسه ويستفيد منه إلا نحن! نصر على أن نعيش التاريخ.. أن نرجع إلى الوراء 1400 سنة، ونعيش مثلما عاشوا في ذلك الوقت».

وتناول الحديث عن الأمة التي لا تزال تتكلم عن الخلافة الإسلامية ومن هو الأحق بها، فتلك المجتمعات انتهت، وخلافاتها انتهت، وشخوصها ماتوا، لكننا نتحدث عنهم يومياً، فيما الدراسة الحقيقية قد كتبت كفتنة كبرى، ولكنها لا تزال عند فئة صغيرة من الناس، إلا أن المطلوب أن يعرف الفرد العادي أن هذا التاريخ المسبب لهذا الانقسام قد كتب كتابة «غير صحيحة»، إما بالمبالغة في التقديس، وإما بمعايير التقوى والورع دون ذكر الأخطاء البشرية الجسيمة التي ارتكبت آنذاك، ودون ذكر الإضافات الكثيرة التي أضيفت لهذه الحادثة أو تلك.

مقدسون شاركوا في الفتنة

وتطرق فخرو إلى ضرورة الوضوح في طرح الفتنة الكبرى تاريخياً، التي لا يتم تدريسها في المدارس، ولا يتكلم عنها الإعلام؛ لأن شخوص مقدسة شاركت ودخلت في تلك الفتنة! ويصبح من الصعب إثبات أنها لم تكن سوى فتنة دنيوية بحتة بين من يحكم ومن يسيطر ومن يستلم المال، فالدين الإسلامي حث على العلم والعدل، لكن بعد انتشاره بثلاثين إلى أربعين عاماً زاد عدد العبيد بدلاً من أن ينقص! والدين الإسلامي حث على عدم كنز الذهب والفضة، وبعد أربعين أو خمسين سنة بدا الغنى فاحشاً! الدين الإسلامي نهى عن العصبية فزادت العصبية والانقسام، وأصبح الناس يتفاخرون بالأنساب وهو أمر نهى عنه الدين، فهذه الأحداث التاريخية لابد من فهمها، وهي التي هيأت للانقسام المذهبي.

وساق محوراً مثيراً للتأمل: «في التاريخ، كان هناك غلاة من السنة والشيعة هدفهم الحياة الدنيا.. مثلاً، عندما استلم الخليفة عثمان بن عفان الحكم، كان الإمام علي بن أبي طالب يأتيه يومياً للاتفاق على حل للإشكال، وينقله إلى جماعة فيقلبون الرأي ويغيرونه لأنهم كانوا (غلاة دنيويين)... القضية ليست قوانين، فهي داخلة في أننا لا نعرف كيف نقرأ تاريخنا، ولا نريد أن ندرسه دراسة جيدة لنعالج المشكل حتى لا ينفجر بعد عشرين سنة».

ثقافة الخنوع والاستبداد

أما النقطة الثانية التي ربطها فخرو بالتاريخ فهي الخلفية الثقافية القائمة على الاستبداد والصراع الداخلي، فالخلافات الثقافية التي ظهرت في ما بعد العهد الراشدي «شيء لا يتصوره العقل»! وبالإمكان التحدث فيه لعشرات الساعات، ومنها ما هو مؤسس لثقافة الكراهية والنعرات من أجل المصالح الشخصية البحتة، ضارباً المثل بطلحة والزبير، وهما من الصحابة، جُرّوا جراً ليبايعوا الإمام علي بن أبي طالب، وما أن سنحت لهما الفرصة، انضموا إلى الفتنة! فهذه القضايا الفظيعة عندما يقرأها الإنسان يدرك أن ثقافتنا متولدة من ثقافة الاستبداد والخنوع والخوف.

