العدد 3949 - السبت 29 يونيو 2013م الموافق 20 شعبان 1434هـ

«الأطباء الحفاة»... تأريخٌ لمدرسة القابلات بالسودان

صدر مؤخراً كتاب «أطباء السودان الحفاة قصة نجاح أبهرت العالم» الذي يؤرخ قصة تأسيس مدرسة الدايات (القابلات) ونجاحها في إنقاذ العديد من أرواح الأمهات والأطفال من الموت في الولادات المتعسرة بجمهورية السودان الشقيقة.

وسرد المؤلف الدكتور حسن الأمين في الكتاب تاريخ مدرسة القابلات من حيث التأسيس والصعوبات التي واجهت العاملين فيها إضافة لاستعراض الجهود الكبيرة التي بذلتها مؤسسة الدرسة مس وولف مع الرواد الأوائل.

ولعبت مدرسة القابلات التي أنشئت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1920 بأمدرمان وهي الأولى لتدريب القابلات دوراً مهماً في تاريخ السودان اللاحق وإن لم تفعل هذه المدرسة أي شيء سوى إنقاذ حياة النساء والمواليد لكفاها؛ إذ كانت النساء قبل ذلك يعانين من الولادات المتعسرة وكانت عملية الولادة مرتبطة بالمضاعفات والوفاة وعملية مرعبة بسبب الختان والممارسات غير الصحية وغير النظيفة للقابلات التقليديات غير المدربات (دايات الحبل)؛ ما جعل جميع حالات الولادة غير طبيعية وغير مأمونة .

ومع وصول الدكتورة موبيل وولف للسودان في نوفمبر 1920 وهي تحمل معها دمية تستخدمها في التدريب بدأت الحكاية، وكانت قبل ذلك رئيسة تمريض في الفيوم بجمهورية مصر العربية، وقد أتت هذه المرأة لتبدأ من لا شيء لتأسيس مدرسة أمدرمان لتدريب القابلات وساعدتها على ذلك جندية محمد صالح التي يصفها المؤلف بأنها «الأكثر تميزاً والرائدة الأولى العظيمة لمهنة التوليد في السودان» والتي كانت إحدى متدربات الفصل الثاني في العام 1921، فيما تصفها الدكتورة وولف بأنها «الأرملة الشابة الجميلة الذكية» وتتحدث عن «شخصيتها الفذة المتكاملة وتفانيها في أداء الواجب؛ ما ترك انطباعاً جميلاً لكل من تعرف إليها. لقد ساعدت كثيراً على نشر مهنتي التوليد والتمريض» .

«كشف الحَلّة»

ولم يكن من السهل استمالة الحوامل لعيادة رعاية الحُمّل وخصوصاً في مجتمع محافظ فعندما بدأت هذه العيادة تجلّت عبقرية الدكتورة وولف ومن معها من الباشدايات السودانيات حين فكرن في استخدام مثل أو تشبيه يسهل فهم النساء لأهمية متابعة الحمل فوجدن ضالتهن في الحَلّة (طنجرة الطبخ) فكان منطقهن مع النساء: «إذا كان لديك حَلَّة على النار فهل كنتِ لتتركين الطعام ليحترق ويتلف أم أنكِ تكشفين الحَلَّة من وقت لآخر لتري حالة الطبخ؟».

لقد كان هذا المثال مقنعاً ومنطقيا للنساء فجئن لمتابعة الحمل في العيادة التي أقيمت في مدرسة الدايات ومن يومها صار «كشف الحَلّة» مصطلحاً معروفاً للرعاية أثناء الحمل حتى في المستشفيات. بعد تبني مفهوم كشف الحَلّة جاءت النساء الحوامل بأعداد كبيرة في السنة الأولى 1930 ومنذ ذلك الوقت صار «كشف الحَلّة» شيئاً محبوباً لدى النساء السودانيات آنذاك .

وواصلت الدايات ابتكار الوسائل للتواصل مع النساء؛ من أجل رعاية المرأة أثناء الحمل وتقديم النصائح للمرأة الحامل بلغة بسيطة ومفهومة ومقبولة.

ونتيجة لهذه الجهود الجبارة التي كان من ثمارها المبكرة في مؤسسة القابلات أن تمت التغطية العالية بخدمة التوليد ووصولها إلى الغالبية العظمى في القرى والأحياء فمنذ نهاية الأربعينات من القرن العشرين الماضي تمت تغطية أكثر من 60 % من السكان بهذه الخدمة الضرورية وانحسرت وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة وانحسرت وفيات الأطفال وخصوصاً من مرض التيتانوس واجتازت المؤسسة اختبار الزمن .

وبقي أن نعرف أن الباشدايات السودانيات المشرفات على هذه المدرسة كنّ أميّات لا يعرفن القراءة والكتابة.

العدد 3949 - السبت 29 يونيو 2013م الموافق 20 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:07 م

      من اهم الرسائل التي مافتات بعث بها مدرسة القابلات في ام درمان ان التواضع في تقديم الخدمة الطبية هو الاساس المتين الذي يجب ان يجبل عليه المثقف حتي يجد القبول في المجتنع وللاسف الشديد مازالت النخب في المجتمعات العربية تنظر للعامة بشئ من الدونية وتلك النظرة ولدت جفاء بين المتعلمين وبين غمار الناس فكان المثقف يغرد في واد ليسمع صداه في واد اخر فالتحية لكل البسطاء في المظهر والاذكياء في الجوهر

    • زائر 1 | 1:53 م

      عمل جليل من الرواد الاوائل. لذا والسودان يعتبر من الدول الرائده في مجال الخدمات الصحيه الاساسيه خاصه متابعه سلامه النساء الحوامل . اين نحن الان من ذلك المجد النليد

اقرأ ايضاً