العدد 3950 - الأحد 30 يونيو 2013م الموافق 21 شعبان 1434هـ

الدولة والاستيعاب والمساواة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قِيل بأن الدولة تتكوَّن من: أرض، نظام سياسي، وأفراد. وفي تفصيل أوَّلي مُبسَّط، فإن أرض تلك الدولة، ليس بالضرورة أن تكون متجانسة. فهي مُوزَّعة على هِضَابٍ وتِلال ووديانٍ وسهولٍ وصحاري ورؤوس وخِلجان. وفي أدنى الحالات، مُنعرجات أرضية مُنبسطة.

أما النظام السياسي، فهو مجموعة من المؤسسات البيروقراطية، التي لا تعمل بطريقة واحدة، كونها متباينة وظيفياً، ما بين تنفيذ وتشريع وقضاء. بل إن ذلك النظام السياسي في الدولة الحديثة الديمقراطية، لا يكون منسجماً حتى في التوجهات والرؤى.

أما الأفراد، فهم الأكثر جلاءً فيما خصَّ ذلك التباين والفرق. بمعنى أن النفس البشرية، كوظيفة للجهاز العقلي والعصبي، ومُسيِّرة لحركات البشر، وأنشطتهم الانفعالية والسلوكية والمعرفية، هي الأقدر على تظهير أشكالها المتنوعة، على جميع المستويات.

من هنا، بدأ مفهوم التعددية يظهر. فاختلف الناس في قولِهِم وعملِهِم ورؤيتِهِم وتفسيراتِهِم ومتطلباتِهِم وقدراتِهِم وقابلياتِهِم، في تجانس شبه تام مع فروقات وجوههم وأبدانهم. فكما اختلفت قَسَمَات وجوههم، اختلفت نفوسهم أيضاً.

لذا، جاء تطوُّر مفهوم الدولة وإدارتها، حيث أصبح هناك تلازمٌ بين مسيرة الدول، وبين تفتق ما كان يمايز البشر عن بعضهم. بحيث أصبح تأخر المسار الأول عن المسار الثاني صورة من صور عجز الدولة، عن محاكاة التطور الإداري والحقوقي، وما يُفضي به ذلك إلى الفشل، وبالتالي، خلق أنظمة سياسية معطوبة أو مثقوبة القاع، ومُعرَّضة للاهتزاز.

فالدولة لم تعد كياناً سياسياً يُمارس السيادة على الأرض، ويمتلك وظائف مادية ومعنوية بشكل شمولي، ويتحكم فيها بشكل أَبَوِي أو كأخ أكبر، ولا جهازاً يُقدّم الخدمات بشكل ريعي أو كقيمة مفترضة لشراء الولاءات، أو إيقاع الجزاءات ضد الأغيار.

بل إن الدولة حين تطوَّرت تخطت كل تلك التفسيرات الكلاسيكية للإدارة الناشفة ذات الاتجاه الواحد، لتنتقل إلى صناعة إدارة تختزل في باطنها فروقات البشر وتبايناتهم، بحيث تستوعبهم إلى الحد الذي يستطيعون فيه رؤية ذواتهم باختلافاتها في حركة الدولة.

كل التجارب السياسية التي كانت رائدةً في مجال الإنجاز الوظيفي المادي المُجرَّد لم تكن تحظى بشرعية حكم رشيد. حتى الإنجازات التي قام بها الحكم القيصري في روسيا في القرن الثامن عشر، فيما خَصَّ مكافحة الرق والفقر، كانت تُنعَت بالطغيان المستنير.

بل إن الحالة القومية والوطنية في أوروبا، لم تكن لتُنجَز بذلك الطغيان، ولا بالأنظمة الشمولية «النسبية» حتى. حيث بَقِيَت الولاءات مُتشظية، ومُمتدة إلى خارج حدود الأقطار، الأمر الذي ساهَم بشكل كبير، في بقاء الحروب الداخلية والبينية مُستعِرَة.

لقد كان هناك ولاءٌ للقياصرة الروس في أوتيل لامبير الفرنسية. وكانت المناطق الغربية لألمانيا تعيش ولاءً للفرنسيين. بل إن إيطاليا المحكومة بالرجعية آنذاك لم تعد قادرة على تحفيز جنودها في الجيش على خَوضِ معارك ضد الجيوش الهنغارية والنمساوية.

السبب، أن نموذج الدولة التي يستظل تحتها جميع الناس بشكل متساوٍ، ومن غير حَيْفٍ لم تعد قائمة ولا محسومة. وحين حَدَثَت تلك المساواة، وتشكل الدولة من وَهَجِ التباينات البشرية للشعوب، بدأت الحالة القومية والوطنية تستقر وتتماسك بقوة، وأصبح الناس يُحسُّون بالانتماء لتلك الدولة، ويتقدمون للدفاع عنها بقوة.