وتساءل: «كم من المسلمين يعرفون أن المذهب ليس قضية دينية بل هو مدرسة اجتهادية بشرية في قراءة التاريخ؟ ولو حاولت أن تناقش أحداً فيما جاءت به المذاهب الفكرية، قد يتهمك بأنك سبَبْت الدين، بل وخرجت من الدين! وقليلون يفهمون بأن الفقه الإسلامي هو نتاج بشري، فعندما تأتي الوهابية وتقول عن الأباضية أنهم خارجون عن الدين.. طيب الوهابية مذهب.. والأباضية مذهب.. السنة.. الشيعة.. كلها مذاهب.. كلها نتاج بشري، لكن إذا لم نتمكن من إزالة هذه الأفكار الثقافية الخاطئة فالوضع صعب».

وعلى صعيد اللغة، أفاد فخرو بأن «كلمة (بحراني وبحريني) تحولت إلى كلمات طائفية بحتة مع أنها قضية لغوية.. كلمات من قبيل صفوي وناصبي تتكرر ليل نهار بمشاعر طائفية.. ثم هل من الضروري أن يقال عن فلان رضي الله عنه، وعن فلان قدس الله سره، وهي واضحة تماماً بمعانيها المذهبية البحتة، ولكن هل نبتعد عنها ونبعد الناس حتى ينسوا.. أبداً فهذا لا يجوز؟... واليوم أجلس أمام الفضائيات وأنظر للتخلف المفجع وأتساءل.. هل نستطيع محوه لكي نقضي على الانقسام الطائفي كونه تخلفاً مؤججاً ويبني ثقافة طائفية؟».

واختصر فكرة المعالجة بالقول: «بالله عليكم، أي نظام تعليمي في الأرض العربية أو الإسلامية يدرس الدين الإسلامي بموضوعية وبإنصاف للطلبة بحيث ينقل ما تقوله المذاهب الإسلامية الأخرى؟ نحن في البحرين، وبصراحة تامة، أليس المفروض أن تكون دراسة الدين الإسلامي دراسة معمقة للمذهبين السني والشيعي والمذاهب الأخرى؟ وعندما لا نفعل ذلك، هل ننتظر من الأولاد القادمين من بيوتهم المبنية ثقافتهم على الانقسام الطائفي والفهم الخاطئ... هل ننتظر منهم أن يعدلوا من أنفسهم؟».

وفي ختام المحاضرة، تمنى فخرو أن تسهم الأوضاع التي تشهدها الأمة في إحداث تغيير حقيقي بقراءة صحيحة للتاريخ.

فيما دارت المداخلات من جانب الحضور في اتجاه إحداث التغيير الفكري والثقافي، والدفع في اتجاه إزالة الشوائب من الثقافة الإسلامية المسببة للانقسام والرجعية.

العدد 3953 - الأربعاء 03 يوليو 2013م الموافق 24 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 12:56 م

      مع الاحترام

      وهل هنالك قائد سياسي يرى انه على باطل ? مي تكون هذه هي مشكلة القائد الديني السياسي فشل الساسة الاسلاميين في السنتين الماضيتين سببه فشل الرؤية والايديولوجية وهبوط في احترام الاخرين والتعامل معهم اما الاسلام السياسي ، والقائد المسلم حكم العالم ونشر العدل وهو الرسول الاعظم ص وبعده الخلفاء المنصبين الهيا ولدينا مثال ناجح في جارتنا ايران كلام ينطبق على الساسه وليس كلهم

    • زائر 17 | 6:26 ص

      كم انت رائع يا دكتور

      لو كل المفكرين والمثقفين يحملون هذا الفكر النير ، لكانت البحرين بالف خير ، انا احد المعجبين بهذا الرجل الشهم ذو الثقافة والفكر النير ، هنئا للبحرين بهذا الرجل المعطاء

    • زائر 16 | 3:11 ص

      ياريت

      ياريت رجالات الدولة بنصتون الي افكارك

    • زائر 13 | 2:55 ص

      الحوار السياسي

      دكتور علي, يجب أن تكون جزء من الحل و مساهما مباشرا في الحوار السياسي الدائر في البلاد. أنا أرشحك و أطلب من الناس مساندة هذا الترشيح.

