في يونيو/حزيران 1993، أي قبل عشرين عاماً بالتحديد، عُقِد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في العاصمة النمساوية فيينا في قصر المؤتمرات، بمشاركة أكثر من 7000 مشارك ما بين حكومات وغير حكومات.
كانت مشاركتنا حينها تحت مظلة الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب، والتي تشكّلت بعد التحرير مباشرة، من أسرى سابقين وأهالي أسرى وشهداء ومتطوعين ناشطين في المجال الإنساني، ورفضت الحكومة إشهارها، بل وبذلت كل ما في وسعها للتضييق عليها ومحاربتها، ومع ذلك تمكنت الجمعية باتصالاتها الخاصة، وعلى نفقتها، من التسجيل في ذلك المؤتمر التاريخي، وعرضت وشاركت في العديد من الأنشطة والفعاليات دفاعاً عن الإنسان عموماً.
الأهم من ذلك هو طبيعة المؤتمر التاريخية، حيث جاء في محطة انتقالية بالغة الدقة من تاريخ البشرية، فقد انتهت الحرب الباردة، التي كانت عائقاً أساسياً لأي تفكير جاد في قضايا البشر، فالعالم كان مقسوماً بحدة، إما شرق وإما غرب، بما في ذلك قضايا الإنسان وكرامته.
وقد تخلل مناقشات جلسات الحكومات جدل حاد حول ماهية حقوق الإنسان، وهل بالإمكان قبول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كمرجعية عالمية، أم أن هناك خصوصيات تصطدم بتلك المرجعية؟
كانت الإشكالية أن النقاش كان سياسياً بالدرجة الأولى وضعيفاً فكرياً، فلم يكن مثلاً على غرار ما عُرِف بلجنة حكماء اليونسكو سنة 1945، التي أنجبت لاحقاً الإعلان، إلا أن الأجواء السائدة وحالة الاسترخاء السياسي الحاصلة من توديع الحرب الباردة أسهمت، بشكل ملحوظ، في تحقيق إجماع عالمي على المرجعية الدولية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقبوله كإطار نظري وعملي لكيفية فهم وتطبيق حقوق الإنسان في الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.
أما الجدل الأشد فقد احتدم حول خارطة طريق للدفع بحقوق الإنسان، لكي تصبح أمراً مسلماً به في الدول والمجتمعات. حتى ذلك الوقت (1993) لم يكن للأمم المتحدة جهاز تنفيذي يتولى متابعة قضايا حقوق الإنسان إلا جهاز صغير في جنيف يُطلَق عليه مركز حقوق الإنسان، كان يشرف على طباعة وتوزيع بعض المطبوعات ذات الصلة.
وفي مؤتمر فيينا تم عرض مشروع طموح بإنشاء منظمة أممية وتعيين مفوض سامٍ لحقوق الإنسان، وقد بذلت الولايات المتحدة جهداً كبيراً لإضعاف المقترح، حيث أصرّت على أن يكون المفوض السامي تابعاً لمكتب الأمين العام للأمم المتحدة بدلاً من المقترح الأصلي الذي يجعله تابعاً للجمعية العامة. وقد تمكنت أميركا في نهاية الأمر من فرض إرادتها، إلا أن الأمور لم تتأثر كثيراً بذلك، فقد فرضت الشخصيات المتعاقبة على المنصب رؤاها، وكان لمكتب المفوض السامي أن يفتح أبواباً كانت موصدة في السابق، فأين كنا وأين أصبحنا إنسانياً خلال عشرين سنة؟ بالطبع تم قطع أشواط ولكن الطريق مازال طويلاً.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 3950 - الأحد 30 يونيو 2013م الموافق 21 شعبان 1434هـ