هنا، يظهر لنا أهمية بناء الدول على إيقاع الحركة الإنسانية بصورتها الأوسع. والأهم من ذلك، هو معرفة الزاوية الأساس في ذلك البناء، وهي مسألة الـ «مساواة». والحقيقة، أن هذه الكلمة ذات الحروف الستة، كانت المُحرِّك الأول لجميع الثورات السياسية والاجتماعية على مرِّ العصور، بما فيها العصور البدائية، التي شَهِدَت حِراكاً أولياً.

وربما كانت تلك الكلمة، هي إحدى أهم معارك الإسلام الأولى، حين سَاَوى العبيد بالأحرار، والفقراء بالأغنياء، والعرب بالعجم (إلاَّ في العلم والتقوى). ثمّ بدأت معركته مع العطاءات، حيث لم يقبل مَنْ كان يرفل في الثراء، أن يرى نفسه والفقير في منزلةٍ واحدة.

وقد يكون من الجدير فعلاً، أن نشير إلى أن مسألة المساواة، لم تكن يوماً من الأيام، حالةً من حالات «الضرورة السياسية». بل هي إحدى القيم التي فُطِرَت عليها النفس البشرية، فأصبحت مُكوّناً ثقافياً عند البشر بشتى صنوفهم، بل وحتى عند الشعوب البدائية.

وقد تحدث الإثنولوجي الفرنسي مارسيل موس (1872 – 1950) في بحثه القَيِّم بشأن الهِبة وشكل التبادل وعِلَّته في المجتمعات القديمة، عن نوعٍ غريبٍ فعلاً من الثقافة، التي كانت سائدةً عند شعوب المحيط الهادئ، ومناطق أخرى من العالَم لها صِلَة بما نقوله وإن بشكل غير مباشر. وهو ما يُبيِّن حجم الصراع حول مسألة المساواة عند كافة المجتمعات.

وليس ببعيدٍ عن هذا، أن ندرك بأن مسألة المساواة، قد تحوَّلت من نظام بسيط في التعامل اليومي بين البشر، إلى مقياس جِدِّي، لمنح الشرعية للدول الحديثة، بحيث أصبح عدم تحققه يعني فقدان النظم السياسية لشرعية بقائها، أو على أقل تقدير تشويهها وكساحتها.

في المحصلة، فإن الدولة التي يرى البشر تمثيلهم فيها، ثم مساواتها لهم، باتت تشكّل إحدى أقوى المؤشرات على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البُلدان. وربما أصبحت مَلمَحاً من ملامح نمو الدول وتقدمها، وقدرتها على إثبات نفسها في النظام الدولي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3950 - الأحد 30 يونيو 2013م الموافق 21 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:08 ص

      هذا ما ستثبته لنا الايام القادمة

      الكاتب نازل نزلة في المحافظين قبل وبعد الانتخابات وطول انتقادنا ليه على هالشيء والجماعة معاندين وراكبين راسهم إنه يأيد المحافظين!!! امر ثاني اقول للكاتب المحترم ستثبت لك الايام ان الاصلاحيين او كما تسميهم المعتدلين الذي وقفوا ضد احمدي نجاد الذي طعنت فيه وفي ادائه ما هم الا حصان طروادة للغرب يستخدمونهم لتفتيت السلطة وحقوق الايرانيين. والسموحة يالعزيز

    • زائر 2 | 7:05 ص

      عزيزي الكاتب محمد عبدالله

      عزيزي انت مع احترامي لك انت منحاز لنفسك ولسته ديمقراطي وتتكلم عن الديمقراطيه انت تكتب عن ايران ولم تذكر عن حقوق الانسان هناك ولم تذكر التقارير السوداء لايران وايضا لم تذكر الذي جرى لمير حسين مسوي كيف تكون مناحز هكذا وتتكلم عن الديمقراطيه وايران تمارس الضغط على حقوق الانسان وانت قبل سنوات كنت تحارب صوت الحق والعدل في ايران صوت حقوق النعذبين اية الله منتظري قلت عن كلام قاسي الى السب وقلت ان الرجل كذاب حرام كل هذا الكلام

    • زائر 3 زائر 2 | 9:19 ص

      سامحك الله والله ثم الله لو عرفو عنك يا اخي الكاتب الشعب الايراني لجائك انتقادات شديده المرجع منتظري محبوب عن الشعب

      افاه هكذا كما قلت اخي مع الاسف اخونا المحترم الكاتب محمد مع احترامي الشديد له بس هو متعصب لنفسه ولتيار الفاشل في الانتخابات التيار المحافظ المهيمن

    • زائر 1 | 5:38 ص

      حكم الغابة

      عندما يحكم العرب بحكم بديمقراطية بريطانيا عندها سترون الفرق بين كره الشعب لحكامه وبين حبه لهم ولحكمهم لكن ما داموا يحكمون كما تحكم الغابة فلن ترون سوى النمور والفهود والضباع تتمرد على سيد تلك الغابة

اقرأ ايضاً