    • زائر 11 | 1:55 ص

      فكر راقي ولكن

      تحليل واقعي في أغلبه ولكن أعترض على أن الصهيونية سبب الطائفية بل نحن سبب البلاء لأنفسنا، فلا الإعلام الطائفي في العالم العربي صهيوني ولا علماء الدين الطائفيين صهاينة.

    • زائر 10 | 1:55 ص

      هذا الكلام الكل يعرفه

      اين رؤيتك السياسية حول الخروج من الازمة من البحرين ... ؟

    • زائر 20 زائر 10 | 2:26 م

      من قال ذلك؟

      من قال أن كلام الدكتور علي فخرو الكل يعرفه.. واذا كان الكل يعرفه لماذا تزداد الأزمة الإنقسام الطائفي؟؟ ثم الدكتور علي يتحدث عن موضوع بعينه..فما دخل رؤيته عن الخروج بالأزمة؟ اذا كنت غير متابع ولم تعرف شيئاً عن اللقاء الوطني الذي يديره فخرو فتلك مشكلتك يا اخي..تابعوا واتعلموا يا جماعة بدال الأسئلة التي لا اجابة لها في التعليقات هنا..تابعوا وكونوا حريضين على الفهم.

    • زائر 8 | 1:45 ص

      يسقط التمييز

      التمييز هو ما مزق هذا البلد .. وللأسف شركاء الوطن فرحون ومرتاحون بإقصاء الطرف الآخر وينكرون التمييز .. ماهو الحل اذا كانت الحكومة تنكر وجود التمييز ونحن نموت في اليوم الف مرة بسبب التمييز .. عاطل جامعي

    • زائر 7 | 1:41 ص

      هذه نتيجة حتمية لطأفنة الدولة على مدى عقود

      طأفنة مفاصل الدولة على مدى عقود وتكريس التمييز بصورة مقيتة وما يحصل نتيجة حتمية لهذا التخريب والحقيقة مرّة ومن يقولها فمكانه المعتقلات

    • زائر 4 | 12:21 ص

      صح إلسانك

      يا ناس اسمعوا الكلام واعقلوه

    • زائر 3 | 10:37 م

      كنت أود حضور هذا المجلس لو علمت به

      هذا المفكر الكبير كنز كبير للوطن وهو معلم يستحق أن يستمع بل ينصت بامعان الى كلماته......
      بهذا رجال تبنى الأوطان والأمم.
      هنيئاً للحاضرين ولنا بقراءة حكم هذا الرجل العظيم.. وسيأتي اليوم لا محالة بأن يتقلد مثل هذا المفكر مناصبهم المناسبة ويسير الوطن في الاتجاه الصحيح فيعلوا.

    • زائر 2 | 10:05 م

      اتفق معك ولكن !

      لا يولد ولا يبدأ الانسان سياسيا
      يبدأ في تخصص ما كحضرتك يا دكتور ثم يتحول للسياسة .. اتفقنا
      وأظن رجل الدين امتهن الدين ثم يتحول للسياسة حاله حال الآخرين ..اتفقنا
      وقد ينجح او يفشل البعض منهم .. كتجربة الخميني بنى دولة ونصر الله بنى حزبا والاثنان نجحا وأن اختلفنا او اتفقنا معهما ..
      نعم المتطفلين من اي مهنة رجل دين اقتصادي طبيب الخ .. لما يدخل وينظر بالسياسة مشكلة..
      وفي البحرين من دخل المعترك السياسي علي سلمان! والبقية يدلون بدلوهم بما يلقى عليهم الواجب الديني فقط

    • زائر 1 | 9:52 م

      الواقع

      هكذا هو الوضع..... ما هى سبل الخروج منه؟ لا شيء طالما المستفيد هو من يضع الاصول الإجتماعية و القوانين و يتحكم فى البشر. كان و يكون و سوف يكون ... و الحديث عنه لا يغير شيئا.

اقرأ ايضاً